أخباركم – أخبارنا
تقرير سوريا
بعد الزيارة التي وصفت بأنها الأهم منذ سقوط النظام السابق، للرئيس السوري أحمد الشرع وغجرائه محادثات مطوّلة في الكرملين مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، واعتبرت محطة مفصلية في إعادة رسم خريطة العلاقات بين دمشق وموسكو بعد مرحلة من التحولات الجذرية في المشهد السوري، أكد نائب مدير إدارة روسيا وشرق أوروبا في وزارة الخارجية السورية، أشهد صليبي، أن الرئيس الشرع طالب بوتين بتسليم رئيس النظام المخلوع بشار الأسد بشكل واضح ومتكرر.
صليبي عن المطالبة بالأسد
واعتبر أن هذه الخطوة تمثل حجر الأساس لتحقيق العدالة الانتقالية وبناء الاستقرار المستدام في البلاد”، موضحا في حديث لقناة “الإخبارية السورية”، أن القيادة السياسية الجديدة أرادت من الزيارة التأكيد على الشفافية في التعامل مع الملف الروسي، والتزامها بإطلاع الشعب السوري على كل المستجدات المتعلقة بالتحالفات الدولية والاتفاقيات السابقة، مشددًا على أن جميع الاتفاقيات بين الجانبين “ستُعاد صياغتها بما يضمن المصلحة العليا للشعب السوري“.
وفيما تجنّب الكرملين، عبر المتحدث الرسمي دميتري بيسكوف، التعليق على مضمون المحادثات المتعلقة بمصير بشار الأسد، فإن المصادر الروسية لم تُخفِ أن الملف كان حاضرًا بقوة، وسط مؤشرات على استعداد موسكو للتعامل مع الواقع الجديد في دمشق من منظور المصلحة لا الولاء السياسي.
صليبي أضاف أن “سوريا تسعى في هذه المرحلة لتحقيق الاستقرار الأمني عبر إنجاز العدالة الانتقالية كأساس للاستقرار الشامل”، مشيرًا إلى أن اللقاء مع بوتين تناول أيضًا “وضع آليات قانونية جديدة للتعاون في ملف المطلوبين والملفات العالقة بين البلدين”، بما في ذلك قضايا رؤوس الأجهزة الأمنية والعسكرية السابقة المقيمين حاليًا في روسيا.
الصحافة الروسية: المصالح أولًا… لكن الرمزية حاضرة
هذا وأجمعت الصحف الروسية الكبرى — من فيدوموستي إلى كومرسانت — على أن محور العلاقة مع سوريا الجديدة هو المصلحة الاستراتيجية، وليس العواطف السياسية.
وركزت وسائل الإعلام الروسية على أن موسكو، رغم اعترافها العملي بشرعية الشرع، لا تنوي التخلي عن مكاسبها الجيوسياسية في سوريا، خصوصًا في ما يتعلق بالقواعد العسكرية في حميميم وطرطوس، اللتين تعدّان من ركائز الوجود الروسي في البحر المتوسط وإفريقيا.
وركزت صحيفتا ريا نوفوستي وكومرسانت على حضور ماهر الشرع، شقيق الرئيس، ضمن الوفد السوري، مشيرة إلى أنه عاش وعمل طبيبًا في روسيا لسنوات طويلة. واعتُبر هذا التفصيل “جسرًا عائليًا وإنسانيًا” يعزز من فكرة الاستمرارية في العلاقات بين الشعبين، رغم تغيّر الأنظمة والحكومات.
أما صحيفة فيدوموستي، فاعتبرت اللقاء الأول بين بوتين والشرع “اعترافًا روسيًا نهائيًا بسلطة الزعيم السوري الجديد”، مشيرة إلى أن موسكو تنظر إلى الشرع بوصفه رجل دولة براغماتي يسعى إلى إعادة ضبط العلاقات على أساس متكافئ.
ونقلت الصحيفة عن مصادر دبلوماسية أن المحادثات تطرقت إلى قضايا حيوية أبرزها إعادة هيكلة القواعد الروسية ضمن اتفاقيات جديدة، والمساعدة في بناء الجيش السوري الجديد، وتوسيع التعاون في قطاعات الطاقة والنقل والموانئ.
