أخباركم – أخبارنا
تقرير سوريا
شهدت سوريا، الأحد، إغلاق صناديق الاقتراع في أول انتخابات لمجلس الشعب منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي، وسط انتشار أمني كثيف وتغطية إعلامية رسمية وصفت العملية بأنها “مرحلة انتقالية نحو الديمقراطية”.
لكنّ هذه الانتخابات، التي جرت وفق آلية تصويت غير مباشر، واجهت رفضًا واسعًا من قوى المعارضة والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، التي اعتبرتها “غير ملزمة” و”محاولة لإعادة إنتاج الاستئثار بالسلطة تحت غطاء جديد”.
ورغم إعلان دمشق عن “نجاح العملية الانتخابية” ومشاركة بعثات دبلوماسية في مراقبتها، قاطعت محافظات الحسكة والرقة والسويداء الانتخابات بالكامل، واعتبرتها “مسرحية سياسية” لا تعكس التعدد السوري، بينما شددت قوى مدنية على أن “التمثيل الشعبي الحقيقي لا يكون بالتعيين أو التصويت غير المباشر”.
تفاصيل العملية الانتخابية
أغلقت السلطات السورية جميع المراكز الانتخابية مساء الأحد، بعد يومٍ كامل من الاقتراع في انتخابات مجلس الشعب الجديدة، التي اعتبرتها الحكومة “خطوة تأسيسية لبناء مؤسسات الدولة بعد سنوات من الحرب والفوضى”.
وأعلنت وزارة الداخلية عبر منصة “إكس” أن عناصرها نفذوا انتشارًا أمنيًا واسعًا لتأمين مراكز الاقتراع في جميع المحافظات، وضمان سير العملية الانتخابية “في أجواء يسودها الهدوء والانضباط”.
وأكد مصدر في الوزارة لقناة “العربية/الحدث” أن العملية جرت “دون خروقات تذكر”، فيما قال رئيس لجنة الانتخابات محمد الأحمد إن “الاقتراع يسير بسلاسة”، مشيرًا إلى “وجود سفراء أجانب اطلعوا على مجرياته”.
وانطلقت العملية الانتخابية في التاسعة صباحًا بمشاركة نحو ستة آلاف ناخب من أعضاء الهيئات الانتخابية، الذين اختيروا لانتخاب ثلثي أعضاء البرلمان البالغ عددهم 210 مقاعد، فيما يعيّن الرئيس أحمد الشرع الثلث المتبقي بموجب الإعلان الدستوري المؤقت.
وتستمر ولاية المجلس الجديد ثلاثين شهرًا قابلة للتجديد.
وقالت اللجنة العليا للانتخابات إن “النتائج الأولية ستعلن خلال مؤتمر صحفي رسمي يوم الإثنين أو الثلاثاء المقبل”، مؤكدة أن مقاعد محافظات السويداء والرقة والحسكة ستبقى شاغرة بسبب “الظروف الأمنية”.
ملامح أولية للنتائج ومشاركة محدودة في دير الزور
بدأت عمليات الفرز في عدد من المراكز الانتخابية بدمشق وحلب ودير الزور، حيث سجلت دائرة دير الزور نسبة مشاركة بلغت نحو 90% وفق اللجنة العليا.
وأعلنت نتائج أولية أظهرت فوز مرشحين محليين، من أبرزهم عامر البشير وخالد الخلف وفجر السالم في دائرة المدينة، ومحمود العويص وأمير الدندل في دائرة البوكمال، ومروان النزهان وعايش الزركة في دائرة الميادين.
