أخباركم – أخبارنا
في إطار السياسة الأمريكية المستمرة الهادفة إلى تجفيف مصادر تمويل حزب الله، عادت واشنطن خلال السنوات الأخيرة إلى تكثيف إجراءاتها ضد شبكات التمويل العابرة للحدود التي يُعتقد أنها تقدم دعماً مالياً أو لوجستياً للحزب، خاصة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، حيث تتواجد جاليات لبنانية كبيرة ونشاطات تجارية واسعة. وتُعتبر هذه المناطق من أبرز الساحات الاقتصادية التي استفاد منها الحزب لعقود في عمليات جمع الأموال وتحويلها عبر التجارة والذهب والألماس والعقارات. منذ عام 2019، بدأت وزارة الخزانة الأمريكية بتوسيع دائرة العقوبات لتشمل شخصيات ومؤسسات تعمل في دول إفريقية مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وساحل العاج وأنغولا، إلى جانب دول في أمريكا الجنوبية مثل فنزويلا وباراغواي والبرازيل. هذه الإجراءات تأتي ضمن نهج أمريكي أوسع يهدف إلى عزل الشبكات المالية المرتبطة بالحزب ومراقبة حركة الأموال الناتجة عن أنشطة تجارية مشروعة ظاهرياً لكنها تُستغل لأغراض التمويل غير المشروع. في هذا السياق برز مجدداً اسم رجل الأعمال اللبناني صالح علي عاصي المقيم في جمهورية الكونغو الديمقراطية، والمعروف إعلامياً بلقب “ملك الخبز”، بسبب امتلاكه مصانع ومخابز صناعية كبرى في كينشاسا وعدد من المدن الإفريقية. عاصي يُعد من أبرز رجال الأعمال اللبنانيين العاملين في القارة، وقد ظهر اسمه بشكل بارز في بيانات وزارة الخزانة الأمريكية ضمن حملة العقوبات التي أُعلنت في 13 كانون الأول/ديسمبر 2019 بموجب أوامر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC). وجاء اسمه إلى جانب رجل الأعمال اللبناني ناظم سعيد أحمد ضمن مجموعة اتهمتها واشنطن بالمساهمة في عمليات تمويل “حزب الله” وغسل أموال عبر تجارة الألماس وتحويلات مالية غير مشروعة. وذكرت وزارة الخزانة في بيانها حينها أن صالح علي عاصي، المقيم في الكونغو الديمقراطية، شارك في أنشطة مالية وتجارية لصالح حزب الله، ونسّق عمليات غسل أموال عبر شركات واجهة مرتبطة بتجارة الألماس والمعادن النفيسة، كما أشارت إلى أنه قدّم دعماً مالياً لأحد أبرز ممولي الحزب وهو أدهم طباجة المصنف على لوائح الإرهاب الأمريكية منذ عام 2015. كما شمل القرار الأمريكي تجميد الأصول العائدة لعاصي داخل الولايات المتحدة ومنع أي مواطن أو شركة أمريكية من التعامل معه، بالإضافة إلى إدراج اليخت Flying Dragon المملوك له كأصل محظور. وبعد صدور البيان الأمريكي بأيام، وتحديداً في 17 و18 كانون الأول/ديسمبر 2019، أعلنت السلطات في جمهورية الكونغو الديمقراطية عن تجميد أصول صالح عاصي وشركاته داخل البلاد، التزاماً بالعقوبات الأمريكية وبناءً على طلب رسمي من واشنطن. هذا القرار أدّى إلى شلل جزئي في نشاطه التجاري مؤقتاً، خاصة في قطاع المخابز والصناعات الغذائية الذي يُعدّ أحد أهم مصادر دخله. ورغم ذلك، تشير تقارير اقتصادية إفريقية متخصصة إلى أن عاصي حاول لاحقاً إعادة هيكلة أعماله ونقل بعض استثماراته إلى شركات وأسماء أخرى من أجل الاستمرار في السوق المحلية. وتشير المعلومات الصحفية