أخباركم – أخبارنا
ناديا شريم
هل دخل الشرق الاوسط مرحلة جديدة تحت مسمى “الشرق الاوسط الجديد” الذي طالما تحدثت عنه واشنطن منذ وصول غوندوليزا رايس الى وزارة الخارجية الاميركية، أم أن ما حصل هو مجرد وقف لإطلاق النار التي كادت تحرق اسرائيل وتسقط حكومة نتنياهو؟
أين الدولة الفلسطينية ومن سيحكمها في المستقبل وضمن أي نظام، أم انها ستبقى تحت حكم التكنوقراط الذي نص عليه الاتفاق؟ ماذا عن لبنان وسوريا وإيران، وهل السلام الذي تحدث عنه الرئيس الاميركي دونالد ترامب هو ذلك السلام التاريخي الحقيقي الذي تنتظره المنطقة واهلها؟
اتفاقية غير مكتملة
هذه الاسئلة وغيرها حملناها إلى وزير الخارجية الأسبق فارس بويز الذي قال لموقعنا: “لاتفاقية غزة الكثير من الإيجابيات الانسانية، وهي ربما ستجمد حالة الحرب في غزة وتجمّد المأساة. لكنها في الوقت نفسه اتفاقية غير مكتملة وغير واضحة المعالم لجهة ما يتعلق بالمستقبل السياسي، بمعنى هل سيكون هناك دولة فلسطينية؟ من هي الجهة التي ستحكم فلسطين بشكل فعلي؟ هذه الأسئلة ما زالت من دون أجوبة، خصوصاً وأن حكم التكنوقراط الذي تكلموا عنه هو حكم مؤقت وقد يمتد لبضعة أشهر. لكن في النهاية، لا بد من أن يختار الشعب ممثلين سياسيين عنه، فمن سيكون هؤلاء طالما أن حماس أو أي طرف فلسطيني آخر غير مقبول؟ وطالما أن نتنياهو ما زال يؤكد بأنه لن يكون للسلطة الفلسطينية أي دور في غزة، وطالما أن إسرائيل لا تقر بدولة فلسطينية لا في غزة ولا في أي مكان آخر. من هنا، فإن هذا الاتفاق لا يحمل أفقاً لحل دائم ومستمر ونهائي، بمعنى أنه اتفاق إنساني لا يحمل حلاً سياسياً بل هو اتفاق متقدم لوقف إطلاق النار”.
تسليم السلطة الفلسطينية
أضاف بويز: “إلى ذلك، يريدون أن تسلم حماس الرهائن وهذا أمر طبيعي وان تسلم أسلحتها، لكن ذلك سيحصل من دون أي مقابل وحتى من دون أي وعد. تماماً كما يفعلون في لبنان، يصرون على أن يسلم حزب الله سلاحه لكن لا وعود بالانسحاب من الأراضي المحتلة، ولا بالإفراج عن المعتقلين ولا بوقف الاعتداءات. والسؤال هو: من سيضمن عدم دخول الجيش الإسرائيلي في أي لحظة إلى أي بيت في غزة تحت أي ذريعة؟ من هنا، فإن هذا الاتفاق غامض ويحتاج إلى اتفاقات تطبيقية عديدة لكي يصبح تنفيذياً لأنه اتفاق نوايا أكثر من كونه اتفاقاً عملياً. وهو يفتح المجال لنتنياهو بأن ينقضه في أي لحظة ويدخل في ثغراته ويعطله. باختصار، إذا نظرنا إلى اتفاق غزة فهو وقف إطلاق نار، لكن طالما قبلته حماس، خصوصاً وأنه يحل مشكلة الأسرى والرهائن فليكن، علماً أن موضوع الرهائن هو ورقة اساسية لدى حماس لأنها كانت تهدد بقاء نتنياهو. فعملية اعطاء ورقة الرهائن من دون اي مقابل وبلا أي وعود، أمر غير طبيعي. لكن حماس قبلت ونحن لن نزايد على أحد لأن الوضع صعب في غزة، إنسانياً وصحياً. ما حصل لا يشكل اتفاق سلام نهائياً، إلى ذلك يجب أن نتوقف عن رفض تسليم السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة وهي لم تحارب إسرائيل، فلماذا تم رفضها؟
