أخباركم – أخبارنا
تقرير سوريا
مع اقتراب اللقاء المرتقب بين الرئيس السوري أحمد الشرع ونظيره الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض، تتزامن خطوات أوروبية لإعادة العلاقات مع دمشق، أبرزها الدعوة الألمانية الرسمية للرئيس الشرع إلى زيارة برلين. وبينما تتحرك واشنطن لطيّ صفحة “قانون قيصر”، وتشهد البلاد تصعيداً أمنياً في دير الزور والجنوب، إلى جانب تحركات إنسانية وأممية لكشف مصير المفقودين وتحسين الواقع المعيشي والصحي، ما يعكس ملامح مرحلة جديدة عنوانها “عودة سوريا إلى المشهد الدولي“.
واشنطن تمهد للقاء الشرع ـ ترامب: نحو إلغاء “قانون قيصر“
كشفت صحيفة وول ستريت جورنال أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تتجه لإلغاء “قانون قيصر” قبل اللقاء المرتقب مع الرئيس السوري أحمد الشرع يوم الإثنين المقبل في البيت الأبيض، تمهيداً لفتح الباب أمام إعادة ربط الاقتصاد السوري بالنظام المالي العالمي وتسريع مشاريع إعادة الإعمار.
وذكرت الصحيفة أن مجلس الشيوخ الأميركي أقر تعديلاً ضمن قانون تفويض الدفاع يقضي بإلغاء العقوبات، فيما يناقش مجلس النواب الصيغة النهائية وسط تحفظات محدودة. ونقلت عن مسؤول في الإدارة الأميركية قوله إن “الإلغاء ضروري لتمكين الشركات الأميركية والدول الإقليمية من الاستثمار في سوريا”، في حين أوضح آخرون أن التعليق المؤقت للعقوبات لم يعد كافياً لجذب المستثمرين.
وبحسب الصحيفة، يتضمن القرار الجديد إلزام الإدارة الأميركية بتقديم تقارير دورية حول مدى التزام الحكومة السورية بحقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب وتحسين العلاقات مع إسرائيل، مع احتفاظ الكونغرس بحق إعادة فرض العقوبات إذا فشلت دمشق في الالتزامات المحددة.
وأشار التقرير إلى أن الشرع، الذي تحول من قائد ميداني سابق إلى رئيس منتخب، يستعد لزيارة واشنطن في سابقة تاريخية هي الأولى منذ عقود، بعد لقاءات جمعته بترامب في الرياض ونيويورك.
وقالت السيناتور جين شاهين إن “إلغاء قانون قيصر خطوة شجاعة لإعطاء الشعب السوري فرصة للتعافي”، بينما اعتبرت الباحثة ناتاشا هول أن “الاستثمار في سوريا لن يكون سريع العائد لكنه ضروري لوقف الانهيار الإنساني“.
دعوة ألمانية رسمية إلى برلين: بداية انفتاح أوروبي
في خطوة موازية للتحرك الأميركي، وجّه المستشار الألماني فريدريش ميرتس دعوة رسمية إلى الرئيس السوري لزيارة برلين مطلع العام المقبل، لبحث ملف اللاجئين السوريين والتعاون الأمني والاقتصادي.
وأكد ميرتس أن برلين ترى في استقرار سوريا شرطاً أساسياً لإنهاء أزمة اللجوء في أوروبا، وأن الوقت حان “لفتح قنوات مباشرة مع دمشق الجديدة”. وأفادت مصادر دبلوماسية ألمانية بأن الزيارة ستسبقها زيارة لوزير الخارجية أسعد الشيباني تمهيداً لتأسيس مجلس أعمال سوري-ألماني مشترك.
وتأتي هذه الدعوة في سياق تحسن تدريجي في العلاقات السورية الأوروبية، بعد تبادل وفود بين دمشق وباريس، وتزايد الأصوات داخل الاتحاد الأوروبي المطالبة بتطبيع تدريجي مع سوريا لدعم الاستقرار الإقليمي ومكافحة الهجرة غير الشرعية.
علبي: سوريا استعادت حضورها وتتمسك بالجولان
في نيويورك، أكد مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، إبراهيم علبي، أن بلاده استعادت موقعها الدولي وأصبحت “دولة تصوغ قراراتها بحرية كاملة”، مشيراً إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أقرّت قراراً سورياً-قطرياً حول التنمية والاستقرار بأغلبية 150 دولة.
