كتبت عايدة الاحمدية
مع إقرار اعتماد منصة شركة “بلومبرغ” الأميركية للتداول والأسواق المالية، يأمل مصرف لبنان في أن تساعد هذه المنصة على الحد من المضاربات. كل العمليات المالية ستصبح عبر مصارف، أو عبر مؤسسات مالية تكون لديها معايير عالية لمكافحة غسيل الأموال، وستؤدي المنصة تدريجيًا لوقف خطوط حركة الأموال النقدية، وستصبح بلومبرغ أشبه بوثيقة لكل الدولارات المراقبة من المصارف والمؤسسات المالية. مصرف لبنان لن يتدخل بعمل هذه المنصة من ناحية تأمين الدولارات المطلوبة وبالتالي سيكون كسائر المتعاملين عبرها في السوق من خلال شراء وبيع الدولارات، وبالتالي تأمين الدولارات للمنصة سيكون حتماً من السوق، وقد يتدخل المركزي في ظروف محددة وبطرق محدودة.
مهمة هذه المنصة هي تحويل الليرة اللبنانية إلى الدولار الأميركي، وبهذا الإجراء يمكن للدولة اللبنانية أن تدفع التزاماتها بالليرة، وبإمكان من يستلمها تحويلها عبر هذه المنصة إلى الدولار، لكن نجاح هذه المنصة واستمرارها ليس بالأمر الهين.
عن طبيعة هذه المنصة والصعوبات المحتملة، يقول خبير المخاطر المصرفية والباحث في الاقتصاد الدكتور محمد فحيلي لموقعنا “اخباركم اخبارنا”، إن منصة بلومبرغ هي منصة “communication platform” للتواصل وليست للتداول بالعملة الأجنبية. فالمنصة الموجودة حالياً في القطاع المصرفي اللبناني ليست للتداول بالعملة الأجنبية، بل هي للتداول بالعملات بشكل عام. بالإضافة إلى ذلك، هي منصة تداول إلكترونية تتطلب وسائل دفع إلكترونية، أي أن الشخص الذي يشتري الدولار سيدفع ثمنه بالعملة اللبنانية من حسابات مصرفية، والذين يشترون الليرة اللبنانية سيدفعون ثمنها بدولارات من حسابات مصرفية. وبما أن التداول المطلوب حالياً هو بأوراق نقدية، فإن الحسابات المصرفية يجب أن تكون “فريش” وتحت أحكام التعميم الأساسي لمصرف لبنان رقم 165، وإلا لن يتمكنوا من التداول، لأن التسجيل يجب أن يكون بحسابات مصرفية ووسائل إلكترونية.
وحول ما يقال عن أنها متاحة للجميع، يقول فحيلي إن هذا الكلام هو للاستهلاك الإعلامي فقط. لأنها متاحة للذين لديهم حسابات مصرفية تحت أحكام التعميم 165 ومتاحة للذين لديهم القدرة على تسديد ثمن دولاراتهم باليرة اللبنانية إلكترونيًا وثمن الليرات اللبنانية بالدولار إلكترونيًا ايضًا. ولفت الى ان هناك أشخاصًا فتحوا حسابات في المصارف تحت أحكام 165 ليأخذوا بطاقات ائتمان دولار. كما استفاد المصدرون في لبنان من التعميم 165 وفتحوا حسابات. وحاليًا، يعتقد أن هناك 10 مصارف لبنانية لديهم منصات بلومبرغ وهي تتداول في مسائل عدة، ولكن ليس بالعملات.
ويرى ان بلومبرغ هي منصة يمكن تحديدها بسهولة، ويمكن لمصرف لبنان أن يعلنها قناة مفتوحة للتداول داخل القطاع المصرفي اللبناني. وفي هذه الحالة، يكون مصرف لبنان موفرًا للمنصة وليس هو من يقرر الموافقة على عمليات البيع أو الشراء.
وعن الفرق بينها وبين البورصة، يوضح أن بورصة بيروت للتداول بالعملة الأجنبية يمكن تأهيلها بسهولة،اذ ان المطلوب تقنيًا لتجهيز منصة بلومبرغ هو نفسه المطلوب لتأهيل بورصة بيروت.
وفي شأن الشفافية التي تؤمنها بلومبرغ في التعاملات المالية، يلفت فحيلي أن الجميع يتفادى ذكر قانون تنظيم مهنة الصيرفة. علمًا انه يؤمن هذه الشفافية، ويقول إذا كنا نريد حقًا الشفافية، فإن تنظيم مهنة الصيرفة الذي صدر في عام 2001 أجبر الصرافين على التصريح للجنة الرقابة على المصارف عن كل عملياتهم. إذا أردنا الشفافية، لماذا نلجأ إلى طريقة أكثر تعقيدًا ومربكة باللجوء إلى منصة بلومبرغ.
ويلفت إلى أن المصرفيين كانوا أكبر المستفيدين من منصة صيرفة، حيث رتبوا أوضاعهم وأوضاع زبائنهم المميزين ليستفيدوا من شراء الدولار المدعوم. وهذا لفت انتباه نواب الحاكم عندما تحدثوا عن غياب الشفافية. والجميع يتذكر ما حدث في 10 كانون الثاني 2023 حيث تمت مراجعة كل الطلبات لأنه لوحظ أن الطلبات تأتي من حسابات المستفيد الأخير من هذا التداول وهم المصرفيون لصالح أنفسهم أو من مديريهم التنفيذيين أو زبائنهم المميزين أو لصالحهم هم نفسهم.