وأشاد بوتين خلال اللقاء بالانتخابات البرلمانية الأخيرة في سوريا، واصفًا إياها بـ”النجاح الباهر”، في إشارة واضحة إلى دعم موسكو لمسار إعادة بناء مؤسسات الدولة بقيادة الشرع.
قراءات متباينة في موسكو: بين الانتصار الرمزي والخسارة السياسية
وفي قراءة مغايرة، رأت منصة ريا نوفوستي المقرّبة من الكرملين أن استقبال بوتين للرئيس السوري الجديد يأتي في سياق “براغماتية روسية تحافظ على مواقع النفوذ”، لكنها أيضًا تعكس إدراكًا بخسارة نسبية في ميزان القوى الإقليمي أمام الولايات المتحدة، خاصة بعد ما وصفه كاتب المقال بـ”نجاح ترامب في غزة”.
وجاء في المقال: “يقدّم الإعلام الغربي زيارة الشرع إلى موسكو كإقرار بهزيمة لبوتين، لكن الحقيقة أن روسيا تُظهر قدرتها على التعامل مع أي سلطة سورية جديدة دون أن تفقد حضورها في الميدان“.
وذكّر المقال بتاريخ الشرع الشخصي، مشيرًا إلى أنه “جهادي سابق وقائد لجبهة النصرة” أطاح ببشار الأسد في ديسمبر الماضي، لكنه يمثل اليوم الدولة السورية الجديدة بكل مؤسساتها. وأضاف الكاتب أن وجود الأسد في موسكو لا يُحرج روسيا، بل يعكس قدرتها على التعامل مع “الرئيسين السابق والحالي” في آن واحد، ضمن مفهوم «الاستمرارية السياسية في العلاقات”.
وختم المقال بتأكيد أن روسيا لا تزال الحليف الأكثر موثوقية للعرب، وأن دول المنطقة، بما فيها سوريا الجديدة، “تبحث عن توازن استراتيجي يخفف الاعتماد على الغرب عبر التقارب مع مجموعة البريكس التي تلعب فيها موسكو دورًا محوريًا“.
“كومرسانت”: من لقاء الرؤساء إلى لغة الرموز
وفي مقال مطوّل لصحيفة كومرسانت، وصف المراسل الذي رافق الوفد السوري مشاهد اللقاء في الكرملين بتفاصيل أدبية، قائلاً إن “الرئيس الانتقالي لسوريا، أحمد الشرع، تأخر قليلاً، لكن الجميع في موسكو كانوا بانتظاره”، مضيفًا أن القمة الروسية العربية التي أُلغيت عشية اللقاء، تحوّلت فعليًا إلى قمة سورية ـ روسية مصغّرة.
ولفت المقال إلى أن أعضاء الوفد السوري جميعهم كانوا يرتدون اللباس الأسود، ما منح المشهد “طابعًا مهيبًا”، بينما لفت الانتباه رجل واحد بلا لحية هو ماهر الشرع، الذي وصفه الكاتب بأنه “رجل روسيا القادر على النظر إلى جوهر الأشياء“.
وأشار التقرير إلى أن أحمد الشرع ترك انطباعًا قويًا في موسكو بذكائه الهادئ وثقته، وأن بوتين أثنى على “كفاءته التقنية” في التعامل مع الترجمة الإلكترونية، في إشارة رمزية إلى انفتاح القيادة السورية الجديدة على العالم.
وختمت كومرسانت تقريرها بمفارقة طريفة حول امتعاض بعض الصحفيين السوريين من عدم دعوتهم إلى مأدبة الطعام، في إشارة إلى انتقالهم من بروتوكولات المؤتمرات الغربية إلى طابع العلاقات الروسية العملية.
نفي رسمي لاتفاقات “الانسحاب من الساحل“
في الداخل السوري، ردّ محافظ طرطوس أحمد الشامي على بيانات صدرت عن فلول النظام المخلوع تزعم وجود اتفاقيات مع روسيا للانسحاب من الساحل السوري، مؤكدًا أن “تلك الادعاءات مجرد أوهام لا أساس لها من الصحة“.
