أخباركم – أخبارنا
بقلم: د. نضال الشرتوني
في ظلّ اشتداد التنافس الدولي على موارد الطاقة في شرق المتوسط، يتحوّل ملف ترسيم الحدود البحرية إلى ورقة جيوسياسية حسّاسة تتقاطع فيها المصالح الأميركية والإسرائيلية والأوروبية، مقابل تحدّيات لبنانية – إقليمية متشابكة.
وفي ما يلي عرض تحليلي لأبرز النقاط المركزية في سياسة ترسيم الحدود البحرية في منطقة الشرق الأوسط:
١- الدور الأميركي في ترسيم الحدود البحرية
تُعدّ الولايات المتحدة الأميركية اللاعب المركزي في إدارة ملف ترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط.
فمنذ اتفاق لبنان – إسرائيل (2022) بوساطة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، أصبحت واشنطن عمليًا الضامن والمفسِّر والموجِّه لأي خطوة لاحقة، بما في ذلك ما يتعلّق بالملف القبرصي.
تنظر واشنطن إلى شرق المتوسط على أنه:
- خزان طاقة استراتيجي بديل لأوروبا بعد الحرب الأوكرانية،
- منطقة حسّاسة للأمن الإسرائيلي،
- وحيّز نفوذ غربي لا يجوز تركه لروسيا أو الصين.
من هنا، تتحرّك السياسة الأميركية وفق مبدأ:
“السيطرة على خطوط الطاقة والغاز عبر ترسيم الحدود السياسية.”
٢- توظيف النقاط البحرية لخدمة الاستراتيجية الأميركية
تشجّع الولايات المتحدة قبرص و”إسرائيل” على اعتماد النقطة 1 كنقطة ثلاثية، لأنّ ذلك يحقّق عدّة أهداف استراتيجية، منها:
- ربط إسرائيل مباشرة بقبرص دون المرور بالسيادة اللبنانية،
- فتح ممرّ قانوني لمشاريع الغاز المشتركة، مثل أنبوب EastMed،
- إضعاف الورقة اللبنانية التفاوضية حول البلوكات الجنوبية (9 و10).
أما الضغط الأميركي على لبنان للمصادقة على اتفاقية 2007، فهو جزء من مشروع أوسع لتثبيت خريطة طاقة موحّدة لشرق المتوسط تبدأ من مصر وقبرص وإسرائيل وتنتهي بتركيا وأوروبا، ضمن رؤية استراتيجية غربية متكاملة.
٣- قبرص في موقع “الوسيط الموجَّه”
ليست قبرص فاعلاً حرًّا بالكامل، بل تؤدي دورًا داخل الاستراتيجية الأوروبية – الأميركية المشتركة.
فهي تعتمد خطوطًا تلائم المصالح الأطلسية أكثر مما تراعي العدالة الجغرافية البحرية.
وعندما وقّعت قبرص مع إسرائيل عام 2010 على أساس النقطة 1، كانت تعلم أنّ لبنان لم يقرّها بعد، لكنها رضخت للضغوط الأميركية والإسرائيلية، أملاً بضمان موقعها في مشاريع الغاز المستقبلية.
٤- النتيجة السياسية
ما يجري اليوم ليس مجرّد “ترسيم حدود بحرية”، بل إعادة توزيع للثروة البحرية في شرق المتوسط بإشراف أميركي مباشر.
فالولايات المتحدة لا تكتفي بإدارة النزاع، بل تُهندِس الحلول بما يخدم مصالحها ومصلحة إسرائيل.
وبالتالي، فإنّ النقطة الثلاثية ليست مسألة جغرافية فحسب، بل أداة هندسية – سياسية لتكريس ميزان قوى جديد في شرق المتوسط، حيث تتحوّل الطاقة إلى سلاح نفوذ يعيد رسم خرائط المنطقة وحدودها المستقبلية.