وحول الحديث عن أن بلومبرغ ستفتتح خلال شهرين، يقول فحيلي إن هناك معوقات عدة أمام انطلاق المنصة، و توقعاته هي أن ذلك هو لشراء الوقت من الآن وحتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتعيين حاكم لمصرف لبنان. ويقول أكثر ما سنراه في الأيام المقبلة هو بصمات رياض سلامة وسياساته النقدية، وأكبر دليل على أن سياسات سلامة لا تزال مستمرة هو عدم اقتدار حاكم مصرف لبنان بالانتقال لمراجعة تعاميم مصرف لبنان التي أساءت إلى أموال المودعين، وهذه الخطوات لم يقم بها منصوري. من هنا، يعتقد أنه لن يكون هناك تغيير حتى تعيين حاكم أساسي لمصرف لبنان.
ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أن مصرف لبنان ليس بحاجة للمجلس النيابي لإعادة هيكلة القطاع المصرفي. فقانون النقد والتسليف يعطي لجنة الرقابة على المصارف صلاحيات كاملة وشاملة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي وهي ليست بحاجة إلى الذهاب إلى مجلس النواب ولا إلى الحكومة.
وعن تداعيات عدم انطلاق بلومبرغ في ظل إصرار منصوري على موقفه الرافض لتمويل الحكومة، يقول: مصرف لبنان لديها هذه الأموال ويمكن أن يؤمنها إلى الدولة ويعود ويشتريها من السوق، وها هو مستمر في تأمين رواتب القطاع العام، معتبراً ان المركزي سيسير بهذا العمل حتى تأمين الأجواء لأي انعطافة استراتيجية في السياسات النقدية.
بالنسبة لاستقرار سعر صرف الدولار رغم الأجواء السلبية، يقول: “أنا لا أريد أن أدافع عن السياسات النقدية لرياض سلامة، لدي انتقادات كثيرة عليها، ولكنه أسس لواقع معين على الساحة النقدية ما زال مستمراً. يعني ليس هناك طلب على الدولار إلا من خلال مصرف لبنان الذي يقوم بشراء الدولارات ليستعملها في دفع الرواتب للموظفين في القطاع العام.”
ولفت إلى القطاع الخاص تداول بالكامل والجانب الوحيد من الاقتصاد اللبناني الذي ما زال يعاني من الاستبعاد الاقتصادي بسبب الليرة اللبنانية هو القطاع العام، وهو القطاع الذي يشكل الحلقة الأضعف. لهذا السبب، ليس هناك لا طلب ولا عرض على الليرة اللبنانية، وهي لم تعد في التداول. فإذا أصبح دولار اليوم بقيمة 50 ألف ليرة أو 700 ألف ليرة، فلن يؤثر ذلك على الدورة الاقتصادية. المشكلة الوحيدة التي نشهدها هي أن الأسعار تزيد بالدولار بسبب غياب الرقابة اما سعر الصرف لم يعد مهمًا ولم يعد مؤشرًا، لا مؤشر عافية ولا مؤشر انتكاسة. ويقول بثقة: “نحن وصلنا إلى مرحلة لم يعد سعر صرف الدولار مهمًا كمؤشر اقتصادي أو بصمة اقتصادية لأن جميع مكونات الطبقة السياسية انشغلت بمهمة أخرى، وهي الهاء المواطنين بمنصة بلومبرغ، والهدف منها فقط هو للاستهلاك الإعلامي وليس أكثر، لأنهم لو أرادوا أن يعملوا بشكل صحيح كانوا اهتموا بما يريده صندوق النقد الدولي. ولو أرادوا أن يعملوا، كانوا اهتموا بماذا تريد “الفاريز اند مارسيل.”
وبالنسبة لما يتحدث عنه حاكم مصرف لبنان بالانابة عن أنه ليس من الصعب إعادة أموال المودعين، “ليشرح لنا منصوري على أي أساس قال هذا الكلام؟ أعتقد أنه أتى في توقيت زيارته للسعودية واستمد منها تشجيعًا، علمًا أن زيارته للسعودية كانت في إطار مشاركته في مؤتمر المصارف العربية وليس للديوان الملكي، ولقاءاته كانت من خلال فعاليات المؤتمر وليس من خارجه.”
ويلخص فحيلي رأيه بالقول: “احذروا الافراط في التفاؤل وبالنسبة للانعطافات الأساسية باستراتيجيات مصرف لبنان، احذروا الافراط بالأماني والآمال الإيجابية، لن يحدث شيء. وليس بأمكان منصوري أن يفعل شيئًا، وحتى يستطيع أن يفعل يجب أن يقوم بخطوات كثيرة، إما عبر لجنة الرقابة على المصارف من خلال إعادة هيكلة القطاع المصرفي وإما من خلال قانون يسمى قانون إعادة الانتظام إلى القطاع المالي لتفعيل العمل بوسائل الدفع المتاحة من خلال القطاع المصرفي واجبار المؤسسات والمصارف على توطين رواتب وأجور موظفيها، ولكن هذا يحتاج إلى قانون. عندها يصبح دفع الرواتب بالنقد ممنوعًا وتصبح المصارف مجبورة على إعادة فتح حسابات لتغيير نهج الاستبعاد المالي والعودة إلى الشمول المالي الذي اعتمدناه في العامين 2015 و2016.