وقال الشامي في تغريدة عبر منصة “إكس”: “زيارة السيد الرئيس أحمد الشرع إلى روسيا كانت موفقة، وفيها كل الخير لسوريا ووحدتها، فلا داعي للقلق. لا مكان لأوهام الفلول في مستقبل بلدنا“.
تواصل دبلوماسي سوري – تركي
وفي تطور موازٍ، بحث وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني مع نظيره التركي هاكان فيدان في اتصال هاتفي، الملفات التي تناولها الاجتماع الأمني الأخير بين البلدين في أنقرة.
وذكرت مصادر في الخارجية التركية أن الاتصال ركّز على “متابعة آليات التنسيق الأمني وضبط الحدود”، في وقت تُظهر فيه أنقرة استعدادًا للتعامل مع القيادة الجديدة في دمشق على قاعدة التعاون المرحلي.
تصاعد الاغتيالات في حلب: تصفية رموز النظام المخلوع
ميدانيًا، تشهد مدينة حلب تصاعدًا غير مسبوق في عمليات الاغتيال التي تستهدف ضباطًا وعناصر سابقين في الميليشيات الموالية للنظام المخلوع، وخاصة في أحياء الفرقان، حلب الجديدة، السكري، والفردوس.
وأفادت مصادر محلية بأن معظم المستهدفين كانوا قد أجروا تسويات أمنية بعد سقوط النظام، بينهم قادة من “قوات النمر” و”الفيلق الخامس” و”لواء القدس”، إضافة إلى عناصر من الميليشيات الإيرانية السابقة.
وتُنفّذ الاغتيالات عادة بأسلحة مزودة بكواتم صوت أو عبر دراجات نارية، في مشهد يُعيد إلى الواجهة سؤال العدالة المحلية والانتقام المتبادل بعد عقد من الصراع الدموي.
السويداء والمازوت المحتكر
في الجنوب، تتفاقم أزمة المحروقات في محافظة السويداء، حيث تجاوز سعر ليتر المازوت في السوق السوداء 23 ألف ليرة سورية، أي أكثر من ضعف السعر الرسمي.
وتشير مصادر ميدانية إلى أن “الحرس الوطني” التابع لحكمت الهجري يسيطر على توزيع المحروقات عبر شبكة احتكار منظمة، تستولي على الصهاريج القادمة للمحافظة وتعيد بيعها بأسعار مضاعفة.
الأزمة انعكست على قطاعات النقل والتدفئة والزراعة، ما جعل فصل الشتاء القادم يهدد بكارثة معيشية وبيئية، في ظل غياب أي دور حكومي فعّال أو رقابة حقيقية على السوق.
اللاذقية تفتتح مكتباً للشكاوى الأمنية
في المقابل، أعلنت قيادة الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية عن افتتاح مكتب رسمي لتلقي شكاوى المدنيين بشأن أداء العاملين في القطاع الأمني.
وأكد العميد عبد العزيز الأحمد أن الهدف هو “تعزيز الثقة بين المواطنين والمؤسسة الأمنية وترسيخ مبدأ المساءلة والانضباط في العمل”، في خطوة وُصفت بأنها جزء من مسار إصلاحي يهدف إلى إعادة بناء العلاقة بين الدولة والمجتمع بعد سنوات من الانتهاكات.
ضربة جديدة لشبكات التهريب والمخدرات
كما أعلنت وزارة الداخلية عن إحباط محاولة تهريب مواد مخدّرة عبر معبر نصيب الحدودي، كانت مخبّأة داخل عبوات مشروبات غازية، وضبطت أكثر من 54 كغ من الكريستال و17.5 كغ من الحشيش و43 ألف حبة كبتاغون.
وأكدت الوزارة إحالة المتورطين إلى القضاء، مشددة على استمرار حملتها لمكافحة المخدرات التي ارتبطت سابقًا بشبكات كانت تديرها شخصيات مقربة من النظام السابق.