لا حلول سياسية جوهرية
من هنا، فإن هذا الاتفاق معرض للانتكاسة في أي لحظة لأنه ليس عادلاً ولا يتضمن حلولاً سياسية جوهرية للمشكلة. إن أهمية هذا الاتفاق هي عند الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي يطمح إلى الإعلان عن تحقيق انتصار، وهو الذي كان يطمح ايضاً إلى نيل جائزة نوبل للسلام. فقد أعطاه الاتفاق دعاية جيدة لبضعة أشهر، قبل أن يكتشف الشعب الاميركي بأن ما حصل ليس سلاماً بل مجرد وقف إطلاق نار أعطى لإسرائيل الرهائن الذين يزيلون فتيل سقوط حكومة نتنياهو ولم يعط الفلسطينيين أي شيء إطلاقاً، ولا حتى أي وعد بإدارة ذاتية أو دولة أو ما أشبه ذلك. العالم كله إعترف بدولة فلسطينية، فأين المشكلة لو حددت مهلة زمنية يحكم فيها التكنوقراط، سنة أو أكثر، لينتقل بعدها الحكم إلى دولة فلسطينية ينتخب الشعب الفلسطيني مؤسساتها بشكل ديموقراطي تحت إشراف الأمم المتحدة أو حتى الولايات المتحدة الأميركية، من أجل تكوين حكم ذاتي”.
ليس سلاماً دائماً
واعتبر بويز أن “ما حصل يعرض وكأنه سلام في المنطقة، وقد قال الرئيس ترامب عندما وصل الى اسرائيل بأنه يكتب التاريخ.. لكن ما تحقق هو وقف إطلاق نار غير متوازن وغير عادل، وقد قبلت به حماس بالإكراه وتحت الضغط، ألا أن كل كلام عن سلام هو كلام غير صحيح، لأن ما حصل لا يخطط لسلام دائم ومستمر”.
تغييب لبنان!
واذ رفض بويز الحديث عن تغييب لبنان عن قمة شرم الشيخ، قال في هذا السياق: “إن تعبير “التغييب” ليس في محله، ذلك أن الدعوة لم توجه إلى كل الدول العربية بل إلى الدول المعنية بشكل مباشر، بمعنى الدول المجاورة والدول المعنية اقتصادياً، إذاً الأمر ليس مهماً. صحيح أنه كان من الأفضل دعوة لبنان، لكني أعتقد أن إسرائيل تريد دائماً فصل المسارات وتسليم الدول العربية وإبعادها عن بعضها البعض، لأنها ترفض كل مناخ عربي موحد. ربما تحت الضغط الإسرائيلي، تم اعتبار أن وجود لبنان في القمة وكأنّ هناك ربطاً بين الحرب في لبنان والحرب في غزة والوضع الإقليمي، فيما يريد الإسرائيلي عزل موضوع غزة عن أي اعتبار آخر. في مطلق الأحوال، إن الأمر ليس مهما جداً ولا ينعكس على لبنان سلباً أو إيجاباً، فحتى لو كان موجوداً في القمة فليس لديه شيء يقدمه”.