وأوضح علبي أن دمشق تتعامل بشفافية مع ملف الأسلحة الكيميائية، وقدمت للمنظمة الدولية جميع الوثائق المطلوبة، مشدداً على أن “الإرهابيين هم من نفذوا الهجمات الكيميائية لا الدولة السورية“.
وفيما يتعلق بالجنوب السوري، أكد المندوب السوري أن الحكومة ملتزمة بتسوية الأوضاع في السويداء ودرعا بما يصون كرامة الأهالي، لافتاً إلى أن اللجنة الدولية لتقصي الحقائق بدأت فعلاً عملها في السويداء لتوثيق الانتهاكات، بدعم من مجلس الأمن.
أما عن الجولان المحتل، فأكد علبي أن دمشق متمسكة بكل أراضيها ولن تقبل بأي تسوية تنتقص من السيادة السورية، داعياً إلى العودة لاتفاقية 1974 كأساس لأي حوار أمني مع إسرائيل.
تصعيد ميداني في الجنوب وحملة أمنية في الساحل
تواصل إسرائيل عملياتها في الجنوب السوري، إذ توغلت قواتها في ريف القنيطرة الشمالي صباح الأربعاء، مستخدمة دبابات وآليات عسكرية لتفتيش المارة وإغلاق الطرق المؤدية إلى الكسارات في جباتا الخشب.
وكان المرصد السوري قد أشار في وقت سابق أمس الثلاثاء، إلى أن قوة إسرائيلية أفرجت عن شابين من أبناء قرية معرية في منطقة حوض اليرموك بريف درعا الغربي، بعد نحو عشر ساعات من احتجازهما.
اعتقالات في جبلة
شنّت الأجهزة الأمنية حملة اعتقالات واسعة في جبلة وريف اللاذقية استهدفت ضباطاً وصف ضباط سابقين ممن أجروا تسويات. واستخدمت القوات طائرات استطلاع لمراقبة المناطق قبل المداهمة، واعتقلت سبعة أشخاص على الأقل وسط إطلاق نار عشوائي أثار ذعراً بين السكان.
وذكرت مصادر حقوقية أن الحملة جاءت بعد مظاهرة طائفية شهدتها المدينة، ما زاد من التوترات داخل المجتمع المحلي. وتعيش مناطق الساحل حالة من الاحتقان الشعبي بسبب تصاعد الاعتقالات والانتهاكات ذات الطابع الانتقامي والطائفي.
دير الزور: تصاعد هجمات “داعش” واستنفار لقسد
في الشرق السوري، تجددت هجمات تنظيم الدولة على مواقع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، حيث استهدفت خلايا التنظيم نقطة عسكرية في بلدة ذيبان بقذيفة RPG، ما أدى إلى اشتباكات محدودة دون خسائر معلنة.
وأفاد المرصد السوري بأن التنظيم نفذ 210 عملية منذ مطلع 2025 في مناطق الإدارة الذاتية، معظمها في دير الزور، أسفرت عن مقتل قرابة 100 شخص بينهم عناصر من “قسد” ومدنيون.
وتشير التقديرات إلى أن التنظيم يعيد تنظيم صفوفه في مناطق البادية وعلى ضفتي الفرات، مستفيداً من تراجع التنسيق الأمني بين قسد والنظام، فيما تواصل القوات الأميركية تنفيذ طلعات استطلاعية من قاعدة العمر.
السويداء: إنشاء صندوق دعم وتنمية
أعلنت اللجنة القانونية العليا في السويداء عن تأسيس صندوق الدعم والتنمية (القرار رقم 19)، كآلية تمويل محلية لتحسين الخدمات ومساندة أسر الشهداء والمخطوفين، وتمويل المشاريع الصغيرة لخلق فرص عمل جديدة.
ويتمتع الصندوق باستقلال مالي وإداري، وتخضع موارده للرقابة من اللجنة الاقتصادية في المحافظة التي ستعد خطة سنوية تحدد أولويات الإنفاق، في خطوة وُصفت بأنها محلية بامتياز تعكس توجهاً نحو الإدارة الذاتية التنموية ضمن إطار الدولة.
حكم بالإعدام في جريمة تهز دير الزور
في تطور قضائي بارز، أصدر قصر العدل في دير الزور حكماً بالإعدام شنقاً بحق مغتصب وقاتل الطفلة إسراء الكرطة في بلدة محكان، بعد جريمة وحشية هزت الرأي العام في آب الماضي.