المقابر الجماعية… جرح الذاكرة السورية
في سياق العدالة الانتقالية، ما تزال المقابر الجماعية المكتشفة في محافظات درعا، حمص، حماة، ودير الزور تكشف فصولًا جديدة من جرائم النظام المخلوع.
ووفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، تم توثيق 41 مقبرة جماعية حتى الآن، تضم رفات نحو 2795 ضحية، بينهم نساء وأطفال أُعدموا رمياً بالرصاص أو حُرقوا أحياء.
هذه الاكتشافات أعادت الجدل حول آليات المحاسبة الوطنية والدولية، خاصة مع حديث الشرع عن التعاون مع موسكو في “ملفات المطلوبين” وتسليم رموز النظام السابق للعدالة.
تعزيزات أميركية في الحسكة
في الشمال الشرقي، استقدمت قوات التحالف الدولي تعزيزات عسكرية جديدة إلى قاعدة قسرك شمال الحسكة، شملت أنظمة دفاع جوي وصواريخ ورادارات متطورة، في إشارة إلى استمرار واشنطن في تثبيت نفوذها في المنطقة.
وتزامنت هذه التعزيزات مع وصول طائرة شحن أميركية إلى مطار خراب الجير في ريف رميلان، ما أثار تساؤلات حول مستقبل التنسيق الأمني مع قوات سوريا الديمقراطية، التي بدأت مؤخرًا حوارًا متقدمًا مع حكومة دمشق.
انتهاكات واعتقالات في الشيخ مقصود
وفي مدينة حلب، اعتقلت قوات تابعة لحكومة دمشق شابين علنًا على حاجز في حي الشيخ مقصود، وسط تزايد الانتهاكات بحق السكان في الشيخ مقصود والأشرفية.
كما أفادت مصادر محلية بأن مجموعة مسلحة اختطفت شابًا آخر في الحي نفسه وطالبت عائلته بدفع فدية قدرها 10 آلاف دولار للإفراج عنه، في مؤشر على تفشي الفوضى الأمنية وغياب المحاسبة.
غضب شعبي في دير الزور من “التمييز الخدمي”
أما في مدينة الميادين شرق دير الزور، فتشهد الأحياء الغربية والوسطى احتجاجات شعبية متصاعدة ضد قرارات محلية بنقل المؤسسات العامة إلى القسم الشرقي من المدينة، حيث يقطن عدد من المسؤولين المحليين.
ويصف الأهالي هذه القرارات بأنها “محسوبية واضحة واستغلال للسلطة”، معتبرين أن الخدمات تُوزع وفق الولاءات والمصالح الشخصية.
ودعا السكان إلى توزيع عادل للمؤسسات والمشاريع الخدمية، محذرين من تفاقم الانقسام الاجتماعي والإداري داخل المدينة.
مأساة الركبان مستمرة خارج المخيم
ورغم إعلان السلطات عن طيّ ملف مخيم الركبان على الحدود الأردنية، إلا أن المأساة لم تنتهِ.
فقد اضطر نحو 200 عائلة من ريف حمص الشرقي إلى نصب خيام فوق أنقاض منازلها المدمّرة، فيما بقيت 35 عائلة عاجزة عن العودة إلى مناطقها الأصلية في تدمر ومهين ودير الزور.
ويعيش هؤلاء في ظروف قاسية تفتقر لأبسط مقومات الحياة، ما يعيد إلى الأذهان صور النزوح الطويل ومعاناة السوريين بين الركام والنسيان.
خاتمة: سوريا بين العدالة والمصالح
تظهر زيارة الشرع إلى موسكو بوصفها تحولًا استراتيجيًا مزدوج الأوجه: من جهة، تؤسس لإعادة بناء علاقة متكافئة مع روسيا على أساس المصالح المشتركة؛ ومن جهة أخرى، تمثل خطوة جريئة في ملف العدالة الانتقالية عبر المطالبة بتسليم بشار الأسد ورموز نظامه.
لكن خلف هذه التحولات الكبرى، تبقى التحديات اليومية أكثر قسوة: اغتيالات في الشمال، فوضى في الشرق، فقر في الجنوب، ومقابر تُنبش في كل مكان.



