أخباركم – اخبارنا
تقرير لبنان السياسي

على وقع التصعيد الميداني في الجنوب والاشتباك السياسي في الداخل، يستعد مجلس الوزراء للانعقاد غدا الخميس في جلسة على جدول أعمالها بندان ثقيلان: عرض قيادة الجيش للتقرير الشهري حول خطة حصر السلاح في المناطق اللبنانية كافة تنفيذًا لقرار مجلس الوزراء رقم 5 الصادر في 5 أيلول الماضي، واستكمال البحث في قانون الانتخاب، استنادًا إلى القرار رقم 1 تاريخ 29 تشرين الأول، المتعلق بتعديلات اللجنة الوزارية المكلفة مراجعة قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب.

جلسة الخميس تأتي وسط ضغوط متزايدة على الدولة اللبنانية لترجمة وعودها بحصر السلاح بيد الجيش، في ظل استمرار الخروقات الإسرائيلية جنوبًا واستمرار تجاهل “حزب الله” للقرارات الرسمية. وبينما يرفع رئيس الجمهورية جوزاف عون شعار “التفاوض خيار وطني لإنهاء الاحتلال”، ويؤكد مضي الجيش في خطته الأمنية رغم العراقيل، تتجه الأنظار إلى مدى قدرة الحكومة على التوفيق بين المسار الأمني السيادي ومسار الإصلاح السياسي الذي يتصدّره ملف الانتخابات.

أما الملف الانتخابي، فينذر بانقسام حاد داخل مجلس الوزراء، بين من يصرّ على تثبيت اقتراع المغتربين لكامل النواب الـ128، ومن يدفع نحو إلغائه بحجة الخلل التمثيلي. ويُرتقب أن يشهد الخميس مواجهة سياسية صريحة بين القوى المشاركة، خصوصاً مع تمسك بعض الوزراء بإرسال مشروع القانون الجديد إلى مجلس النواب من دون تأجيل. هكذا، يدخل لبنان أسبوعاً سياسياً ساخناً بين حصر السلاح وحصر الخلافات، في اختبار جديد لقدرة السلطة على الإمساك بما تبقّى من خيوط الدولة.

اذا، تتركز الحركة السياسية في لبنان هذا الأسبوع حول محورين أساسيين: ملف التفاوض مع إسرائيل الذي يدفع به رئيس الجمهورية جوزاف عون بقوة، وقانون الانتخاب الذي يشعل مواجهة جديدة بين القوى السياسية عشية جلسة مجلس الوزراء غدا الخميس.

ففي الملف الجنوبي، ووسط استمرار الغارات الإسرائيلية والتهديدات المتصاعدة، جدد الرئيس عون خلال استقباله وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط هاميش فولكنر والسفير هاميش كاول، تأكيده أن خيار التفاوض لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي هو “خيار وطني جامع”، مشيرًا إلى أن الجيش اللبناني ينفذ خطة حصرية السلاح ويرفع تقارير دورية إلى مجلس الوزراء، لكن استمرار الاحتلال يعرقل المرحلة الأولى من التنفيذ. وأوضح أن الجيش بدأ أيضًا بجمع السلاح من بعض المخيمات الفلسطينية، داعيًا المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي المحتلة تمهيدًا لإعادة إعمار القرى المدمرة.

أما رئيس مجلس النواب نبيه بري، فكشف أن آلية التفاوض (الميكانيزم) يجب أن تستأنف اجتماعاتها الدورية، مع إمكانية الاستعانة بخبراء مدنيين أو عسكريين “كما حصل في ترسيم الحدود البحرية”. وأوضح أن الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس ناقشت خلال زيارتها الأخيرة مزاعم إسرائيل بشأن تهريب السلاح من سوريا، مؤكدًا أن هذا الادعاء “كذب مكشوف تعرف واشنطن عدم صحته”. وأعلن بري أن المعركة الأساسية اليوم هي معركة الصمود في الأرض، مشيرًا إلى أن لقاء المصيلح التنسيقي هو بداية إعداد خطة لإعادة الإعمار.

وفي السياق نفسه، شدد وزير الخارجية يوسف رجّي خلال لقائه الوزير فولكنر على أن الحل في الجنوب سياسي لا عسكري، داعيًا إلى تحييد لبنان عن سياسة المحاور، وحصر السلاح بيد الدولة تنفيذًا لاتفاق الطائف. كما طالب إسرائيل بالالتزام بوقف الأعمال العدائية والانسحاب من الأراضي المحتلة، مؤكدًا أن الحكومة ماضية في الإصلاحات السياسية والاقتصادية.