ورغم أن بعض التقارير المحلية تحدثت عن “تنظيم دقيق” و”انضباط أمني”، إلا أن ناشطين أشاروا إلى أن معظم هذه المناطق تقع تحت سيطرة القوات الحكومية أو مجموعات موالية لها، في حين غابت المشاركة في المناطق الواقعة ضمن نطاق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
الشرع: “من الحرب إلى الديمقراطية”
الرئيس السوري أحمد الشرع ظهر صباح الأحد في مركز المكتبة الوطنية بدمشق، حيث تفقد سير العملية الانتخابية، وقال إن “السوريين يفخرون اليوم بالانتقال من مرحلة الحرب والفوضى إلى الانتخابات”، مضيفًا أن البلاد تحتاج إلى “تشريعات جديدة لإعادة الإعمار وبناء الدولة”.
وأكد الشرع أن البرلمان الجديد سيكون “إطارًا جامعًا لمختلف القوى الوطنية”، ودعا إلى “الابتعاد عن الانقسام والعمل بروح المسؤولية الوطنية”، معتبرًا أن العملية “تجسّد عودة المؤسسات إلى دورها الطبيعي”.
رفض كردي رسمي: “انتخابات غير ملزمة ولا تمثلنا”
في المقابل، أعلنت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا رفضها القاطع لهذه الانتخابات، معتبرة أنها “لا تمثل الإرادة السياسية الحقيقية للشعب السوري”.
وقال بدران جيا كرد، نائب الرئاسة المشتركة للإدارة الذاتية للشؤون السياسية، في تصريح لقناتي “العربية.نت” و”الحدث.نت”، إن “الأعضاء المنتخبين في هذه الانتخابات لا يمثلون الإرادة المتنوعة للمجتمع السوري، وقرارات هذا المجلس غير ملزمة بالنسبة لنا”.
وأضاف أن الإدارة “تمثل إرادة حقيقية لمكونات المنطقة التي اختارت ممثليها عبر انتخابات حرّة”، منتقدًا “إقصاء مناطق واسعة عن المشاركة، وغياب أي توافق وطني حقيقي”.
وشدد جيا كرد على أن “الآلية المعتمدة لا تنسجم مع المعايير الدولية للانتخابات الحرة، وتبتعد عن روح القرار الأممي 2254 الذي يشكّل الإطار للحل السياسي في سوريا”، مشيرًا إلى أن “العملية الانتخابية الحالية تحاول شرعنة سلطة لا تمثل جميع السوريين”.
وكانت الإدارة الذاتية قد خاضت مفاوضات سابقة مع الحكومة السورية برعاية أميركية، انتهت إلى اتفاق مبدئي في مارس الماضي بين الرئيس الشرع والقائد العام لـ“قسد” مظلوم عبدي يقضي بدمج القوات ضمن الجيش الجديد مع ضمان الحقوق الكردية دستورياً، إلا أن الخلافات حول مركزية الدولة وخصوصية “قسد” حالت دون تنفيذ الاتفاق.
معارضة مدنية: “العملية شكلية وتعيد إنتاج النظام”
الانتخابات قوبلت أيضاً بموجة انتقادات حادة من أطياف المعارضة السورية في الداخل والخارج، التي اعتبرتها “استعراضاً سياسياً يفتقر إلى التعددية”.
وقال حسان الأسود، الأمين العام للتحالف السوري الديمقراطي، في تصريح لـ“المرصد السوري لحقوق الإنسان”، إن الانتخابات “خطوة شكلية لا تعبّر عن الإرادة الشعبية الحقيقية، ما دامت تجري في غياب التعددية السياسية واستبعاد القوى الثورية والمدنية”.
وأضاف أن “تعيين ثلث البرلمان مباشرة من الرئيس، واعتماد نظام تصويت غير مباشر، يفرغان العملية من مضمونها الديمقراطي ويعيدان إنتاج النهج الإقصائي نفسه”.
وتابع الأسود:
“البرلمان الحقيقي يجب أن يكون نتاج إرادة شعبية حرة، يعكس تنوع المجتمع السوري ويؤسس لدولة المواطنة وسيادة القانون. سوريا الجديدة لا تُبنى بالمحاصصة أو الولاء الشخصي، بل بالمشاركة والشفافية”.
