كتب باسل عيد: مع بدء العام الدراسي الجديد، جثى هم اضافي على صدور معظم اللبنانيين، المثقلون أصلاً بضغوط الازمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد منذ أكثر من 4 أعوام.
ويتمثل هذا الهم في الأقساط المدرسية والجامعية، التي تضاعفت هذه السنة وأصبحت بشكل كلي بالفريش دولار، مع ما يعني ذلك من صعوبة بالغة لدى معظم الأهالي على تسديد قسم كبير منها، حتى لو جرى هذا الأمر وفق “التقسيط المريح” خلال العام الدراسي.
المشكلة الكبرى تتمثل في أن معاناة أهالي الطلاب والتلامذة لا تقتصر على تلك الأقساط فحسب، بل أن ثمة مصاريف إضافية مرتبطة بالعام الدراسي، التي اذا اضيفت الى قيمة الأقساط فإنها تشكل مبالغ هائلة تصيب العين بالعجز قبل الجيب.
ومن تلك المصاريف تكاليف التنقل والنقل الباهظة، والتي لوحدها تجعل اهالي الطلاب يحسبون مليون حساب. وكذلك القرطاسية والكتب لتلامذة المدارس، والتي هي بحاجة الى ميزانية خاصة. الى جانب المأكل والمشرب للتلامذة والطلاب أثناء تواجدهم في مدارسهم وجامعاتهم، ومصاريف الجيب التي تفرد لها مئات الآلاف من الليرات يوميا.
ونتحدث هنا عن المدارس والجامعات الخاصة، التي ضاعفت اقساطها هذه السنة. فعلى سبيل المثال، فإن مدرسة في منطقة الشويفات باتت أقساطها للعام الدراسي الجديد تتراوح ما بين 1700 دولار اميركي لصفوف الروضة، وصولاً الى 2200 دولار للصف النهائي.
أما في العام الماضي، أي السنة الدراسية 2022 – 2023، وفي المدرسة نفسها، كانت الاقساط تتراوح ما بين 500 – 800 دولار كحد أقصى. أي أن الاسعار تضاعفت حوالي 3 مرات.
نحن نتحدث هنا عن مدرسة 4 نجوم. أما اذا اتجهنا صوب مدارس ال 5 نجوم، فالارقام هنا ستصيبنا بالدوار وفقدان الوعي. ففي بلد الحد الادنى للاجور فيه لا يتعدى ال 50 دولارا أميركيا، كيف سيكون بإمكان رب العائلة أن يدفع 2200 دولار ثمن القسط، أضف اليه نصف هذا المبلغ بدل نقل وكتب وقرطاسية ومأكل ومشرب ومصروف جيب؟ وفي حساب بسيط، فإن هذا المسكين مطلوب منه ان يدفع في الشهر الواحد ما يقارب ال400 دولار اذا قسمنا المبلغ على 9 اشهر، هو عمر العام الدراسي.
مثال آخر عن مدرسة تتبع لجمعية “خيرية” في بيروت، حيث الاقساط فيها تبدأ من 2500$ و55 مليون ل.ل، صعودا الى 3200$ و70 مليون ل.ل. كذلك، تبدأ الاقساط في مدارس اخرى تابعة لتلك الجمعية من 800$ و30 مليون ل. ل صعوداً.
وبالحديث عن الجامعات، فالوضع ليس أفضل حالاً من المدارس، مع ايجابية واحدة تتمثل بقدرة معظم طلاب الجامعات على العمل بدوام جزئي لتأمين جزء من مستلزماتهم الجامعية. إلا أن الطامة الكبرى هي مضاعفة كل الجامعات في لبنان لقيمة أقساطها، واشتراطها قبضها بالدولار الاميركي او ما يعادله بحسب سعر صرف السوق السوداء.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، كانت قيمة الفصل الاول في كلية ادارة الاعمال في احدى جامعات بيروت لا يتعدى ال 950 دولاراً، ما بين فريش دولار وليرة لبنانية، ليتضاعف المبلغ في العام الدراسي الجديد ليصبح حوالى 2300 دولار. وكذلك الامر بالنسبة الى تخصص علم الحاسوب او Computer science الذي كانت قيمة الفصل الاول في العام الماضي لا يتعدى الالف دولار، ليصبح حاليا اكثر من 2400 دولار، وقس ذلك على الاختصاصات الاخرى.
