أخباركم – أخبارنا
تقرير فلسطين السياسي
وسط محاولاتٍ حثيثة لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة لا تزال الخروقات الإسرائيلية متواصلةً، والجهود السياسية غارقةً في تفاصيل الميدان ومآلات ما بعد الحرب.
في هذا الوقت، تتقاطع جهود الوساطة الرامية لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار مع تصعيدٍ إسرائيليٍ مستمرٍّ في الميدان، ومواقف داخلية متباينة حول مستقبل القطاع وترتيبات إدارته. فبينما تؤكد مصادر فلسطينية أن وسطاء الاتفاق يجرون مفاوضاتٍ غير مباشرة لضمان انسحاب آمن لعناصر المقاومة العالقين خلف “الخط الأصفر”، ترفض الفصائل الشروط الإسرائيلية التي تطالب بتسليم الأسلحة قبل الخروج، معتبرةً ذلك تهديدًا مباشرًا لحياة المقاتلين.
في المقابل، يواصل الاحتلال تهديداته بضخّ الإسمنت في أنفاق رفح، في خطوةٍ تصعيديةٍ تحمل رسائل سياسية أكثر من كونها ميدانية، وفق ما تؤكد المصادر، بينما تنفي حماس وجود أي صفقةٍ لإخراج مقاتليها مقابل تسليم جثث جنود إسرائيليين.
سياسيًا، برز موقف القيادي في حماس موسى أبو مرزوق الذي أعلن موافقة الحركة على إدارة القطاع من قِبل وزيرٍ تابعٍ للسلطة الفلسطينية، في إطار توافقٍ وطنيٍّ يرمي لإنهاء الانقسام. في المقابل، شدّد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى على أن أي ترتيباتٍ انتقالية يجب أن تفضي إلى تمكين دولة فلسطين ومؤسساتها في غزة.
وفي ظلّ هذه التطورات، يتفاقم المشهد الإنساني؛ إذ تحذّر المنظمات الدولية من استمرار النقص الحاد في المساعدات الغذائية والطبية، مع اقتراب الشتاء وتمزّق الخيام، في وقتٍ لا تغطي فيه المساعدات سوى 30% من احتياجات القطاع. هكذا، تظلّ غزة عالقة بين مفاوضاتٍ هشة وواقعٍ إنسانيٍّ قاسٍ، فيما يبقى الأمل معلقًا على اتفاقٍ يوقف نزيف الحرب فعلاً لا قولًا.
اذا، تتواصل التحركات السياسية والإنسانية المتعلقة بقطاع غزة وسط تعقيدات ميدانية متزايدة، في وقتٍ تسعى فيه الوساطات الإقليمية والدولية لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في العاشر من تشرين الأول الماضي. وأكدت مصادر مطلعة لـ”الترا فلسطين” أن وسطاء الاتفاق يجرون منذ يومين مفاوضات غير مباشرة بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي، تهدف إلى تأمين انسحاب عدد من المقاتلين التابعين للحركة والمتواجدين خلف “الخط الأصفر” في مناطق مختلفة من قطاع غزة، وهو الفاصل المؤقت الذي تم التوافق عليه ضمن الاتفاق لتحديد منطقة انسحاب جيش الاحتلال داخل القطاع.
المصادر أوضحت أن الجهود تبذل لضمان خروج هؤلاء المقاتلين برعاية اللجنة الدولية للصليب الأحمر دون المساس بهم، مشيرةً إلى أن عددهم يزيد على مئتي مقاتل، موزعين على مناطق متعددة وليس فقط داخل رفح كما يروّج الاحتلال. وتضيف أن إسرائيل تشترط خروجهم بعد تسليم أسلحتهم، وهو ما ترفضه الفصائل لأنه يشكل خطراً مباشراً على حياتهم. وأكدت أن الاحتلال لا يمتلك معلومات دقيقة حول مواقع المقاتلين نتيجة انقطاع الاتصالات بين الوحدات الميدانية وقياداتها منذ تجدد العدوان.
في الوقت ذاته، تواصل إسرائيل ترويج مزاعمها حول محاصرة مئات المقاتلين داخل أنفاق في رفح، فيما نشرت صحيفة “معاريف” أن الجيش بدأ ضخ الإسمنت داخل أحد الأنفاق. لكن مصادر فلسطينية نفت هذه الادعاءات، مؤكدة أن الأنفاق شبكة متشعبة يصعب على الاحتلال تحديد مداخلها أو السيطرة عليها، وأن تهديدات ضخ الإسمنت أو المياه ليست جديدة، وقد فشلت محاولات إسرائيل السابقة في إغراقها أو تدميرها بسبب تعدد الفتحات والممرات. وتصف المصادر تلك التهديدات بأنها حرب إعلامية تهدف للضغط السياسي وإظهار إنجازات وهمية في ظل إخفاق ميداني واضح.
وتأتي هذه التطورات بينما تتهم إسرائيل حركة حماس بالمسؤولية عن عمليتي إطلاق نار أسفرتا عن مقتل جنديين في رفح أواخر الشهر الماضي. في المقابل، نفت حماس أي علاقة لها بالعمليتين مؤكدة أن الاتصال منقطع مع عدد من خلاياها الميدانية منذ أشهر، نتيجة الضربات الإسرائيلية المتكررة. رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير أعلن استعداد جيشه لمناقشة خروج مقاتلي حماس من رفح في حال الإفراج عن جثة الجندي القتيل هدار غولدن، في حين رفض وزير المالية بتسلئيل سموتريتش أي حديث عن السماح بخروج “إرهابيين” قبل استعادة جثث الأسرى.
