أخباركم – أخبارنا/ إعداد مسعود محمد
المصادر: الدستور العراقي، قانون الانتخابات رقم (12) لسنة 2018 المعدّل، المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، المحكمة الاتحادية العليا (القرار رقم 152/اتحادية/2021)، تصريحات الخبير القانوني علي التميمي.
مقدمة
منذ إقرار نظام الكوتا النسائية في العراق بعد عام 2005، ظلّ تمثيل المرأة في البرلمان موضع نقاش مستمر بين من يراه خطوة تمكينية ضرورية ومن يراه قيدًا سياسيًا يحدّ من قدرتها على المنافسة الحرة.
ومع صدور قرار المحكمة الاتحادية العليا عام 2021، الذي نصّ على احتساب مقاعد النساء الفائزات بأصوات الناخبين ضمن الكوتا المخصصة لهن، عاد الجدل مجددًا حول العدالة الدستورية في تمثيل المرأة العراقية.
أولاً: الكوتا النسائية في الدستور العراقي
أقرّ دستور جمهورية العراق لعام 2005 في المادة (49/رابعًا) ما يلي:
“يستهدف قانون الانتخابات تحقيق نسبة تمثيل للنساء لا تقل عن الربع من عدد أعضاء مجلس النواب.”
وبناءً على ذلك، خُصص للنساء 25% من مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 329 مقعدًا، أي ما يعادل 82 إلى 83 مقعدًا نسويًا على الأقل.
أما قانون الانتخابات رقم (12) لسنة 2018 المعدّل فقد أكد في مادته (15) أن:
“بعد كل ثلاثة رجال فائزين في الدائرة الواحدة تأتي امرأة في ترتيب الفائزين لضمان نسبة لا تقل عن الربع.”
وبهذا أصبح تمثيل النساء إلزاميًا في كل دائرة انتخابية، وليس خيارًا تنافسيًا.
ثانياً: نتائج انتخابات 2021 — أرقام ودلالات
في انتخابات عام 2021، ترشحت 946 امرأة على مستوى العراق، فازت منهن 95 امرأة بمقاعد نيابية.
وتوزعت النتائج كما يلي:
- 83 امرأة عبر الكوتا الدستورية.
- 12 امرأة فقط فزن بأصوات الناخبين المباشرة دون الاعتماد على الكوتا.
وتصدرت محافظة السليمانية قائمة المحافظات بنسبة تمثيل نسوي عالية (7 مقاعد)، تلتها أربيل ودهوك.
وفي إقليم كردستان، خصصت المفوضية 13 مقعدًا نسويًا ضمن الكوتا الإقليمية (6 في السليمانية، 4 في أربيل، 3 في دهوك).
ورغم هذا التمثيل العددي، ما زالت معظم المرشحات ترى أن المرأة بحاجة إلى دعم الكوتا في المرحلة الحالية، في حين تسعى أخريات إلى تجاوزها مستقبلاً بالفوز بأصوات الناخبين.
ثالثًا: قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (152/اتحادية/2021)
في كانون الأول/ديسمبر 2021، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها رقم (152/اتحادية/2021) ردًا على طعن قدّمته إحدى النائبات من إقليم كردستان، طالبت فيه بفصل المقاعد التي تفوز بها النساء عبر الأصوات الحرة عن مقاعد الكوتا المخصصة لهن.
غير أن المحكمة رفضت الطعن وأكدت أن:
“المرأة الفائزة سواء بأصوات الناخبين أو عبر نظام الكوتا تُحتسب ضمن نسبة الـ25% المحددة للنساء في مجلس النواب.”
وبرّرت المحكمة هذا القرار باعتباره تمييزًا إيجابيًا يهدف إلى ضمان مشاركة النساء في الحياة السياسية، وليس تمييزًا سلبياً مخالفًا للدستور.
وأشارت إلى أن هذا النظام لا يتعارض مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، مثل:
- العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (المادة 25)،
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 21)،
- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW).