الانعكاسات على لبنان
إلى ذلك، أكد بويز أن “هناك انعكاسات من اتفاق غزة على لبنان، وخصوصاً أن حزب الله فتح “حرب الاسناد” إسناداً لحركة حماس في مواجهتها القوات الإسرائيلية. فعندما تتوقف حماس عن المواجهة وترضى بهذا الاتفاق، يكون حزب الله قد فقد أحد أسباب دخوله في حرب الإسناد. من هنا، فإن حزب الله الذي لا يكتفي بالكلام بأنه يدافع عن لبنان أو يواجه العدوان الإسرائيلي عليه، بل يقول إنه يدافع أيضاً عن القضية الفلسطينية، سيتأثر بلا أدنى شك. كذلك إيران التي تعتبر بأن القدس هي قضيتها وتدافع عنها، فقدت أيضاً زمام الأمور فعلياً. بمعنى، أن حماس وهي صاحبة القضية رضيت بالاتفاق، كذلك السلطة الفلسطينية أي الشعب الفلسطيني، فهل يجوز للآخرين أن يزايدوا عليهما؟ لا شك في أن هذا الاتفاق يُفقد حزب الله أحد عناصر الكفاح الذي كان يقوم به، بمعنى أنه عندما يفقد الحزب القضية الفلسطينية أي القضية الأم، بشكل عادل أو غير عادل، فهذا ينعكس على الجميع. وهنا أشدد على أن الصراع العربي – الإسرائيلي الذي كان قد خسر اطرافاً عربية عديدة في السنوات الأخيرة، خسر الآن الفتيل الأساسي والمتمثل بمقاومة الفلسطينيين لإسرائيل، فلم يعد هناك قضية فلسطينية للقتال من أجلها، وهذا له انعكاس على كل حركات المواجهة أو المقاومة”.
تغيير في المنطقة
اضاف بويز: “بهذا المعنى، هناك تغيير كبير ينتظر المنطقة. بالنسبة إلى لبنان، القضية ليست موضوع تقسيم، بل هي موضوع إقامة أكثر من شريط حدودي وذلك لأنه ليس كبيراً من جهة، ولم تلعب بيروت في أي مرحلة دوراً كعاصمة للقرار العربي من جهة أخرى. إن المشكلة عندنا، أن هناك دولة ضعيفة في مواجهة القوى التي تريد أن تواجه إسرائيل، من منظمة التحرير الفلسطينية عبر اتفاق القاهرة أو حزب الله في ما بعد، لذلك تحاول إسرائيل أن تخلق منطقة تشكل ضمانة أمنية لحدودها. اما المشكلة العامة عند العرب فهي أنهم يخططون بشكل آني، اما إسرائيل فتخطط لمئة سنة مقبلة. وعليه، مهما اتفقت مع الدولة اللبنانية، ومهما سحبت الدولة السلاح من حزب الله، فهي تعتقد أن لبنان دولة ضعيفة طائفياً ومن الممكن خلال السنوات المقبلة وقد تكون 50 سنة، أن ينشأ تيار عربي لمواجهة إسرائيل ويعود لبنان أرضاً لانطلاقة هذا التيار. لذلك، المطلوب اسرائيلياً خلق مناطق عازلة بشكل نهائي للحماية، كذلك المطلوب وجود إشراف مباشر على كل ما يحصل في لبنان. ويجب ألا نتفاجأ إذا طلبت إسرائيل في أي مفاوضات سلام مقبلة، وجود مراقبين دائمين في مرفأ بيروت والمطار ومصرف لبنان ووزارة الدفاع، لمعرفة تفاصيل كل ما يحصل في الداخل. أي أن تكون شروط إسرائيل في أي مفاوضات بالغة الصعوبة، حتى أنها قد تتدخل في الاعلام بحجة أنه إعلام متفلت، وهو ما حصل في 17 أيار، وهذا ما طرحوه أيضاً عندما كنا نطالب بتطبيق القرار الدولي 425 في مدريد”.
حروب نتنياهو
وإذ أصر بويز على أن حروب نتنياهو لم تنته بعد، قال: “قد يخوض حرباً باتجاه إيران على اعتبار أنه يريد إنهاء الخطر النووي وسيجعله هذا الامر زعيماً تاريخياً، أو باتجاه سوريا لإنهاء الثقل السوري حتى في المستقبل، أو باتجاه الفلسطينيين لإلغاء أي فكرة لدولة فلسطينية، وذلك عبر ترانسفير لإخلاء غزة من الفلسطينيين، خصوصاً وأنه يفكر بنقلهم الآن إلى جنوب السودان بعدما رفضت مصر الفكرة، لتصبح قرارات الدول المئة والأربعين التي اقرت بالدولة الفلسطينية، وهمية. وعلى هذا الأساس، قد يفتعل احداثاً في الضفة الغربية ليبرر تهجير أهلها أيضاً.



