أخباركم – أخبارنا
تقرير فلسطين السياسي
بعد مرور أكثر من شهر على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف إطلاق النار في غزة، ما زال الاتفاق المكوَّن من عشرين نقطة عالقاً بين الوعود والتنفيذ. فالعنصر الأهم في الخطة – نشر قوة دولية متعددة الجنسيات لتحقيق الاستقرار في القطاع المُدمّر – لم يجد طريقه إلى الواقع بعد، وسط خلافات عميقة حول التفويض، والقيادة، والدور الميداني لكل طرف. فبينما تسعى واشنطن لحشد دول عربية وإسلامية للمشاركة، تتردّد العواصم في إرسال جنود إلى ساحةٍ مثقلة بالمخاطر، حيث لم تُنزع أسلحة الفصائل، ولم تتوقف الانتهاكات الإسرائيلية بالكامل.
إسرائيل من جهتها تضع شروطها الصارمة، رافضة أي وجود عسكري تركي داخل غزة، فيما تحذر مصر من أن استمرار خروقات الاحتلال قد ينسف الهدنة برمّتها. أما الأردن فيرفض إرسال قوات، مميّزاً بين “حفظ السلام” المقبول و”فرضه” بالقوة المرفوض. وبين هذه المواقف المتباينة، تواصل الإدارة الأميركية اتصالاتها لصياغة تفويض دولي يمنح القوة المرتقبة شرعية العمل، وسط حديث عن اجتماع عربي – إسلامي وشيك لمناقشة ترتيبات “اليوم التالي” للحرب.
وفي خلفية هذا الحراك، تتفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع، إذ لا يتجاوز معدل دخول الشاحنات 24% من الكميات المتفق عليها، فيما يُحمّل الجانب الفلسطيني إسرائيل مسؤولية خنق الإمدادات وعرقلة إعادة الإعمار. وبين المساعي الدبلوماسية المتعثّرة، والاتهامات المتبادلة بين واشنطن وحماس بشأن نهب المساعدات، تبقى غزة معلّقة بين هدنة هشة وسلامٍ مؤجل، ينتظر قوةً لم تتشكل بعد.
إذا وبعد أكثر من شهر على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف إطلاق النار في غزة، ما زال العنصر الأهم في خطته – نشر قوة متعددة الجنسيات لتحقيق الاستقرار في القطاع – يراوح مكانه. فالخطة، المكونة من عشرين نقطة، دعت إلى إنشاء قوة دولية لتدريب الشرطة الفلسطينية وتأمين الحدود ومنع تهريب الأسلحة، لكن أي دولة لم تُعلن رسميًا مشاركتها حتى الآن.
ووفق مصادر دبلوماسية، فإن الخطة تواجه عراقيل حقيقية تتعلق بالتفويض، وسلسلة القيادة، وطبيعة المهام الميدانية، وسط تردد الدول المشاركة المحتملة في إرسال قوات إلى منطقة لم تُنزع فيها أسلحة الفصائل بعد، ولا تزال عرضة لغارات إسرائيلية.
مسؤول في الشرق الأوسط قال لشبكة CNN إن المفاوضات مع واشنطن لا تزال جارية حول حجم القوة، وعدد المشاركين، وآلية اتخاذ القرار، ومدة الانتشار. بعض الدول تشترط أن تكون القوة انتقالية ومحددة المدة، بحيث تُسلَّم إدارة القطاع لاحقًا إلى “سلطة فلسطينية متمكنة”، بينما أخرى تطالب بتفويض دولي من مجلس الأمن يمنح المهمة شرعية قانونية.
وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أشار إلى أن واشنطن تعمل على صياغة نص قانوني يتيح تشكيل القوة، موضحًا أن بعض الدول لا يمكنها المشاركة من دون تفويض رسمي.
لكنّ إسرائيل تعرقل مسار المشروع عبر اشتراطات صارمة، أبرزها رفضها القاطع لأي مشاركة تركية في القوة، معتبرة أن أنقرة “دولة معادية”. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أكد أن بلاده ستحدد بنفسها الدول “المقبولة” لدخول غزة، فيما قال مكتبه إن إسرائيل “ترحب بقوة أمن مسؤولة وقوية”، شرط أن تعمل بتنسيق كامل معها.
الموقف الأردني جاء أكثر وضوحًا؛ إذ أعلن الملك عبد الله الثاني أن بلاده لن ترسل قوات إلى غزة، مؤكدًا أن أي مهمة “لفرض السلام” بالقوة ستكون مرفوضة عربيًا.
أما مصر، فحذّرت واشنطن من أن استمرار الانتهاكات الإسرائيلية يهدد بانهيار وقف إطلاق النار، محمّلة نتنياهو مسؤولية تصعيد محتمل “لأسباب سياسية داخلية”.
في المقابل، تواصل تركيا الدفع باتجاه دور في ترتيبات “اليوم التالي”، إذ قال وزير خارجيتها هاكان فيدان إن المحادثات مستمرة لتشكيل “قوة عمل خاصة” لإحلال الاستقرار، معبّرًا عن قلق أنقرة من هشاشة الهدنة.
ورغم التحركات الأميركية، نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مصادر إسرائيلية أن واشنطن تواجه صعوبة بالغة في تجنيد دول للمشاركة في القوة، بسبب الخوف من مواجهة عسكرية مع حماس.
