أخباركم – أخبارنا
بيروت – في مثل هذا اليوم من 19 تشرين الأول/أكتوبر 2012، دوّى انفجارٌ عنيف في منطقة الأشرفية – شارع إبراهيم المنذر، فهزّ قلب العاصمة اللبنانية وأعاد إلى الأذهان مشهد الاغتيالات السياسية التي وسمت تاريخ لبنان الحديث.
في دقائق معدودة، سقط اللواء وسام الحسن، رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، قتيلاً في تفجيرٍ استهدف موكبه، واهتزّ المشهد السياسي اللبناني على وقع صدمة اغتيال رجلٍ كان يوصف بأنه “العقل الأمني الأكثر دقةً بعد رفيق الحريري”.
من بتوراتيج إلى بيروت: مسيرة رجل الأمن
وُلد وسام عدنان الحسن عام 1965 في بلدة بتوراتيج بقضاء الكورة في شمال لبنان، وتخرّج من السلك العسكري في ثمانينيات القرن الماضي.
بدأ مسيرته في قوى الأمن الداخلي، قبل أن ينتقل إلى العمل مع رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري ضمن فريقه الأمني، حيث لفت الأنظار بقدرته على التنظيم والدقة.
وبعد اغتيال الحريري عام 2005، وجد الحسن نفسه في قلب التحولات الكبرى التي شهدها لبنان، فكلّفته الحكومة في شباط 2006 بتأسيس وإدارة شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي — الجهاز الذي تحوّل لاحقًا إلى ذراع استخبارية فاعلة للدولة اللبنانية.
الرجل الذي أرّق أجهزة التجسس
بفضل أساليبه الميدانية وشبكة الاتصالات الواسعة التي بناها داخل لبنان وخارجه، تمكن الحسن وفريقه من تفكيك عشرات شبكات التجسس الإسرائيلية بين عامي 2009 و2012، وهي إنجازات غير مسبوقة في تاريخ الأجهزة اللبنانية.
كما قاد التحقيق الشهير الذي أطاح بالوزير السابق ميشال سماحة، بعد ضبطه متلبسًا بنقل متفجرات من سوريا إلى لبنان، بتخطيط من مدير مكتب الأمن القومي السوري علي مملوك.
ذلك الملف جعل وسام الحسن خصمًا مباشرًا للنظام السوري وأجهزته الأمنية، وكرّسه كأحد أركان “المحور السيادي” في لبنان، إلى جانب اللواء أشرف ريفي ورئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري.
اغتيال في قلب العاصمة
في ظهيرة الجمعة 19 تشرين الأول 2012، انفجرت سيارة مفخخة تزن نحو خمسين كيلوغرامًا من المتفجرات أثناء مرور موكب اللواء الحسن في الأشرفية، ما أدى إلى مقتله مع مرافقه وعدد من المدنيين.
العملية نُفذت بدقة استخبارية عالية، واستُخدمت فيها تقنيات متطورة لرصد تحركاته بعد عودته سرًا من الخارج.
اتهمت قوى “14 آذار” آنذاك النظام السوري بالوقوف وراء الاغتيال، معتبرة أن الحسن “دفع ثمن كشفه لملف سماحة – مملوك”.
أما التحقيق الرسمي، فلم يخلص إلى نتيجة نهائية، وظل الملف مفتوحًا في ذاكرة اللبنانيين كأحد الاغتيالات الغامضة التي غيّرت مسار البلاد.
إرث أمني وسياسي
لم يكن اللواء وسام الحسن مجرد ضابط أمن؛ كان رجل دولةٍ من الطراز النادر.
في حياته، أعاد لشعبة المعلومات هيبتها، وفي موته ترك فراغًا لم يملأه أحد.
يقول أحد ضباطه السابقين: “كان يعرف أن الموت يلاحقه، لكنه كان يقول دائمًا: المعلومة أحيانًا تساوي حياة وطن.”
اغتياله مثّل ضربة قاسية لمؤسسات الدولة اللبنانية، التي فقدت واحدًا من أبرز رموزها المهنية في مرحلةٍ شديدة الاضطراب.
ذكرى في زمن الانقسام
تمرّ ذكرى اغتياله اليوم ولبنان ما زال يواجه الانقسام ذاته الذي قاتل ضده الحسن طيلة مسيرته: انقسام الولاءات، وتنازع الأجهزة، وضياع الثقة بين المواطن والدولة.
ورغم مرور ثلاثة عشر عامًا على اغتياله، لا تزال صورته تُرفع في الشوارع وفي احتفالات قوى الأمن الداخلي، رمزًا للضابط الذي آمن بأن الولاء للوطن لا يُقاس بالانتماء السياسي، بل بالدم الذي يُسكب في سبيل الحقيقة.
إرثه الحيّ
يُجمع خصومه ورفاقه على أن وسام الحسن ترك إرثًا أمنيًا ومهنيًا متينًا، وأن شعبة المعلومات التي أسسها ما زالت حتى اليوم تعتمد على الأسس التنظيمية التي وضعها.
أما في الذاكرة اللبنانية، فبقي الحسن رمزًا للضابط المدني النزيه، الذي دخل لعبة السياسة مجبرًا، وغادرها شهيدًا.
وفي كل عام، في مثل هذا اليوم، تُرفع صورته على جدار وزارة الداخلية، وتُكتب تحتها العبارة التي كان يردّدها لجنوده:
“الوطن لا يُحمى بالشعارات، بل بالعيون التي لا تنام.”