ورغم الترحيب الشعبي بالحكم، أثار القرار جدلاً حقوقياً حول عقوبة الإعدام ومدى توافقها مع المواثيق الدولية، إذ اعتبرت منظمات حقوقية أن العدالة يجب أن تتحقق بمحاكمات عادلة لا عبر الإعدام، بينما دافع مؤيدو الحكم عنه باعتباره “رسالة رادعة في مجتمع ما بعد الحرب“.
الأمم المتحدة تحقق في ملف المفقودين
قالت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة كارلا كوينتانا، رئيسة الهيئة المستقلة للتحقيق في قضايا المفقودين في سوريا (IIMP)، إن لدى الهيئة “معلومات موثوقة” تشير إلى أن بعض الأطفال المفقودين ما زالوا أحياء.
وأضافت أن سقوط النظام السابق أتاح للهيئة العمل داخل سوريا للمرة الأولى منذ أكثر من عقد، مشيرة إلى أن التحقيقات تشمل مئات آلاف المفقودين على أيدي النظام السابق، والتنظيمات المسلحة، وشبكات التهريب.
وأكدت كوينتانا أن الهيئة تعمل بالتنسيق مع اللجنة الوطنية السورية ومنظمات المجتمع المدني لإطلاق مشاريع بحث ميدانية عن المقابر الجماعية، إلى جانب إنشاء قاعدة بيانات موحدة بالتعاون مع الهلال الأحمر السوري.
أزمة القطاع الصحي: تحذيرات من انهيار وشيك
حذّرت منظمة الصحة العالمية من فجوة تمويل خطيرة تهدد النظام الصحي في سوريا، مع توقف الدعم الدولي لمئات المرافق. وأوضحت المسؤولة الأممية كريستينا بيثكي أن 417 مرفقاً صحياً تأثر بخفض التمويل، فيما أغلقت 366 منشأة أبوابها أو قلّصت خدماتها.
وقالت بيثكي إن أكثر من 7.4 ملايين شخص تضرروا من ضعف الخدمات الطبية، وإن المستشفيات الكبرى في الحسكة ودير الزور مهددة بالتوقف الكامل نهاية العام. وأكدت أن أقل من 60% من المستشفيات تعمل بكامل طاقتها، فيما يعاني القطاع من نقص حاد في الأدوية والمولدات والكوادر.
دمشق تنظم أوقات العمل في العاصمة
أصدرت محافظة دمشق قراراً جديداً لتنظيم أوقات عمل الأنشطة التجارية والخدمية، حددت فيه دوام المحال والأسواق من الثامنة صباحاً حتى العاشرة ليلاً، مع استثناءات لمحال المواد الغذائية والمطاعم والمقاهي وصالات الأفراح.
ويهدف القرار إلى تحقيق توازن بين النشاط الاقتصادي وراحة السكان في ظل تحسن نسبي في الوضع الأمني وعودة الحركة التجارية تدريجياً إلى الأسواق.
التعليم العالي: عودة الأكاديميين المفصولين
وفي خطوة تعكس توجهاً تصالحياً، أصدرت جامعة حمص قراراً يقضي بعودة أعضاء الهيئة التدريسية المفصولين لأسباب سياسية إلى العمل عبر عقود خبرة مؤقتة، تمهيداً لتسوية أوضاعهم النهائية.
وأوضح مدير الإعلام الحكومي في حمص أن القرار يشمل جميع المفصولين دون استثناء، في إطار سياسة تهدف إلى استعادة الكفاءات العلمية والخبرات الأكاديمية التي غادرت البلاد خلال السنوات الماضية.
تتداخل في المشهد السوري الراهن إشارات الانفراج الدبلوماسي مع تعقيدات الداخل الأمني والإنساني. فبينما تمهد واشنطن وبرلين لفتح صفحة جديدة مع دمشق، تتواصل المعارك المتقطعة شرقاً وجنوباً، وتُستأنف الجهود الأممية للعدالة وكشف مصير المفقودين. وبين هذا وذاك، تبدو سوريا على أعتاب تحول جذري من مرحلة الحصار والعقوبات إلى مرحلة التفاوض والانفتاح وإعادة البناء، في مشهد يعيد رسم موقعها في النظام الإقليمي والدولي.