وفي خضم الجدل السياسي داخل إسرائيل، كشفت وسائل إعلام عبرية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بحث صفقة تسمح بمرور عناصر من القسام من خلف الخط الأصفر، لكنه تراجع تحت ضغط اليمين المتطرف داخل الائتلاف الحكومي، ونفى مكتبه لاحقاً وجود أي نية للسماح بخروج المقاتلين أو التفاوض مع حماس بشأن ذلك.
من جانبها، أعلنت حركة حماس على لسان القيادي موسى أبو مرزوق موافقتها على أن يتولى وزير تابع للسلطة الفلسطينية إدارة قطاع غزة “إعلاءً لمصلحة الشعب”، مؤكداً وجود توافق فلسطيني على تشكيل لجنة لإدارة القطاع وتوحيد الجهود الأمنية تحت قيادتها. وأوضح أبو مرزوق أن المشروع الأميركي لإنشاء قوة دولية في غزة يواجه عقبات سياسية، وأن إسرائيل والولايات المتحدة ترفضان أن تكون القوة بقرار من مجلس الأمن، مشدداً على أن الحركة لن تقبل بوجود قوة عسكرية بديلة لجيش الاحتلال داخل القطاع.
وأضاف أبو مرزوق أن حماس رصدت أكثر من 190 خرقاً إسرائيلياً لاتفاق وقف إطلاق النار منذ 11 تشرين الأول، مشيراً إلى أن المرحلة الثانية من الاتفاق، التي يفترض أن تبحث وضع السلاح في غزة، لم تبدأ بعد، وأن الاحتلال يسعى لفرض واقع جديد بينما لا تزال المقاومة صامدة رغم حرب الإبادة المستمرة منذ عامين.
وفي رام الله، بحث رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى مع وزير خارجية سنغافورة فيفيان بالاكريشنان التطورات الميدانية في غزة والضفة الغربية، مؤكداً أن أي ترتيبات انتقالية في القطاع يجب أن تتوافق مع إعلان نيويورك، وتؤدي إلى تمكين مؤسسات دولة فلسطين وتوحيد الضفة والقطاع تحت إدارة رسمية واحدة. مصطفى شدد على ضرورة وقف الإجراءات الإسرائيلية التي تعيق عمل الحكومة الفلسطينية، من مصادرة الأراضي إلى احتجاز أموال الضرائب، مثمناً دعم سنغافورة الدائم لفلسطين وتعاونها في مجالات التنمية وبناء القدرات.
في المقابل، أكد الوزير السنغافوري دعم بلاده لجهود وقف النار وإدخال المساعدات الإنسانية، ودعم حل الدولتين، مشيراً إلى استعداد سنغافورة لتوسيع مساعداتها التقنية والإنسانية للفلسطينيين.
وفي إسرائيل، أعلن وزير الأمن يسرائيل كاتس تعيين المحامي إيتاي أوفير مدعياً عاماً عسكرياً جديداً خلفاً ليفعات تومر يروشالمي التي استقالت بعد تسريب شريط يوثّق تعذيب جنود لمعتقل فلسطيني في قاعدة “سديه تيمان”. وأكد كاتس أن التعيين جاء في مرحلة حساسة لتطهير جهاز النيابة العسكرية مما وصفه بـ”الشبهات الداخلية” وإعادة ترميم الثقة في المؤسسة العسكرية، في ظل الانتقادات الدولية المتزايدة لسلوك الجيش الإسرائيلي في غزة.
في المقابل، تستمر الأزمة الإنسانية في القطاع رغم مرور نحو شهر على وقف إطلاق النار. وأفادت وكالات إغاثة أن المساعدات التي تدخل غزة ما تزال قليلة جداً مقارنة بالحاجة الفعلية، فيما يتفاقم خطر الجوع مع اقتراب الشتاء. وبحسب برنامج الأغذية العالمي، فإن تنوع الأغذية لا يزال ناقصاً، ومعظم الأسر تقتات على الحبوب والبقول فقط، في ظل ندرة اللحوم والخضروات والفواكه. وأشار البرنامج إلى أن الأمم المتحدة لم تعد تنشر بانتظام أعداد الشاحنات الداخلة، بينما لا تزال نسب سوء التغذية بين الأطفال مرتفعة، مع أكثر من ألف طفل يعانون الحالات الأشد.
وأفاد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بأن نصف العائلات في غزة لاحظت تحسناً محدوداً في الحصول على الغذاء، خصوصاً في الجنوب، حيث ارتفع متوسط الوجبات اليومية إلى وجبتين بدل وجبة واحدة، غير أن الفجوة بين شمال القطاع وجنوبه ما زالت واسعة جداً.
وأكدت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي عبير عطيفة أن “الوضع سباق مع الزمن”، محذّرة من تفاقم معاناة السكان مع اقتراب الشتاء ونقص الوقود المستخدم في الطهي، ما يدفع أكثر من 60% من العائلات لاستخدام النفايات المحترقة للطهو، في ظل مخاطر صحية متزايدة.
وتحدث رئيس شبكة المنظمات الأهلية في غزة أمجد الشوا عن خطر الفيضانات والأمراض بسبب تراكم النفايات قرب المناطق السكنية، مشيراً إلى أن المساعدات التي وصلت لا تتجاوز 30% من الاحتياجات الفعلية. كما أكدت المتحدثة باسم المجلس النرويجي للاجئين شاينا لو أن نحو مليون ونصف المليون شخص يحتاجون إلى مأوى، فيما ما تزال كميات كبيرة من الخيام والمساعدات في انتظار الموافقات الإسرائيلية لدخول القطاع.



