تقرير أخباركم – اخبارنا
فلسطين الميداني/ ريما يوسف
في غزة… وعلى شاشة هاتفه، يحتفظ الشاب محمد نصّار بصور صديقيه الشهيدين محمد النبريص وشعبان الدلو، كأنها نافذته الصغيرة نحو الأيام التي سُرقت منه. يقول بصوتٍ يختنق بالحنين: “كانا جزءًا من حياتي وقراراتي وأحلامي، لكن الحرب حرمتني منهما إلى الأبد”.
ومع دخول وقف إطلاق النار في غزة، عادت الجراح تنزف في قلوب أكثر من مليوني إنسان فقدوا بيوتهم وأحبابهم. النازحة أم يوسف عليوة ما تزال في خيمتها في دير البلح، تنتظر “العوض الجميل”، بعد أن حوّل الاحتلال “بيت العمر” إلى ركام، تاركًا عائلتها وأطفالها في خيمة ممزقة. تقول بأسى: “النزوح سرق من أطفالي حياتهم المنظمة ومستقبلهم، لكننا سنبني من جديد”.
أما المصور محمود أبو حمدة، فقد خسر كل شيء تقريبًا: أصدقاءه، معداته، وصوره التي اضطر إلى حرق بعضها لطهي الطعام. ومع ذلك، يتمسك بحلمه قائلاً: “سأعود لتصوير الطبيعة، فلا أستطيع الانسلاخ عما أحبّه”.
في مستشفى المعمداني، تنام الطفلة إسلام حاتم، الناجية الوحيدة من عائلتها التي أبادها الاحتلال. تمسح خالتها على رأسها وتقول: “خسرت أختي، لكنني وجدت في إسلام ابنتي التي انتظرتها عشرين عامًا”.
توقفت الحرب مؤقتًا، لكن الألم ما زال يملأ المخيمات والمستشفيات والقلوب. كل وجه في غزة يحمل قصة خسارة، وكل روح تنتظر أن يأتي العوض الموعود.
ميدانيا، دخلت أربع آليات مصرية ثقيلة، مساء امس السبت، إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم جنوب القطاع، في خطوةٍ وُصفت بأنها الأولى من نوعها منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار. وأفادت القناة 12 العبرية نقلًا عن مصادر إسرائيلية، بأن طواقم وآليات مصرية ستشارك في عمليات البحث عن رفات إسرائيليين داخل القطاع، وذلك بعد موافقة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.
من جانبها، ذكرت قناة “كان” العبرية أن هذه الخطوة جاءت استجابةً لضغوط أمريكية، مشيرة إلى أنه سيتم الليلة إدخال معدات وفرق مصرية للمشاركة في عمليات البحث عن جثث الأسرى الإسرائيليين. ووفق وسائل إعلام إسرائيلية، دخل فريق مصري مجهّز بعدة مركبات ومعدات متخصصة إلى القطاع بموافقة القيادة السياسية الإسرائيلية، بحسب ما نقلته صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” عن مسؤول دفاعي.
ونقل موقع “أكسيوس” الأميركي عن مسؤول أمني إسرائيلي قوله إن “إسرائيل” وافقت على طلب مصر بشأن دخول الفريق والمعدات إلى غزة، في إطار جهود استعادة جثث الرهائن الإسرائيليين، فيما اعتبرت هيئة البث الإسرائيلية أن الخطوة تمثل تنازلاً إسرائيلياً تحت ضغط واشنطن، بعد أن كانت تل أبيب قد رفضت في السابق السماح بدخول أي فرق أجنبية إلى القطاع، مبررة ذلك بأن حركة حماس قادرة على التعامل مع الملف دون مساعدة خارجية.
في المقابل، ذكرت القناة أن الولايات المتحدة تمنع إسرائيل في الوقت الراهن من فرض عقوبات أو اتخاذ إجراءات انتقامية بسبب عدم إعادة حماس لجثث الرهائن.