رابعًا: قراءة قانونية وانتقادات للقرار
“هذا التفسير جعل الكوتا سقفًا لا أرضية لتمثيل المرأة، إذ تُدرج حتى الفائزة بالأصوات ضمن الكوتا، وهو ما يحدّ من التوسع في تمثيل النساء.”
وهذا القرار يخالف المادتين (14 و15) من الدستور اللتين تنصان على المساواة وتكافؤ الفرص بين العراقيين دون تمييز.
وهناك انتقادات لنظام سانت ليغو المعدّل (1.7) المستخدم في الانتخابات الحالية، فهو يقلّص فرص النساء والمستقلين بسبب ضم المحافظات ضمن دائرة واحدة، مما يعزز حظوظ القوائم الكبيرة التي يترأسها رجال.
خامسًا: بين التمكين والتقييد — مفارقة الكوتا النسائية
على الرغم من أن الكوتا صُممت كآلية تمييز إيجابي لضمان تمثيل المرأة، إلا أنها تحولت عمليًا إلى حدٍّ أقصى لا يمكن تجاوزه.
فحتى عندما تفوز النساء بأصوات تفوق بعض المرشحين الرجال، تُحتسب مقاعدهن ضمن النسبة المخصصة، وليس كمقاعد “حرة” ناتجة عن إرادة الناخبين.
بذلك أصبحت الكوتا في التطبيق سقفًا سياسيًا يحدّ من زيادة تمثيل المرأة، بدلاً من أن تكون وسيلة تمكين لتوسيع مشاركتها السياسية.
سادسًا: أبرز التحديات أمام المرأة السياسية في العراق
- ضعف الوعي الانتخابي النسوي:
ما تزال كثير من الناخبات لا يصوّتن للمرشحات النساء، مما يقلّل من فرصهن في الفوز الحر. - هيمنة الأحزاب الكبيرة:
أغلب رؤساء القوائم الانتخابية من الرجال، مما يجعل ترتيب النساء في القوائم متأخرًا. - نظام الدائرة الواحدة:
يقلل فرص النساء المستقلات ويزيد من صعوبة المنافسة أمام النفوذ الحزبي. - الثقافة المجتمعية:
ما زال الوعي الشعبي يرى المرأة في أدوار تقليدية، لا قيادية، مما يؤثر على التصويت لصالحها.
سابعًا: توصيات لإصلاح النظام الانتخابي ودعم تمثيل المرأة
- تعديل قانون الانتخابات بحيث تُحسب المرأة الفائزة بالأصوات العامة كمقعد مستقل، لا ضمن الكوتا.
- تحويل الكوتا من سقفٍ إلى حدٍّ أدنى يمكن تجاوزه إذا زادت نسبة النساء الفائزات بالأصوات.
- توسيع برامج التمكين والتدريب للمرشحات لبناء قواعد انتخابية مستقلة.
- إطلاق حملات توعية انتخابية تستهدف الناخبات لتشجيع التصويت للمرشحات الكفوءات.
- ضمان تمثيل حقيقي في المناصب التنفيذية (الوزارات والمحافظات) وليس فقط في البرلمان.
خاتمة
يبقى نظام الكوتا النسائية في العراق تجربة فريدة بين دول المنطقة، لكنه بحاجة إلى مراجعة عميقة لضمان أن يكون وسيلة تمكين لا أداة تقييد.
فقرار المحكمة الاتحادية العليا رقم (152/2021) أعاد التأكيد على حماية الحد الأدنى من التمثيل النسوي، لكنه في الوقت ذاته وضع سقفًا لا يمكن تجاوزه.
وحتى تصل المرأة العراقية إلى موقعها الطبيعي في الحياة السياسية، لا بد من إصلاح تشريعي ومجتمعي يعيد تعريف الكوتا كحق للمرأة لا كحدٍ لمشاركتها.