المتابعة إلى أن صالح علي عاصي واصل العمل في الكونغو خلال الأعوام اللاحقة، وأنه سعى إلى فك ارتباطاته العلنية بالشركات التي طالتها العقوبات، مع التركيز على الأنشطة الغذائية وتوزيع الخبز والمشتقات الزراعية، محاولاً الحفاظ على نفوذه الاقتصادي داخل البلاد. وقد بقيت السلطات الأمريكية تُدرج اسمه ضمن القوائم النشطة الخاضعة للرقابة ضمن برامج العقوبات المالية الخاصة بمكافحة تمويل الإرهاب. تأتي إعادة تسليط الضوء على اسم صالح علي عاصي اليوم في ظل تصاعد الاهتمام الأمريكي بشبكات تمويل حزب الله خارج الشرق الأوسط، خصوصاً بعد أن أظهرت تقارير استخبارية غربية أن الحزب يعتمد بشكل متزايد على شبكات مالية وتجارية في إفريقيا الغربية والوسطى، وكذلك في أمريكا اللاتينية، لتعويض تقلص الموارد الآتية من الداخل اللبناني ومن بعض المصادر التقليدية. وتعتبر واشنطن أن القارة الإفريقية أصبحت مركزاً مهماً لتجميع الأموال عبر أنشطة مثل تجارة الذهب والألماس والمواد الغذائية، إذ يتم تحويل جزء من أرباحها إلى شبكات مالية مرتبطة بالحزب. وقد أكد مسؤولون في وزارة الخزانة الأمريكية أن السياسة الجديدة تركّز على الضغط الاقتصادي واستهداف شبكات الدعم اللوجستي والتجاري للحزب، وليس فقط الأشخاص المعروفين بانتمائهم التنظيمي المباشر. ويُذكر أن الولايات المتحدة كانت قد فرضت في عام 2018 وما بعده سلسلة عقوبات على شبكات مالية مشابهة في إفريقيا، لكنها لم تشمل حينها صالح علي عاصي بل طالت رجال أعمال آخرين مرتبطين بتجارة الألماس والمعادن. أما إدراج عاصي في ديسمبر 2019 فشكّل توسعاً واضحاً في إطار الجهد الأمريكي لتجفيف تمويل الحزب في الخارج. ومع عودة اسم صالح علي عاصي إلى الواجهة الإعلامية في عامي 2024 و2025، يرى مراقبون أن واشنطن تمضي في سياسة «الضغط الخانق» على الدوائر المالية الخارجية المرتبطة بالحزب، مع متابعة دقيقة لعمليات التحايل المحتملة وإعادة التنظيم التجاري في إفريقيا وأمريكا اللاتينية. وبهذا يمكن القول إن ملف صالح علي عاصي أصبح نموذجاً لما تسميه وزارة الخزانة الأمريكية «الجيل الثاني من شبكات التمويل غير المباشر»، أي تلك التي تستخدم شركات مدنية واقتصادية حقيقية كغطاء لعمليات تمويل مستترة. وتشير القراءة التحليلية للتقارير الأمريكية إلى أن هذه الحملة ليست معزولة، بل جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى إضعاف المنظومة المالية الداعمة للحزب خارج الشرق الأوسط عبر أدوات العقوبات الاقتصادية، وتجميد الأصول، وتعقب مسارات الأموال، بالتعاون مع حكومات إفريقية وأمريكية لاتينية. وبهذا تستمر الولايات المتحدة في سياسة الحصار المالي، التي تسعى من خلالها إلى الحد من قدرة حزب الله على الحصول على الموارد الأجنبية، فيما يبرز من جديد اسم صالح علي عاصي كأحد أبرز النماذج على استهداف رجال الأعمال اللبنانيين الناشطين في إفريقيا ضمن هذه الاستراتيجية الدولية المستمرة.
تجفيف مصادر تمويل حزب الله: إعادة التضييق الأمريكي على شبكات التمويل في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وعودة اسم صالح علي عاصي إلى الواجهة
نشرت في



