أخباركم – أخبارنا
جاءت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى موسكو في وقت بالغ الحساسية بالنسبة لسوريا، حيث يسعى النظام الجديد لتأمين دعم عسكري ودبلوماسي بعد تراجع قدراته الدفاعية إثر الضربات الإسرائيلية الكثيفة، في حين تسعى موسكو إلى حماية مصالحها الاستراتيجية في البلاد، بما يشمل قاعدة حميميم الجوية وطرطوس البحرية
استراتيجية الشرع تجاه موسكو
وقد سلطت مجلة فورين بوليسي الضوء على سعي الشرع للحصول على نظم دفاع جوي متطورة وأسلحة حديثة لتعويض الخسائر التي لحقت بالقوات السورية خلال الغارات الإسرائيلية في كانون الأول 2024، والتي دمرت نحو 85% من الإمكانات العسكرية.
ويهدف الشرع من هذه الخطوة إلى بناء جيش قادر على مواجهة التهديدات الإسرائيلية والتركية والفصائل الداخلية، مع توظيف العلاقة مع موسكو كورقة ضغط دبلوماسية تجاه الغرب لتخفيف مطالبه فيما يتعلق بتقاسم السلطة وحقوق الأقليات.
وتشير المجلة إلى أن العلاقة بين دمشق وموسكو تقوم على مصالح متبادلة: سوريا تحتاج إلى السلاح والدعم السياسي، بينما تحتاج روسيا إلى حماية وجودها العسكري في حميميم وطرطوس. وقد سمح النظام الجديد لروسيا بالاحتفاظ بقدرتها على الوصول إلى هذه القواعد، فيما واصلت موسكو تزويد دمشق بالنفط والقمح، كما ستتولى طباعة العملة السورية الجديدة في كانون الأول 2025.
الزيارة العسكرية والصفقات الدفاعية
في الثالث من تشرين الأول، زار وفد من وزارة الدفاع السورية موسكو، برئاسة قائد الأركان، حيث عُرضت أحدث المنظومات الدفاعية الروسية، بما في ذلك أنظمة دفاع جوي، مسيرات قتالية، ومركبات مصفحة. وركزت المباحثات على منظومات الدفاع الجوي التي صُممت لمواجهة الغارات الإسرائيلية والطائرات المسيّرة الدقيقة، ما يعكس أولوية دمشق في حماية سيادتها ومواطنيها.
توازن القوى بين الشرق والغرب
يتبنى الشرع نهجًا مشابهًا للرئيس التركي أردوغان، محاولًا موازنة العلاقات بين روسيا والغرب. فكما جمعت أنقرة بين عضويتها في الناتو وشراء منظومات دفاع روسية، يسعى الشرع لاستغلال تقاربه مع موسكو لإحداث حالة قلق لدى الغرب وتخفيف الضغط على الحكومة السورية الجديدة.
لكن هذا النهج محفوف بالمخاطر، إذ أن جزءًا من الشعب السوري لا يزال يحمل موسكو مسؤولية الدمار والضحايا منذ تدخلها العسكري عام 2015، مما يجعل أي محاولة لتطبيع العلاقات معها بحاجة إلى استراتيجية داخلية محكمة.
التطورات الأمنية والميدانية في الداخل السوري
غارة أميركية مشتركة في الضمير
نفّذت القوات الخاصة الأميركية غارة بطائرة هليكوبتر على منطقة الضمير بريف دمشق بالتنسيق مع وزارة الداخلية السورية، وأدت إلى اعتقال أحمد عبد الله المسعود البدري، أحد قياديي تنظيم الدولة (داعش).
شارك عناصر من مكافحة الإرهاب السورية ووحدات التحالف الدولي في عملية الإنزال، وهي الخامسة من نوعها منذ تموز 2025 ضمن جهود مكافحة الإرهاب.
وعلق المبعوث الأميركي إلى سوريا، توم براك، على العملية قائلاً: “سوريا عادت إلى صفّنا”، في مؤشر إلى بداية تنسيق أمني محدود بين واشنطن ودمشق.
ملاحقة خلايا داعش
وفي سياق متصل، نفذ جهاز الاستخبارات العامة بالتعاون مع قيادة الأمن الداخلي عملية أمنية في معضمية القلمون شمال ريف دمشق، أسفرت عن اعتقال عنصر وإصابة آخرين من خلايا داعش، وضبط أسلحة وذخائر وأحزمة ناسفة، ضمن جهود مستمرة للقضاء على التنظيم في المناطق الريفية.