وفي خرق جديد للاتفاق، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي مساء السبت أنه استهدف “ناشطًا” في حركة الجهاد الإسلامي في منطقة النصيرات وسط القطاع، زاعمًا أنه كان يخطط لتنفيذ عملية ضد قوات الجيش في المدى القريب. وقال المتحدث باسم الجيش: “قبل وقت قصير، هاجم الجيش الإسرائيلي بشكل مركز وباستخدام طائرات من سلاح الجو، مسلحًا من تنظيم الجهاد الإسلامي في النصيرات”. وأضاف أن “قوات الجيش الإسرائيلي في قيادة المنطقة الجنوبية منتشرة في المنطقة وفقًا لتصور اتفاق وقف إطلاق النار، وستواصل العمل لإزالة أي تهديد فوري”.
في السياق الميداني، أعلنت وزارة الصحة في غزة، يوم السبت، استشهاد أربعة أشخاص وإصابة سبعة آخرين خلال الـ 48 ساعة الماضية، ليرتفع العدد الإجمالي للشهداء والمصابين منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ إلى 94 شهيدًا و324 مصابًا. كما أفادت الوزارة بانتشال 15 جثمانًا جديدًا من تحت الأنقاض، ما رفع عدد الجثامين التي تم انتشالها منذ بدء الهدنة إلى 464 جثمانًا.
وإثر ذلك، ارتفع إجمالي شهداء حرب الإبادة منذ السابع من أكتوبر إلى 68,519 شهيدًا، بعد إضافة أسماء 220 شهيدًا إلى الإحصائية التراكمية للشهداء، ممن اكتملت بياناتهم واعتمدتهم اللجنة القضائية المتابعة لملف التبليغات والمفقودين. وأشارت الوزارة إلى أن الاحتلال أعاد 195 جثمانًا كان يحتجزها، مؤكدة أنه تم التعرف على هوية 64 منها حتى الآن.
وأظهرت الفحوصات الرسمية والمشاهدات الميدانية التي وثّقتها الجهات الحكومية والحقوقية وجود انتهاكات جسيمة بحق الشهداء، من بينها آثار حبال على أعناق عدد كبير منهم تشير إلى شنقهم، وإطلاق نار مباشر من مسافة قريبة جدًا في ما يبدو كإعدامات ميدانية، إضافة إلى تقييد الأيدي والأقدام بمرابط بلاستيكية، ووجود عيون معصوبة وملامح تؤكد أن الضحايا اعتُقلوا قبل إعدامهم. كما رُصدت آثار سحق للجثامين تحت جنازير الدبابات وحروق وكسور عميقة تؤكد ممارسة أساليب تعذيب وحشية ضد المعتقلين قبل قتلهم.
ورغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار، تواصل قوات الاحتلال عمليات التدمير في المناطق التي ما زالت خاضعة لسيطرتها داخل القطاع، وقد أظهرت مقاطع مصوّرة استمرار نسف المباني السكنية في مدينة خان يونس جنوب القطاع، وسط اتهامات من الفصائل الفلسطينية لإسرائيل بمحاولة فرض وقائع ميدانية جديدة قبل بدء مرحلة إعادة الإعمار.
كما تواصل إسرائيل خرق الاتفاق في ملف المساعدات الإنسانية، إذ أكد الناطق باسم وكالة “الأونروا” عدنان أبو حسنة أن عدد شاحنات الإغاثة التي يتم إدخالها يوميًا إلى القطاع لم يصل إلى 600 شاحنة كما نص الاتفاق، محذرًا من أن هذا النقص الحاد يهدد استمرار الخدمات الإنسانية في القطاع المنهك.
وفي الضفة الغربية، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي الليلة الماضية مدينة نابلس شمال الضفة، وداهمت عدداً من منازل المواطنين في حي المعاجين غرب المدينة، ما أدى إلى اندلاع مواجهات مع الشبان الذين رشقوا القوات بالحجارة. وأطلقت قوات الاحتلال قنابل الغاز المسيل للدموع بكثافة باتجاه المتظاهرين، ما تسبب بحالات اختناق بين الأهالي.
كما اقتحمت قوة عسكرية إسرائيلية مكونة من عشرة جيبات المدينة من حاجز الطور باتجاه حي كروم عاشور، ثم داهمت حي المخفية والبلدة القديمة، دون تسجيل حالات اعتقال .



