أخباركم – أخبارنا/ مسعود محمد
وصل الرئيس السوري أحمد الشرع إلى روسيا في زيارة رسمية يجري خلالها مباحثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
أعلن الكرملين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيستقبل اليوم الأربعاء نظيره السوري أحمد الشرع في العاصمة موسكو، حيث ستتمحور المحادثات بين الجانبين حول تعزيز العلاقات الثنائية بين روسيا وسوريا، إلى جانب مناقشة الأوضاع الإقليمية في الشرق الأوسط.
وجاء في بيان رسمي صدر عن الكرملين أن الرئيس الشرع يزور روسيا في إطار زيارة عمل، وسيجري خلالها محادثات مع الرئيس بوتين، حيث سيتم استعراض سبل تطوير التعاون الثنائي في مختلف المجالات، بما في ذلك السياسية والاقتصادية والإنسانية، إضافة إلى بحث التطورات الأخيرة في المنطقة.
من جانبها، أوضحت الرئاسة السورية مساء الثلاثاء أن اللقاء بين الرئيسين سيشمل مناقشة القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، إلى جانب بحث آفاق تعزيز التعاون بما يحقق مصالح البلدين.
كما أشارت مديرية الإعلام في رئاسة الجمهورية السورية، في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية سانا، إلى أن الرئيس الشرع سيلتقي خلال زيارته أيضًا أبناء الجالية السورية المقيمين في روسيا.
وتأتي زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى موسكو في توقيت دقيق تشهده المنطقة، وسط متغيرات إقليمية ودولية متسارعة. ويرى مراقبون أن اللقاء المرتقب بين الشرع وبوتين يحمل دلالات سياسية مهمة، كونه الأول منذ تولي الشرع الرئاسة في دمشق، ويعكس رغبة الجانبين في تثبيت الشراكة الإستراتيجية بين موسكو ودمشق ضمن مرحلة إعادة بناء الدولة السورية وتعزيز حضورها الدبلوماسي في المحافل الدولية.
ويُتوقع أن تتناول المحادثات أيضًا ملفات التعاون الاقتصادي، وإعادة الإعمار، والتنسيق الأمني والعسكري، إلى جانب بحث آليات استئناف المسار السياسي الداخلي وفق المبادرات الأممية والروسية المطروحة، في وقت تؤكد فيه موسكو التزامها بدعم استقرار سوريا ووحدة أراضيها.
نهاية مرحلة الأسد وبداية سوريا جديدة
زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى موسكو تحمل رمزية سياسية عميقة؛ فهي تجمع بين “سوريا الجديدة” التي تسعى لإعادة بناء شرعيتها بعد الإطاحة بالنظام السابق، و”روسيا” التي كانت الحليف العسكري والسياسي الأبرز لبشار الأسد طوال سنوات الحرب.
اللقاء بين الشرع وبوتين يُعد اختبارًا حقيقيًا لمستقبل العلاقة بين البلدين:
هل ستقبل موسكو بسوريا أكثر استقلالًا في قرارها السياسي؟ أم ستعمل على الحفاظ على نفوذها العميق داخل المؤسسات العسكرية والأمنية كما كان في عهد الأسد؟
خلال حكم بشار الأسد، كانت روسيا الوصيّ السياسي والعسكري على دمشق. فقد شكّلت قاعدة “حميميم” الجوية وميناء “طرطوس” ركيزتين أساسيتين للوجود الروسي في الشرق الأوسط. ومع أن موسكو أنقذت النظام السوري عام 2015 من الانهيار، إلا أن تبدّل المعادلة السياسية وسقوط النظام السابق جعل روسيا تعيد حساباتها، متجهة نحو تثبيت نفوذها عبر الدولة السورية الجديدة لا عبر الأشخاص.
وجود بشار الأسد في موسكو بصفة “رئيس مخلوع” يعكس التحوّل في المشهد: فالرجل الذي حكم سوريا لعقود يجد نفسه اليوم خارج الصورة، يشاهد حليفه بوتين يستقبل خلفه الشرعي. هذا المشهد – من حيث رمزيته – يُعبّر عن نهاية مرحلة الأسد وولادة سوريا جديدة تُدار بعلاقات أكثر توازنًا وانفتاحًا.
روسيا من جانبها تتعامل ببراغماتية كاملة؛ فهي لا تهتم بالأسماء بل بالمصالح. لذلك يُتوقع أن تسعى موسكو إلى تجديد اتفاقاتها العسكرية والاقتصادية مع دمشق، مع منح القيادة الجديدة مساحة أوسع للحركة الخارجية، خصوصًا تجاه الدول العربية والغرب.
وتراهن موسكو على أن الشرع – المعروف ببراغماتيته وهدوئه – قادر على الموازنة بين الحفاظ على التحالف مع روسيا والانفتاح على التسويات الإقليمية.
رسائل روسيا إلى العالم: ما زلنا لاعبًا فاعلًا في المنطقة
زيارة الشرع إلى موسكو لا تقتصر على بعدها الثنائي فحسب، بل تحمل رسائل إستراتيجية أوسع من الكرملين إلى العالم.
فمن خلال هذا اللقاء، تؤكد موسكو أنها ما زالت لاعبًا أساسيًا وفاعلًا في الشرق الأوسط، وأنها قادرة على التأثير في مصائر الدول والتحولات الإقليمية الكبرى، حتى بعد تبدّل الأنظمة.
هذه الزيارة تأتي في لحظة تحاول فيها الولايات المتحدة استعادة حضورها في المنطقة عبر ملفات لبنان وغزة والعراق، فيما تذكّر موسكو الجميع بأنها الضامن السياسي والعسكري لسوريا الجديدة، وأنها لم تخرج من المعادلة بل ما زالت تمسك بخيوطها.
الرسالة الثانية موجهة إلى الغرب: روسيا، رغم العقوبات والحصار، ما تزال قادرة على استخدام أدواتها الدبلوماسية والعسكرية لتثبيت نفوذها في الشرق الأوسط، وهو ما تعتبره موسكو ورقة تفاوضية في مواجهتها مع واشنطن وأوروبا.
أما الرسالة الثالثة، فهي إلى الدول العربية التي عادت للانفتاح على دمشق: بأن أي تقارب عربي – سوري لا يمكن أن يتم بمعزل عن موسكو، التي تعتبر نفسها الضامن الأمني والسياسي الأول لاستقرار سوريا.
وبينما يستعيد الشرع حضور بلاده في المشهد الدولي، تؤكد موسكو عبر هذا الحدث أنها لا تزال تملك كلمة مهمة في الملف السوري، وأن التحولات في دمشق لم تضعفها بل منحتها فرصة جديدة لتجديد دورها كلاعب إقليمي ودولي مؤثر.
زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى موسكو تختصر ملامح مرحلة جديدة: سوريا تتجه نحو الشرعية والانفتاح، وروسيا تؤكد أنها ما زالت القوة التي تصنع التوازنات في الشرق الأوسط.
أما بشار الأسد، الجالس في الظل، فيبقى رمزًا لمرحلة مضت وانتهت، بينما تتقدّم موسكو لتكتب فصول سوريا القادمة على طريقتها — بين السياسة والبراغماتية، وبين إعادة البناء وتثبيت النفوذ.