وفيما تتحدث إسرائيل عن التزامها بالخطة، كشفت الصحيفة نفسها أن وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر سيزور واشنطن قريبًا لمناقشة تفاصيل نشر القوة، واحتمال صياغة قرار يُرفع إلى مجلس الأمن، رغم رفض تل أبيب ربط القوة بقرار دولي رسمي.
الولايات المتحدة بدورها صعّدت لهجتها تجاه حماس، إذ اتهمها وزير الخارجية ماركو روبيو بـ”الاستيلاء على المساعدات الإنسانية” وحرمان المدنيين منها، زاعمًا أن الحركة “تنهب الإمدادات” وتُعرقل تنفيذ خطة ترامب.
وقال روبيو في بيان رسمي إن لقطات جوية أظهرت عناصر من حماس يسيطرون على شاحنة مساعدات شمال غزة، داعيًا الحركة إلى “إلقاء السلاح ووقف النهب لبناء مستقبل أفضل لغزة”.
ولم ترد حماس رسميًا على الاتهامات، لكن مصادر فلسطينية غير رسمية وصفت اللقطات بأنها “مُفبركة أو مُسيّسة”، مؤكدة أن دخول المساعدات يتم تحت رقابة الأمم المتحدة.
ويرى مراقبون أن واشنطن تحاول عبر هذه الاتهامات تبرير تأخر تنفيذ الخطة، وتحميل حماس مسؤولية العرقلة، في حين تتهم الأخيرة إسرائيل باستمرار الحصار ومنع تدفق المواد الأساسية.
هيئة البث الإسرائيلية “كان” أكدت أن إسرائيل فرضت “فيتو قاطعًا” على أي مشاركة عسكرية تركية في غزة، رغم إصرار ترامب على منح أنقرة دورًا ضمن ترتيبات اليوم التالي للحرب. وبحسب الهيئة، تبحث واشنطن خيارين بديلين: نشر قوة تركية غير مسلحة، أو حصر مشاركة أنقرة في إعادة الإعمار دون أي دور أمني.
موقع أكسيوس الأميركي بدوره كشف أن القيادة المركزية الأميركية “سنتكوم” تضع خطة ميدانية تشمل وحدات شرطة فلسطينية محلية تعمل إلى جانب القوة الدولية، في محاولة لتجاوز الانقسامات حول هوية المشاركين ومهامهم.
في الجانب الإنساني، كشف المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن 3,203 شاحنات فقط دخلت القطاع بين 10 و31 تشرين الأول/أكتوبر، بمتوسط يومي 145 شاحنة، أي نحو 24% من الكميات المتفق عليها ضمن الهدنة.
وأوضح البيان أن من بين الشاحنات 639 تجارية و2,564 مساعدات، بينها 84 سولار و31 غاز طهي. أما الوقود، فبلغت نسبة توريده 10% فقط من الكمية المفترض إدخالها، ما أدى إلى نقص حاد في الطاقة وتعطّل المخابز والمستشفيات والمرافق الأساسية.
وحمل المكتب الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن استمرار الأزمة الإنسانية، واصفًا إجراءات التفتيش والتأخير بأنها “تعسفية ومقصودة”. كما دعا الرئيس الأميركي والدول الضامنة للاتفاق إلى “التحرك العاجل لإلزام إسرائيل بتنفيذ بنود وقف إطلاق النار، خصوصًا في ما يتعلق بإدخال المساعدات دون قيود”.
وفي ظل الجمود الدولي، دعت دول عربية وإسلامية إلى اجتماع وزاري طارئ الأسبوع المقبل لمناقشة مستقبل وقف إطلاق النار في غزة، بمشاركة وزراء خارجية التقوا ترامب في نيويورك خلال أيلول/سبتمبر الماضي.
الاجتماع، بحسب رويترز، يهدف إلى بلورة موقف جماعي من الخطة الأميركية، والتشاور حول الترتيبات الأمنية والإدارية لما بعد الحرب، في وقت يصرّ فيه نتنياهو على أن “أمام إسرائيل مزيدًا من العمل في غزة”، مهددًا بتجدد القتال إذا لم يتم نزع سلاح حماس بالكامل.
ورغم الهدنة المعلنة، لا تزال التوترات قائمة في الميدان، إذ قُتل جندي إسرائيلي في رفح بنيران مضادة للدبابات، في حادث وصفته تل أبيب بـ”الانتهاك الأخطر” منذ بدء وقف إطلاق النار.
وبينما تحاول واشنطن تثبيت الاتفاق، تُظهر الوقائع أن خطة ترامب تواجه مأزقًا متصاعدًا: فالدول ترفض إرسال قوات إلى بيئة ملتهبة بلا تفويض دولي واضح، وإسرائيل تفرض قيودها السياسية، والاحتلال يواصل الحصار والانتهاكات، فيما ينهك الحصار سكان القطاع الذين ينتظرون بادرة إنفراج حقيقية.
وفي ظل هذا المشهد الملبّد، تبقى غزة عالقة بين وعود السلام وخطر الانفجار، فيما تُختبر جدّية المجتمع الدولي في تحويل الهدنة من هدنةٍ هشّة إلى سلامٍ قابل للحياة.



