خاص – أخباركم
في ذهن التيار الوطني الحر مكانة خاصة لرئيس مجلس النواب نبيه بري. فالعلاقة مع “حليف الحليف” منذ بداياتها، بالغة التوتر. هو يعرف ماذا يريدون، وهم يعرفونه جيداً. يرفعون شعار التغيير والإصلاح وبالتالي قلب قواعد اللعبة التي استساغها منذ العام 1992، وهو يتوجس، ويرمي العراقيل في وجههم الواحدة تلو الأخرى. لو هو يئس، ولا هم تراجعوا. وأتت ولاية الرئيس العماد ميشال عون، لتزيد في طين المواجهة بلة، بعدما تعهد بعدم جعل الرئيس يحكم…
أوساط “التيار” تراقب خطاباته وتضحك. لا بل تقول مستعينة بالمثل الفرنسي “يضحك من يضحك أخيراً”. منذ إصدار تقرير التدقيق الجنائي والتوتر يزداد في محيط بري السياسي والإعلامي، لا بل أن هذا المحيط بدأ بالقصف العشوائي على “التيار” وقنواته الإعلامية، من دون سابق إنذار. وترافق ذلك مع إعادة أركانه كعلي حسن خليل أسطوانة “التدقيق في كل الوزارات”، معتقدين أنه بذلك يستهدفون “التيار” في اليد التي توجعه، أي وزارة الطاقة. لكن رد “التيار” يأتي سريعاً: “أهلاً وسهلاً بالتدقيق الجنائي في كل الوزارات وفي طليعتها وزارة الطاقة”.
في جعبة “التيار” ما يعيد به التصويب والقصف على قدس أقداس الثنائية الشيعية وبالتحديد “أمل”، أي وزارة المالية التي يحملها مسؤولية عرقلة كل خطط وزارة الطاقة منذ العام 2011 وإعداد جبران باسيل خطة إصلاح الكهرباء بمراحله الثلاثة، الإنتاج والنقل والتوزيع.
توتر بري ترجم في خطاب تغييب الإمام موسى الصدر، الذي يحفظ له العونيون المكانة الحقيقية بصفته رائداً في اللبننة والميثاقية والعيش الواحد. يتساءلون بداية عن سر الهجوم المسبق على نوايا باسيل الرئاسية، لكنهم يعرفون جيداً أن كل هذا الغيظ مصدره تقدم باسيل في المعادلة الداخلية والمراقبة الإقليمية والدولية. هذا التقدم بغض النظر عن مسار الحوار المهم مع حزب الله، كرّس باسيل رقماً صعباً في صناعة رئيس الجمهورية، وهذا أكثر ما يغيظ رئيس حركة “أمل” الذي يطلق قنابل دخانية على الرئاسة وحتى الحوار مع حزب الله.
مصدر توتر بري بحسب العونيين أنه يعرف جيداً خفايا اللعبة. هو يهاجم في ملف الرئاسة لأنّه متيقن ألا رئاسة من دون جبران باسيل، الذي وإن وافق، افتراضاً على سليمان فرنجية، فلن يكون ذلك إلا بتغيير قواعد لعبة الإدارة المالية التي يتشبث بها بري منذ العام 1992. نفوذه يتراجع وموقعهم إن لم يتقدم، يحافظ على دوره وتأثيره. كلما توتّر يصبحون أكثر ثقة بأنفسهم.
لم ينسَ بري الغمز من زاوية إنجاز الغاز، والجميع يعلم أن مفاوضاته حول خط هوف كادت أن تودي بحقوق لبنان في الثروة الغازية، قبل أن يعيد ميشال عون التفاوض إلى بيته الحقيقي في رئاسة الجمهورية ووفقاً للدستور، ويحقق تقدماً في خطوط الترسيم يتجاوز بكثير ما أهدره بري. الأخطر أن مفاوضات الترسيم حصلت بدور طليعي للواء عباس ابراهيم، وبتفاهم ضمني عميق مع حزب الله، لا بل أن الخطورة الحقيقية تكمُن فيما حفظه الأميركيون لجبران باسيل في التفاوض والقدرة على صياغة التفاهمات وتقديم الإقتراحات العملية.
يراقب نبيه بري كل ذلك ويتوتر، أما “حليف الحليف” فيراقب ويراكم. ففي اقتناع “التيار” أن منظومة التسعينات إلى تراجع كبير مهما بلغت شراستها، خاصة وأن الغطاء الدولي لها قد سقط، فيما هم قد قاموا بواجباتهم في محاربتها، وأول الغيث تقرير التدقيق الجنائي.