ملف المفقودين
أجرى وفد من الهيئة الوطنية للمفقودين زيارة للبوسنة والهرسك لمدة خمسة أيام للاطلاع على تجربة الدولة في التعامل مع ضحايا الحروب الجماعية، بهدف إعداد قاعدة بيانات وطنية وتطوير آليات الإبلاغ عن المفقودين في سوريا. وتأتي هذه الخطوة ضمن جهود الهيئة التي تأسست في أيار 2025 لتقديم الدعم القانوني والإنساني لعائلات المفقودين.
إعادة القنصل زهر الدين إلى دمشق
أكدت وزارة الخارجية نقل زياد زهر الدين، القنصل العام لسوريا في دبي، إلى الإدارة المركزية بدمشق بعد تصريحات اعتُبرت غير رسمية، مشددة على أن القنصلية تواصل تقديم خدماتها بشكل طبيعي وتحترم القوانين المحلية واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية.
ويأتي القرار ضمن إعادة هيكلة البعثات الدبلوماسية السورية بعد قرارات مشابهة شملت عدة دول.
المحافظات السورية: الأوضاع الإنسانية والخدمية
السويداء
أعلن المحافظ مصطفى البكور استمرار وصول القوافل التجارية والإغاثية، وصرف الرواتب للعاملين في عدة مؤسسات حكومية، رغم الصعوبات المصرفية السابقة.
كما دُشّن بئر مياه جديد لتأمين احتياجات السكان، مع استمرار التعاون مع المنظمات الإنسانية.
في المقابل، سجل المرصد السوري لحقوق الإنسان خروقات جديدة لاتفاق وقف إطلاق النار، شملت إطلاق قذائف رشاشة على محور المجدل، مع رد قوات الحرس الوطني، ما يعكس التوتر المستمر في المنطقة.
حلب وعفرين
شهدت مناطق شمال وشرق حلب تصاعدًا في الانتهاكات من قبل فصائل موالية للجيش الوطني الموالي لتركيا، شملت منع المزارعين من جني الزيتون، ونهب المحاصيل، والاستيلاء على ممتلكات المدنيين، في استمرار لانتهاكات السيطرة على الأراضي الزراعية.
حمص
قُتل ثلاثة أشخاص من الطائفة العلوية إثر إطلاق نار في مدينة حمص، في إطار السلوكيات الانتقامية التي طالت 1106 أشخاص منذ بداية 2025، وفق إحصاءات المرصد السوري، دون ورود أي رد رسمي من السلطات.
الحسكة
نفّذت قوات التحالف الدولي مع قوات سوريا الديمقراطية تدريبات عسكرية مكثفة في قاعدتي الشدادي وقسرك، شملت طلعات جوية واستخدام الذخيرة الحية لتعزيز الجاهزية والتنسيق العملياتي.
الرقة ودير الزور
سجلت مناطق شمال وشرق سوريا تصاعدًا في هجمات خلايا تنظيم الدولة، شملت إطلاق نار وكمائن وتفجيرات، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى بين القوات الأمنية والمدنيين، في مؤشر على قدرة التنظيم على إعادة تنظيم صفوفه.
القنيطرة
نفّذت القوات الإسرائيلية عدة توغلات في قرى الصمدانية الشرقية، رسم الحلبي، وصيدا الحانوت، نصبت خلالها حواجز للتفتيش واستجواب السكان دون تسجيل أي اعتقالات أو احتكاكات كبيرة، وسط استمرار التوتر على الحدود الجنوبية.
تجمع زيارة الشرع إلى موسكو مع هذه التطورات الداخلية بين الجانب السياسي والدبلوماسي والأوضاع الأمنية والإنسانية المتوترة في الداخل، ما يعكس محاولة الحكومة السورية الجديدة لإعادة توازن علاقاتها الخارجية، وتحصين الداخل ضد التهديدات المتعددة، من دون التخلي عن دور موسكو الاستراتيجي.
كما تشير الأحداث الأمنية الأخيرة إلى استمرار تحديات الإرهاب والفصائل المسلحة المحلية، بينما يبرز ملف المفقودين والدبلوماسية الداخلية كأدوات لتقوية الدولة وبناء ثقة جزئية بين الحكومة والمجتمع، وسط هشاشة الوضع الأمني في عدة محافظات.
ويظل تصريح توم براك بمثابة مؤشر أميركي على إمكانية تنسيق محدود بين دمشق وواشنطن في ملف مكافحة الإرهاب، في حين تواصل موسكو لعب دور محوري في إعادة تسليح وتعزيز قدرات الجيش السوري الجديد.