الوزير البريطاني من جهته أكد رفض بلاده للاعتداءات الإسرائيلية، واصفًا المرحلة الحالية بـ”الدقيقة حتى نهاية العام”، لكنه أشار إلى “فرصة حقيقية أمام لبنان للانتقال إلى الاستقرار”، مشيدًا بعمل الجيش اللبناني في بسط سيادة الدولة.
وخلال زيارته الرسمية الأولى إلى لبنان (3 و4 تشرين الثاني)، دشّن فولكنر قاعدة جديدة للجيش في الجنوب بتمويل بريطاني، واطلع على مشاريع إنسانية في تبنين وصديقين بتمويل بريطاني، ضمن حزمة مساعدات تبلغ 33.5 مليون جنيه إسترليني.

سياسيًا، تتجه الأنظار إلى الجلسة الحكومية المنتظرة الخميس، حيث تستعد اللجنة الوزارية المكلفة بقانون الانتخاب لتقديم تقريرها. وتشير المعلومات إلى أنها دمجت مشروعي وزارتي الخارجية والداخلية اللذين يقضيان بتمديد مهلة التسجيل وإلغاء البطاقة الممغنطة واستبدالها بـ“QR code”. وأبلغ وزير العمل محمد حيدر أعضاء اللجنة أن وزراء حزب الله سيقترحون إلغاء اقتراع المغتربين بالكامل، فيما طرح وزير العدل بول مرقص تعليق العمل بالمادة 16 كما في انتخابات 2022. في المقابل، تصر القوات اللبنانية على حسم الملف في جلسة الخميس وإرسال مشروع القانون فورًا إلى البرلمان.

رئيس المجلس نبيه بري علّق بالقول إن “القانون النافذ يجب أن يُطبّق كما هو”، مشيرًا إلى أن أي محاولة لتعديله ستؤدي إلى “معركة سياسية”.
وفي الموقف المسيحي، أكد البطريرك مار بشارة بطرس الراعي بعد استقباله وزير الداخلية أحمد الحجار، تمسكه بحق المغتربين في الانتخاب “كما حصل في العامين 2018 و2022”، مشددًا على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها.

وفي المقابل، شنّ رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل حملة ضد ما وصفه بـ“مخطط ممنهج لتطيير حق المنتشرين بالاقتراع من الخارج”، معتبرًا أن هذا الحق “إنجاز وطني واستراتيجي”. واتهم بعض الكتل “بالتواطؤ” لإلغاء نواب الانتشار الستة “طمعًا بمقاعد إضافية في الداخل”، معتبرًا أن أي تسوية بهذا الاتجاه ستكون “جريمة بحق الانتشار والمسيحيين”.

ماليًا، أعلن حاكم مصرف لبنان كريم سعيد أن المصرف، بالتنسيق مع وزارتي المالية والعدل، سيطلق مناقصة لإجراء تدقيق مالي وجنائي خارجي يشمل برنامج الدعم الحكومي للسلع بين 2019 و2023، لتحديد أي مخالفات أو عمليات إساءة استخدام للأموال العامة. وأوضح أن الإجراء يأتي “استنادًا إلى القانون 244/2021”، بهدف تعزيز الشفافية واستعادة الثقة بالنظام المصرفي.

قضائيًا، أُرجئت جلسة استجواب القاضي طارق البيطار أمام قاضي التحقيق حبيب رزق الله إلى الخميس المقبل، بعد جلسة لم تتجاوز 13 دقيقة بسبب أسباب شكلية تتعلق بالتبليغ. الجلسة كانت مخصصة للنظر في الدعوى المقدمة ضده من النيابة العامة التمييزية بجرم “انتحال صفة محقق عدلي واغتصاب السلطة”، بمشاركة وكلاء النائب علي حسن خليل والمدير العام للجمارك بدري ضاهر.

بهذا، يدخل لبنان أسبوعًا حافلًا بالملفات الساخنة: جلسة حكومية دقيقة، واشتباك سياسي انتخابي، وضغوط مالية وقضائية، فيما الجنوب يبقى مسرحًا مفتوحًا للرسائل المتبادلة بين الدبلوماسية والتهديد، في انتظار ما ستحمله الأسابيع الأخيرة من العام من فرص أو انفجارات سياسية جديدة.