هذا بالنسبة الى الأقساط. أما الكتب، تحديدا المدرسية، فحدث بلا حرج. والاتجاه بالمجمل صوب الكتب المستعملة. ويقول صاحب مكتبة في منطقة عرمون لموقعنا، ان الاقبال على الكتب المستعملة هذه السنة والسنة الماضية قل نظيرها في سنوات ما قبل الازمة. واكد لنا على أنه لا يدخل الكتب الجديدة الى مكتبته، لأنها “ستصاب بالكساد على الرفوف ولن يشتريها أحد”.
وعن أسعار الكتب المستعملة الموجودة في مكتبته، أوضح انها تتراوح ما بين 5 – 15 دولارا أميركيا للمراحل الابتدائية والمتوسطة، والمبلغ سيزيد قليلاً للصفوف الثانوية النهائية. أما الكتب الجديدة فقيمتها ضعف تلك المبالغ على الاقل.
وبالنسبة للقرطاسية، فأشار الى انه في السابق كانت مكتبته تحتوي على الماركات الأصلية. أما اليوم فهو بات يبحث عن القرطاسية الصينية (باب ثاني او ثالث) وذلك بسبب عدم قدرة الزبائن على تحمل ثمن البضاعة الاصلية.
واتجاها صوب التعليم الرسمي، الذي تتقاذفه الاضرابات ومطالب الاساتذة (المحقة) والاعداد الكبيرة من الطلاب، (يضاف اليهم التلامذة السوريون)، وعدم قدرة المدارس الرسمية والجامعة اللبنانية على تأمين التدريس في عام دراسي كامل، ينعكس هذا الامر سلبا على طلاب القطاع الرسمي، الذين يخشى ان يكونوا كبش محرقة هذا العام، كما الأعوام السابقة، فينتقص من عامهم الدراسي وتحصيلهم العلمي الكثير، لا سيما وان عددا كبيرا من الأساتذة في القطاع الرسمي ما زالوا يقاطعون الثانويات بسبب إصرارهم على انتزاع تقديمات إضافية، لا تستطيع الحكومة المفلسة تأمينها لهم في الوقت الراهن، وفي ظل غياب المساعدات التربوية من الجهات المانحة.
الجدير ذكره ان رسم التسجيل في التعليم الثانوي الرسمي، أو مساهمة أهالي الطلاب في تغذية صناديق الثانويات الرسمية، ارتفع من 121 ألف ليرة إلى مليوني ليرة، بناء لقرار أصدره وزير التربية، عباس الحلبي، حمل الرقم 568 بتاريخ 18 تموز الفائت. وبذلك، يكون مجموع الرسوم التي سيدفعها أهالي التلامذة في الثانويات الرسمية للعام الدراسي المقبل 2023 ـ 2024، 6 ملايين ليرة بعدما كان وزير التربية قد أصدر تعميماً برفع مساهمة الأهل في صناديق مجالس الأهل إلى ما بين 3 و4 ملايين ليرة.
في الخلاصة، انه العذاب بعينه في بلد أضحت فيه مقومات العيش من المستحيلات. فالطبابة والتعليم، الذي لطالما تغنى لبنان بهما، أصبحا أضغاث أحلام لدى غالبية شعب هذا البلد. ولا أمل في المستقبل القريب، بل يبدو أن النفق المظلم الذي دخلنا فيه طويل وطويل جدا، ولا بصيص نور يلوح في الأفق والواقع رث، وهذا حال القادم من الاشهر والسنوات في بلد انتهى فيه العيش الرغيد الى غير رجعة.

