كتب مسعود محمد: لنعرف ماذا يجري في دير الزور، علينا ان نعلم ماذا حصل في قمة طهران حيث كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان في ضيافة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وحضر كشاهد “ما شفش حاجه” وزير خارجية سوريا فيصل المقداد.
وكان الطبق الرئيسي في ذلك الاجتماع التمسك باتفاق سوتشي، حيث أعربت الدول الثلاث في البيان الختامي عن تصميمها “على مواصلة تعاونها القائم للقضاء في نهاية المطاف على الأفراد والمجموعات الإرهابية”، ورفض “كل المحاولات لخلق وقائع جديدة على الأرض تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، بما يشمل مبادرات الحكم الذاتي غير القانونية، والتصميم على الوقوف في وجه الأجندات الانفصالية الهادفة لتقويض سيادة ووحدة أراضي سوريا، إضافة الى تهديد الأمن القومي للدول المجاورة”.
الموضوع غير المعلن في ذلك اللقاء، كان مواجهة القوات الأميركية واخراجها من سوريا. فقسد هي ذراع عسكرية للتحالف واجه إرهاب داعش، وكسرها الهدف منه تطويق القوات الأميركية التي اعتبرت لوحدها احتلالاً وكأنّ تركيا وإيران وحزب الله والفاطميين الأفغان والحشد الشعبي هم “في نزهة” في الأراضي السورية.
لم تكد تنتهي القمة حتى انطلقت الدعاية الإعلامية للممانعة محرضة العرب على الكرد، ودفع النظام السوري العشائر العربية الموالية لها لقتال قوات سوريا الديمقراطية بدعم مباشر من إيران و(ح ز ب الله) التي حرّض امين عامه تلك العشائر على قتال قسد وقواتها. وانضم الى تلك الدعاية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الذي قال “ان وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من أميركا احتلت أراضي عربية في سوريا”، وكأن الأراضي التي يحتلها الجيش التركي في الشمال السوري ليست سورية وهو ليس محتلاً.
لقد انطلق التغيير في سوريا بهدوء من السويداء ودرعا وسيتم اسقاط دير الزور والبوكمال واقفال الحدود العراقية. ان المعركة في سوريا اليوم هي امتداد للحرب الأوكرانية – الروسية والمطلوب كسر روسيا في سوريا في موازاة كسرها في أوكرانيا واخراج ايران منها.
الغريب في ما يحصل هو حملة الكراهية التي انطلقت من الاخوة العرب اتجاه الكرد عموماً وليس قوات سوريا الديمقراطية فقط كما يشيعون، وكأن المطلوب خلق صراع عربي كردي للتشويه على معركة اقفال الحدود العراقية – السورية امام مليشيات ايران. وأطلق المحرّض الإيراني معركة موازية في وجه الكرد في كركوك لشيطنة الكرد عموماً، وتدخلت المحكمة الاتحادية العراقية والغت القرار التنفيذي لرئيس الوزراء العراقي القائد الأعلى للقوات المسلحة العراقية لإعادة مقر حزبي في كركوك تابع للحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي وفق اتفاق سياسي، وانطلقت أصوات في كركوك متهمة الكرد زوراً بالتعدي على العرب. مَن قام بتلك الحركة قام بها خوفاً من توحيد الجهود على طرفي الحدود ما بين كردستان العراق والأراضي الكردية في سوريا حيث يعتبر القسم السوري عمقاً استراتيجياً لكردستان العراق. فمنذ انطلقت الثورة السورية، اعتبر اكراد سوريا انه من حقهم الحصول على تمثيل خاص بهم يحفظ هويتهم مقارنة بأقرانهم اكراد العراق. من هنا كانت وحدة الترك والفرس والعرب ضد الاكراد والسعي لاسقاطهم في سوريا واضعافهم في العراق حتى لا يكون وضعهم يسمح لهم بالمطالبة بأي شيء عند نضوج الظروف الموضوعية. الا ان تلك الأحلام لن تتحقق، وليس من السهل كسر قوات سوريا الديمقراطية، وليس المطلوب من تلك القوات ان تحكم بشكل مباشر دير الزور والبوكمال، فلديها عشائر عربية حليفة لها يمكنها القيام بالمهمة وعلينا ككرد ان نقدم نموذجاً مختلفاً عن الشوفينية العربية والفارسية وبالتالي نموذجاً للاخوة يطمئن العشائر العربية الحليفة لنا.
