أخباركم – أخبارنا

في مشهد سياسي استثنائي، يعيد رسم صورة القيادة في أكبر مدن الولايات المتحدة، فاز السياسي التقدمي زوهران كمال ممداني (Zohran Kwame Mamdani) بمنصب عمدة نيويورك في نوفمبر 2025، ليصبح أول مسلم وأفريقي الأصل يتولى هذا المنصب التاريخي. فوز ممداني لم يكن مجرد حدث انتخابي، بل تحوّل رمزي كبير في السياسة الأميركية المحلية، إذ جاء تتويجاً لمسيرة نضالية انطلقت من أحياء كوينز الشعبية، ووصلت إلى قاعة المدينة وسط وعودٍ بإعادة السلطة إلى الناس ومواجهة الطبقة الثرية التي احتكرت القرار لعقود.

وفي خطاب فوزه، وجّه ممداني رسائل سياسية نارية إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مؤكداً أن «المدينة التي أنشأته هي نفسها القادرة على هزيمته». كلماتٌ حوّلت لحظة النصر إلى إعلانٍ صريح عن معركة سياسية وأيديولوجية مقبلة بين نيويورك وترامب، بين «مدينة المهاجرين» و«رمز الأوليغارشية»، كما وصفها العمدة الجديد.

الخلفية الشخصية والعائلية:

وُلد زوهران ممداني عام 1991 في أوغندا لأبوين من أصول هندية. والده هو محمود ممداني، أحد أبرز المفكرين السياسيين في أفريقيا، ووالدته ميرا نايار مخرجة سينمائية عالمية معروفة بأفلامها التي تناولت قضايا الهوية والهجرة مثل Monsoon Wedding وMississippi Masala.
هاجرت العائلة إلى الولايات المتحدة وهو طفل صغير، واستقرت في كوينز – نيويورك، حيث كبر وسط عائلات مهاجرة وكادحة، ليصبح لاحقاً صوتها في الحياة العامة.
تخرّج في جامعة بومان (Bowdoin College) بولاية ماين، حاصلاً على درجة في العلوم السياسية والاقتصاد، ثم عمل في تنظيم الحملات المجتمعية دفاعاً عن المستأجرين وحقوق العمال والمهاجرين.

المسيرة السياسية:

بدأ ممداني نشاطه السياسي من العمل القاعدي في الأحياء الفقيرة، حيث أسّس مبادرات محلية لمكافحة ارتفاع الإيجارات والتمييز السكني. في عام 2020، فاز بعضوية مجلس نواب ولاية نيويورك عن دائرة أستوريا في كوينز، بدعم من حركة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا (DSA).
عرفه الناخبون بجرأته في مواجهة الشركات العقارية الكبرى ولوبيات المال، وبخطابه اليساري الذي دعا إلى إعادة توزيع الثروة وتقوية النقابات العمالية.
ومع مرور الوقت، تحوّل إلى أحد أبرز الوجوه التقدمية في الحزب الديمقراطي، إلى جانب شخصيات مثل ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز وبرني ساندرز.

في انتخابات بلدية نيويورك 2025، قاد حملة عنوانها “مدينة للجميع، لا للأثرياء فقط”، تعهّد فيها بـ:

• تجميد الإيجارات ومحاسبة ملاك العقارات الجشعين.
• فرض ضرائب على الوحدات السكنية الفارغة.
• تحسين النقل العام وجعله شبه مجاني.
• توسيع مظلة التعليم والرعاية الصحية العامة.
• حماية المهاجرين وتعزيز حقوق النقابات العمالية.

خلافه مع ترامب: مواجهة رمزية بين مدينتين

منذ لحظاته الأولى في المنصب، أعلن ممداني تحدّيه المباشر للرئيس دونالد ترامب، الذي يعتبره رمزاً للثراء غير المنضبط وللسياسات التي “خانَت الطبقة العاملة”، بحسب تعبيره.
في خطاب فوزه قال موجهاً كلامه لترامب:

«إذا تبنينا هذا المسار الجريء بدلاً من الهروب منه، فسنواجه الأوليغارشية والاستبداد بالقوة التي يخشونها، لا بالتودد الذي يرغبون به. فبعد كل شيء، إذا كان هناك من يستطيع أن يبين لأمة خانها دونالد ترامب كيف تهزمه، فهي المدينة التي أنشأته».