كما أكدت شخصيات معارضة أخرى أن “إجراء الانتخابات دون مشاركة محافظات كاملة، ودون ضمان حرية التعبير، يجعل نتائجها بلا قيمة وطنية”.
موقف السويداء: “مقاطعة وحصار وتجويع”
من جانبها، واصلت محافظة السويداء مقاطعتها الشاملة للانتخابات، إذ لم تُفتح فيها أي مراكز اقتراع، وسط استمرار ما وصفه ناشطون بـ“الحصار الاقتصادي المفروض من السلطة الانتقالية”.
وقالت الناشطة الحقوقية راقية الشاعر للمرصد السوري إن “الانتخابات الصورية لا تعنينا، ونحن نعيش إبادة ممنهجة وتهميشاً متعمداً”، مشيرة إلى “طوابير الأهالي على مكاتب الحوالات المالية لتأمين احتياجاتهم وسط انقطاع الرواتب وغياب الخدمات”.
وأضافت أن “السلطة الانتقالية لا تبحث عن تمثيل حقيقي بقدر ما تسعى إلى شرعنة وجودها”.
ردود فعل شعبية متباينة
على مواقع التواصل الاجتماعي، انقسم السوريون بين مؤيد يرى في الانتخابات “بداية عهد ديمقراطي جديد”، ومعارض يعتبرها “تكراراً لأنماط الاستبداد القديمة”.
كتب أحد الناشطين على منصة “إكس”:
“المرحلة الحالية من أهم مراحل بناء سوريا الحرة الجديدة، فلنجعلها فرصة للاستقرار”.
بينما غرّد آخر منتقداً:
“أول انتخابات تشريعية ولا يشارك بها الشعب مباشرة، بل عبر هيئات مختارة، هذا ليس إصلاحاً بل بدعة ديكتاتورية جديدة”.
ورأى آخرون أن “الآلية الحالية مؤقتة وضرورية بالنظر إلى الوضع الديمغرافي المعقد بعد الحرب”، في إشارة إلى صعوبة تنظيم اقتراع شامل في ظل النزوح واللجوء وغياب الوثائق الشخصية.
قراءة في المشهد
تبدو هذه الانتخابات، بحسب مراقبين، أول اختبار سياسي فعلي للسلطة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع، لكنها كشفت في الوقت نفسه عن هشاشة التوافق الوطني، واستمرار الانقسام بين المركز والمناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة.
إذ يرى مؤيدو الشرع أن العملية الانتخابية تمثل “خطوة تأسيسية نحو بناء مؤسسات الدولة الحديثة”، بينما تعتبرها المعارضة “إعادة تدوير للنظام بواجهة جديدة”.
وفي ظل استمرار مقاطعة الرقة والحسكة والسويداء، ورفض الإدارة الذاتية الاعتراف بالنتائج، تبدو شرعية البرلمان الجديد موضع تساؤل واسع، في انتظار ما إذا كانت الحكومة ستتمكن من تحويل هذا الاستحقاق إلى بداية لمسار سياسي شامل أم أنه سيظل خطوة رمزية في طريق طويل نحو الاستقرار والديمقراطية.
الانتخابات البرلمانية السورية الأولى بعد الإطاحة بنظام الأسد شكّلت لحظة سياسية رمزية لكنها منقسمة بعمق:
ففي حين ترى فيها الحكومة “إيذانًا بمرحلة ديمقراطية جديدة”، تصفها المعارضة و”قسد” بأنها “غير شرعية ولا تمثل إرادة السوريين”.
ومع غياب ثلاثة محافظات رئيسية ومقاطعة واسعة في الجنوب والشمال الشرقي، يبقى السؤال مفتوحاً حول مستقبل العملية السياسية في سوريا، وإمكانية تحقيق التوافق الوطني الذي طال انتظاره.