لقد قدمت تلك الابواق الشوفينية التي شملت كل الكرد بكراهيتها خدمة جلية لقوات سوريا الديمقراطية، اذ اصبح هناك تعاطف معها حتى من المختلفين معها تاريخياً وانا واحد منهم، خاصة وان الذاكرة التاريخية للكرد لم تنسَ ان الخط العاشر تمّ توطينه بتلك القبائل العربية.
ومشروع الحزام العربي يعود إلى بداية الستينات من القرن الماضي، وتم تنفيذه على مراحل قبل وبعد إنقلاب حزب البعث في 8 آذار / مارس 1963. وتسارعت خطواته التنفيذية التي استهدفت الشعب الكردي في وجوده على أرضه التاريخية منذ إنقلاب حافظ الأسد في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 1970.
سبق عملية تنفيذه، الاستيلاء على الأملاك الخاصة وفقاً لقوانين الإصلاح الزراعي، وشمل ذلك مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الخصبة للملاكين والفلاحين الكرد. وتُعد منطقة خط العاشر، واحدة من أكثر مناطق الجزيرة اكتظاظاً بالسكان، وكانت مزدهرة بالقرى والمدن قبل أن تشكل الدولة السورية وتركيا الكمالية في بدايات القرن الماضي، وسُميت بخط العشرة نسبة إلى قرار منع التملك فيها بدءاً من الحدود التركية شمالاً نحو الجنوب بعرض (10- 15 كلم) وطول يمتد من الحدود العراقية شرقاً إلى أكثر من 350 كلم نحو الغرب بموجب المرسوم التشريعي رقم 2028 تاريخ 4 حزيران/يونيو 1956. أعقبه نظام البعث بالمرسوم التشريعي رقم 136 تاريخ 11 تشرين الثاني/نوفمبر 1964، واعتُبر بموجبه كامل محافظة الحسكة منطقة حدودية، بحيث لا يمكن إنشاء أو نقل أو تعديل أي حق من الحقوق العينية على الأراضي الكائنة ضمن المحافظة، والتي تشكل حوالى 13% من مساحة سوريا الإجمالية. كما تم منع الاستثمار الزراعي لمدة تزيد عن ثلاث سنوات، إلا بموجب رخصة مسبقة تصدر بقرار عن وزير الداخلية بناءً على اقتراح وزير الزراعة والإصلاح الزراعي بعد موافقة وزير الدفاع. هذا الإجراء تمّ اتخاذه من أجل منع أي تنمية في المنطقة الكردية. بالإضافة إلى ذلك، جرى استثناء المستوطنين من قوانين منع التملك، حيث أصدر محافظ الحسكة قرارات التملك الخاصة بكل مستوطن في عام 2004، حسب حصته، وكان ذلك كرد تكتيكي على انتفاضة الشعب الكردي في العام نفسه في 12 آذار/مارس. وأعقب ذلك قانون رقم 49 في عام 2008، منع تملك العقارات المبنية وغير المبنية خارج المخططات التنظيمية للمدن والبلدات والقرى في محافظة الحسكة، مما أدى إلى هجرة معاكسة باتجاه الداخل السوري بسبب ذلك، مع زيادة معدلات البطالة وسوء المواسم الزراعية وتعطيل أسباب الحياة والعيش.
المسألة الثانية التي على قوات سوريا الديمقراطية اخذها في الاعتبار، هو الحوار الكردي الكردي الداخلي وتنشيطه. فهناك قوى أخرى وطنية كردية موجودة على الساحة الكردية السورية، وهي قادرة على اطلاق خطاب معتدل يقدم صمّام امان للأخوة العرب ولباقي الأقليات في سوريا حيث قدرنا أن نعيش معاً.
لن تكون معركة تغيير خارطة سوريا التي انطلقت سهلة، وستكلف الكثير من الدماء والسعي لحفظ الحقوق ليس مقتصراً على الكرد فقط بعدما امتدت الى الساحل السوري حيث أصبحنا نسمع أصواتاً علوية تنادي بحماية الطائفة والانسحاب نحو الساحل والتخلي عن بشار الأسد. انه زمن التغيير، لذا علينا ان نحفظ رأسنا ونوحّد صفوف مجتمعنا.