ثم أضاف متحدياً:

«دونالد ترامب، وبما أنني أعلم أنك تشاهدني، لدي أربع كلمات أوجهها إليك: ارفع الصوت!».

كلماته تحوّلت إلى ترند وطني على وسائل التواصل، وأثارت تفاعلاً واسعاً بين مؤيديه ومعارضيه، إذ اعتبرها البعض إعلان ولادة جيل سياسي جديد يواجه مباشرة رموز السلطة المالية والسياسية الأميركية.

وأكد ممداني لاحقاً أن خلافه مع ترامب ليس شخصياً بل فكرياً وطبقياً، قائلاً:

«المشكلة ليست في ترامب كفرد، بل في النظام الذي مكّنه من أن يصبح ما هو عليه. مهمتنا تفكيك ذلك النظام، لا مجاملته».

رؤيته وبرنامجه للمرحلة المقبلة:

في أول تصريح له بعد تولي المنصب، شدّد ممداني على أن نيويورك ستبقى مدينة المهاجرين قائلاً:

«هذه المدينة بُنيت بالمهاجرين وتُدار بالمهاجرين، ومن الليلة فصاعداً ستُقاد من قبل مهاجر».

وتعهّد بأن تكون إدارته «حكومة الناس»، تُعيد التوازن بين رأس المال والعمل، وتفتح أبواب المشاركة أمام فئات كانت مهمّشة لعقود.
كما أعلن عزمه مراجعة سياسات الإعفاء الضريبي للمليارديرات الذين، بحسب وصفه، “استغلوا المدينة لعقود دون أن يدفعوا ما عليهم”.

رمزية فوزه وتحول السياسة في نيويورك:

يرى مراقبون أن انتخاب زوهران ممداني يمثّل ثورة صامتة في بنية القيادة الحضرية الأميركية. فهو يجمع بين هوية مهاجر، وانتماء يساري صريح، وخطاب اجتماعي جذري يضع العدالة الطبقية في قلب النقاش السياسي.
وقد شبّهت بعض الصحف الأميركية فوزه بما حدث عندما فازت أوكاسيو-كورتيز بمقعدها النيابي، معتبرةً أن نيويورك “عادت لتقود اليسار التقدمي في أمريكا”.

من أزقة كوينز إلى قاعة بلدية نيويورك، يجسّد زوهران ممداني قصة الجيل الجديد من القادة الأميركيين الذين وُلدوا من رحم الهجرة والنضال الاجتماعي.
هو الآن في مواجهة مباشرة مع ترامب، ليس في المناظرات السياسية فحسب، بل في رمزية الصراع بين مدينتين: نيويورك التي تتنفس التعدد والحرية، وواشنطن التي تمثل السلطة والنفوذ.

بيرني ساندرز زعيم الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي وصف فوز زوهران ممداني بالقول : لقدا احدثت واحدة من أعظم الاضطرابات السياسية في عصرنا الحديث .”
فوز زوهران ممداني برئاسة بلدية نيويورك بعد أن حصل على ٥٠,٧٪ من عدد المقترعين ، وشهدت هذه الانتخابات أعلى نسبة اقتراع منذ العام ١٩٦٩ ، وقد حصل ممداني على ٥٧٪ من الأصوات في أحد أكبر الاحياء اليهودية في نيويورك ، ويشكل هذا الفوز مؤشرا سلبيا لترامب ولفيلة الحزب الديمقراطي وللتيار المؤيد للكيان الصهيوني . أنه فوز للتيار اليساري والشبابي في الحزب الديمقراطي . أما بالنسبة للحزب الجمهوري فهو لم يفز يوما برئاسة بلدية نيويورك .
رغم أن ٢٦ مليارديرا أنفقوا حوالى ٢٢ مليون دولار في اسبوع واحد تحت عنوان “اي كان الا ممداني” لمنعه من الفوز بمنصب عمدة نيويورك .‏وقال عمدة مدينة نيويورك المنتخب “ممداني”: سأوقف ثقافة الفساد التي سمحت للمليارديرات مثل ترمب بالتهرب ضريبيا.

وكما قال في ختام خطابه:

«اسمعني جيداً، الرئيس ترامب، للوصول إلى أي منا، عليك أن تمر بنا جميعاً. عندما ندخل قاعة المدينة بعد 58 يوماً، ستكون التوقعات عالية… وسنلبيها».