أخباركم – أخبارنا/ دمشق
أعلنت وزارة الداخلية السورية توقيف اللواء السابق أكرم سلوم العبد الله، القائد الأسبق للشرطة العسكرية في وزارة الدفاع، على خلفية تورطه في انتهاكات جسيمة بحق معتقلين داخل سجن صيدنايا العسكري، في مقدمتها ما يُعرف إعلاميًا بـ«غرف الملح» التي وُصفت بأنها أحد أكثر رموز الانتهاكات قسوة في تاريخ السجون السورية.
ويُعد العبد الله أرفع مسؤول عسكري يُعتقل من داخل المنظومة الأمنية منذ اندلاع النزاع السوري عام 2011، ما جعل الخطوة تحظى باهتمام واسع داخليًا ودوليًا.
تفاصيل الاعتقال
جاء الإعلان عبر بيان رسمي لوزارة الداخلية السورية أكّد أن “فرع مكافحة الإرهاب في دمشق نفّذ عملية دقيقة أدّت إلى إلقاء القبض على اللواء أكرم سلوم العبد الله، الذي شغل مناصب عدّة أبرزها قيادة الشرطة العسكرية، وتبيّن أنه كان مسؤولًا مباشرًا عن إدارة غرف الاحتجاز الخاصة المعروفة باسم (غرف الملح) في سجن صيدنايا، وعن تنفيذ عمليات تصفية بحق معتقلين سياسيين وأمنيين خلال الأعوام 2014 – 2016”.
وأوضح البيان أن الموقوف “أُحيل إلى القضاء العسكري المختص لمتابعة التحقيقات في قضايا تتعلق بجرائم قتل وتعذيب وإخفاء قسري”.
ونقلت مصادر قضائية سورية أن التحقيق يشمل شخصيات عسكرية أخرى كانت على ارتباط به في إدارة السجن ومراكز الاحتجاز الميدانية، في إطار حملة “إصلاح أمني داخلية” أطلقتها السلطات منذ منتصف العام.
ما هي “غرف الملح”؟
يُستخدم مصطلح “غرف الملح” في التقارير الحقوقية منذ عام 2017 للإشارة إلى غرف تخزين جثث المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب أو الإعدام في سجن صيدنايا، حيث كانت الجثث تُكدّس على أسِرّة معدنية ويُغطّى بعضها بالملح للمحافظة عليها ريثما تُنقل لاحقًا إلى مقابر جماعية.
وأفادت تقارير منظمات مثل العفو الدولية ورابطة معتقلي صيدنايا بأن هذه الممارسة كانت “نظامية” ضمن آلية إخفاء الجريمة وتوثيق الوفاة على أنها “توقف قلبي أو فشل تنفسي”.
وقدّرت تلك التقارير أن آلاف الجثث مرّت عبر غرف الملح بين عامي 2011 و2018، في حين لم تصدر أرقام رسمية عن السلطات السورية.
خلفية عن سجن صيدنايا
يقع سجن صيدنايا العسكري شمال دمشق، ويُعتبر أحد أكثر السجون تحصينًا وسرّية في الشرق الأوسط. أُنشئ عام 1987، ويُدار من قبل الشرطة العسكرية التابعة لوزارة الدفاع.
منذ عام 2011، تحوّل السجن إلى مركز رئيسي لاحتجاز المعارضين السياسيين والمقاتلين السابقين، واشتهر بسمعته القاسية نتيجة شهادات الناجين التي وثّقتها منظمات دولية.
تقدّر تقارير حقوقية أن عدد القتلى داخل السجن تجاوز 13 ألف معتقل خلال سنوات النزاع، معظمهم أُعدموا بعد محاكمات شكلية أمام “محكمة الميدان العسكرية”.
ووصف تقرير لمنظمة العفو الدولية عام 2017 السجن بأنه “مسلخ بشري”، معتبرًا أن الانتهاكات داخله ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.
ردود الفعل
رحّبت منظمات حقوقية سورية ودولية بالخطوة، معتبرة أنها قد تفتح باب المساءلة لأول مرة من داخل النظام نفسه.
وقالت رابطة معتقلي ومفقودي صيدنايا في بيان إنها “تتابع بترقّب مسار التحقيقات”، لكنها طالبت بـ“شفافية كاملة في المحاكمة وضمان عدم تسييس القضية أو طمس الحقائق”.
في المقابل، لم تُصدر وزارة الدفاع السورية أي تعليق على الاعتقال، فيما اكتفت الداخلية بالقول إن “التحقيقات مستمرة وستشمل كل من يثبت تورطه في الانتهاكات أياً كان موقعه”.
أهمية الاعتقال
يُنظر إلى توقيف اللواء أكرم سلوم كتحوّل نادر في التعامل الرسمي مع ملف الانتهاكات داخل السجون، بعد سنوات من الإنكار الرسمي.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة قد تكون موجهة أيضًا إلى المجتمع الدولي الذي يطالب دمشق بإظهار التزامها بإصلاحات قضائية وأمنية تمهيدًا لأي انفتاح سياسي أو إعادة إعمار.
ويعتقد محللون أن التحقيق مع سلوم سيتجاوز شخصه ليشمل شبكة الضباط المشرفين على إدارة سجن صيدنايا في فترات مختلفة، ما قد يُمهّد لأول عملية محاسبة رسمية مرتبطة بـ“غرف الملح” التي تحولت إلى رمز لأبشع فصول الحرب السورية.
اعتقال اللواء أكرم سلوم يشكّل سابقة قضائية في تاريخ الأجهزة الأمنية السورية، ويفتح واحدًا من أكثر الملفات حساسية في البلاد منذ أكثر من عقد.
لكنّ السؤال الأبرز يبقى ما إذا كانت هذه الخطوة بداية لمسار عدالة حقيقي أم محاولة سياسية لتخفيف الضغوط الدولية، في ظل استمرار المطالب بالكشف عن مصير آلاف المفقودين في سجن صيدنايا وغيره من مراكز الاعتقال.



