أخباركم – أخبارنا/ مسعود محمد
قُتل السياسي والمرشح الانتخابي صفاء المشهداني في تفجير استهدف سيارته شمالي العاصمة بغداد، في حادث أثار موجة واسعة من الإدانات الرسمية والحزبية.
وذكرت مصادر أمنية أن المشهداني، وهو أحد أبرز الشخصيات العشائرية والسياسية في محافظة بغداد، قضى متأثرًا بجراحه إثر انفجار عبوة ناسفة لاصقة استهدفت مركبته أثناء مرورها في قضاء الطارمية. كما أُصيب عدد من مرافقيه بجروح متفاوتة، فيما طوقت القوات الأمنية موقع الانفجار وفتحت تحقيقًا عاجلًا بالحادثة.
وأكدت خلية الإعلام الأمني في بيان مقتضب أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وجّه بتشكيل لجنة تحقيق عليا تضم ممثلين عن وزارتي الداخلية والدفاع وجهاز المخابرات الوطني، بهدف الكشف عن ملابسات الجريمة وملاحقة الجناة.
يُعدّ المشهداني من الشخصيات المعروفة في الأوساط السياسية العشائرية، وسبق أن شغل عضوية مجلس محافظة بغداد، كما كان مرشحًا للانتخابات البرلمانية المقبلة المقررة في نوفمبر، ما يجعل اغتياله أول حادث سياسي من نوعه خلال الحملة الانتخابية الجارية.
وأدان عدد من الكتل السياسية والبرلمانيين الجريمة، واصفين إياها بأنها محاولة لضرب الاستقرار السياسي وعرقلة المسار الانتخابي. كما عبّر ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن خشيتهم من أن تعيد الحادثة مشهد الاغتيالات السياسية إلى الواجهة بعد سنوات من التراجع.
انعكاسات الاغتيال على الانتخابات المقبلة في العراق
يرى مراقبون أن اغتيال المرشح صفاء المشهداني يمثل اختبارًا مبكرًا لمدى قدرة الدولة العراقية على حماية العملية الانتخابية المقبلة، خاصة في المحافظات التي تشهد تنافسًا عشائريًا وحزبيًا معقدًا. فالحدث لا يُقرأ بمعزل عن السياق الأمني والسياسي العام، إذ يأتي في وقت تسعى فيه الحكومة إلى إثبات نزاهة واستقرار الانتخابات كجزء من التزاماتها أمام القوى السياسية والمجتمع الدولي.
ويخشى سياسيون أن يؤدي الاغتيال إلى تزايد حالة الخوف لدى المرشحين، وربما انسحاب البعض من السباق الانتخابي في المناطق المتوترة، خصوصًا مع تكرار مشاهد التهديدات والاعتداءات الانتقائية في السنوات السابقة. كما قد تستغله بعض الأطراف لتصعيد الخطاب الطائفي أو العشائري في حملاتها، ما يهدد بتحويل الانتخابات من منافسة ديمقراطية إلى صراع أمني وسياسي مفتوح.
في المقابل، يرى آخرون أن رد الفعل الحكومي السريع – بتشكيل لجنة تحقيق خاصة وتوجيه الأجهزة الأمنية بتأمين المرشحين – قد يسهم في احتواء المخاوف وإرسال رسالة طمأنة للشارع والناخبين بأن الدولة قادرة على ضبط الميدان. لكن الأكيد أن اغتيال المشهداني أعاد التذكير بأن الأمن الانتخابي لا يقل أهمية عن نزاهة التصويت، وأن أي خلل في حماية المرشحين أو مراكز الاقتراع قد يعيد العراق إلى مرحلة القلق التي عاشها بعد انتخابات 2018، حين كان العنف السياسي أحد أدوات المنافسة.
الرسائل السياسية وراء الاغتيال
يرى محللون أن اغتيال صفاء المشهداني لا يمكن فصله عن السباق الانتخابي الساخن والتجاذبات بين القوى السياسية والعشائرية في بغداد ومحيطها. فالجريمة تحمل أكثر من رسالة: أمنية، وسياسية، وربما عشائرية أيضًا. الرسالة الأولى موجَّهة إلى المرشحين المستقلين أو الجدد الذين بدأوا يشكّلون قاعدة شعبية خارج الإطار التقليدي للأحزاب الكبيرة، ومفادها أن الدخول إلى المشهد الانتخابي ليس خاليًا من المخاطر.
أما الرسالة الثانية فهي اختبار لهيبة الدولة العراقية، ومحاولة لإرباك الحكومة قبيل الاستحقاق الانتخابي، عبر الإيحاء بأن الأجهزة الأمنية غير قادرة على حماية السياسيين أو ضبط السلاح المنفلت.
الرسالة الثالثة – الأعمق – هي إنذار سياسي إلى القوى التي ترفع شعارات التغيير، بأن مصالح بعض الأطراف النافذة قد تتضرر من نتائج انتخابات حرّة، وبالتالي فإن الاغتيال يمكن أن يُستخدم كأداة لتخويف المنافسين وتقييد الحملة الديمقراطية.
ويرى مراقبون أن من يقف خلف هذا النوع من العمليات يسعى إلى إعادة مناخ الخوف والتهديد الذي طبع المشهد السياسي العراقي في فترات سابقة، بحيث تُدار العملية الانتخابية في بيئة مشحونة ومضطربة تمنح الأفضلية لمن يمتلك النفوذ والسلاح، لا لمن يملك الصوت الشعبي.
ومع أن التحقيق لم يُعلن نتائجه بعد، إلا أن الرسالة وصلت واضحة: الانتخابات المقبلة في العراق لن تكون معركة صناديق فقط، بل معركة إرادات بين من يريد ترسيخ الدولة ومن يصرّ على بقاء الفوضى أداة حكم ونفوذ.



