الإثنين, نوفمبر 10, 2025
25.4 C
Beirut

رحيل ديك تشيني.. نهاية الرجل الذي أعاد رسم ملامح القوة الأمريكية في القرن الحادي والعشرين

نشرت في

أخباركم – أخبارنا

في الثالث من نوفمبر 2025، أعلن عن وفاة ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي الأسبق، عن عمر ناهز 84 عاماً، بعد صراع طويل مع أمراض القلب ومضاعفات الالتهاب الرئوي. برحيله، طُويت صفحة أحد أكثر الساسة الأمريكيين إثارة للجدل، ورجل يُجمع المؤرخون على أنه غيّر وجه السياسة الأمريكية المعاصرة، بين من يراه مهندس “القوة الأمريكية الجديدة” ومن يصفه بـ “العقل المدبر للحروب التي لم تنتهِ بعد”.

السيرة والمسيرة السياسية

وُلد ريتشارد بروس تشيني في 30 يناير 1941 بمدينة لينكولن بولاية نبراسكا، ونشأ في وايومنغ حيث بدأ اهتمامه المبكر بالسياسة. التحق بجامعة ييل قبل أن يُكمل دراسته في جامعة وايومنغ، حاصلاً على درجة الماجستير في العلوم السياسية. انطلق بعدها في مسيرة سياسية طويلة بدأت داخل أروقة الكونغرس الأمريكي.

عام 1975، أصبح رئيس موظفي البيت الأبيض في إدارة الرئيس جيرالد فورد، وهو من أصغر من تولى هذا المنصب في تاريخ الولايات المتحدة. ثم انتُخب عضواً في مجلس النواب عن ولاية وايومنغ عام 1978 واستمر حتى 1989، ليكسب خبرة تشريعية كبيرة ومكانة داخل الحزب الجمهوري.

وزير الدفاع في إدارة بوش الأب (1989-1993)

في مارس 1989، عيّنه الرئيس جورج بوش الأب وزيراً للدفاع. خلال ولايته، برز دوره القيادي أثناء حرب الخليج الثانية عام 1991، بعد غزو صدام حسين للكويت.

قاد تشيني التخطيط لعملية عاصفة الصحراء، التي نجحت في طرد القوات العراقية من الكويت خلال أسابيع قليلة، مما أكسبه سمعة رجل الدولة الحازم والمحنك.

لكنه في الوقت ذاته، عارض في تلك الفترة التوغل داخل العراق لإسقاط النظام، معتبراً أن ذلك كان سيغرق الولايات المتحدة في “مستنقع طويل الأمد” — وهي المفارقة التي ستلاحقه لاحقاً حين عاد إلى السلطة بعد عقدٍ واحد.

من قاعات البنتاغون إلى قمة البيت الأبيض

بعد انتهاء عمله كوزير للدفاع، اتجه تشيني إلى القطاع الخاص، حيث تولّى منصب الرئيس التنفيذي لشركة Halliburton، إحدى أكبر شركات الطاقة والخدمات النفطية في العالم. لكن السياسة لم تبتعد عنه طويلاً — ففي عام 2000 اختاره جورج دبليو بوش الابن نائباً له في الانتخابات الرئاسية التي فازا بها، ليبدأ فصل جديد من النفوذ السياسي في تاريخ واشنطن.

نائب الرئيس القوي (2001-2009)

خلال ولايتيه، أعاد تشيني تعريف دور نائب الرئيس، متحولاً من منصب بروتوكولي إلى أحد أهم مراكز صناعة القرار في الإدارة الأمريكية. بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، برز كالعقل الأمني الأكثر تأثيراً في رسم سياسة “الحرب على الإرهاب”، وقاد معسكر الصقور الذي دعا إلى استخدام القوة الاستباقية ضد من تعتبرهم واشنطن تهديداً أمنياً.

الحروب والأزمات التي شارك فيها أو تسبب بها

🔹 1. حرب الخليج الثانية (1990-1991)

المنصب: وزير الدفاع
الحدث: غزو العراق للكويت
دوره:

  • أشرف على تشكيل تحالف دولي ضم أكثر من 30 دولة.
  • أدار العمليات العسكرية ضمن عاصفة الصحراء التي انتهت بتحرير الكويت.
    النتيجة: نصر عسكري سريع، وتعزيز لهيبة الجيش الأمريكي.
    الانتقادات:
  • اتُّهم لاحقاً بأن الحرب كانت مقدمة لتثبيت النفوذ الأمريكي في الخليج.
  • اعتبر البعض أن ترك نظام صدام دون إسقاطه سمح بأزمات لاحقة في المنطقة.

🔹 2. الحرب في أفغانستان (2001-)

المنصب: نائب الرئيس
الحدث: هجمات 11 سبتمبر 2001
دوره:

  • كان من مهندسي الغزو الأمريكي لأفغانستان، لتفكيك حكم طالبان وملاحقة القاعدة.
  • دعم توسع صلاحيات الاستخبارات والعمليات الخاصة.
    النتيجة: إسقاط طالبان، لكن الحرب امتدت لعقدين وانتهت بعودة الحركة إلى الحكم عام 2021.
    الانتقادات:
  • اتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان في السجون السرية وغوانتانامو.
  • اتهامه بدعم أساليب “الاستجواب المعزز” التي وصفت بالتعذيب.

🔹 3. غزو العراق (2003)

المنصب: نائب الرئيس
الحدث: قرار إسقاط نظام صدام حسين
دوره:

  • أبرز الداعمين للغزو، مروجاً لفكرة امتلاك العراق أسلحة دمار شامل.
  • مارس ضغوطاً على وكالة الاستخبارات (CIA) لتقديم تقارير تدعم التدخل.
    النتيجة: سقوط نظام صدام بسرعة، لكن اندلاع فوضى واسعة، واندلاع صراع طائفي طويل.
    الانتقادات:
  • الادعاءات عن الأسلحة لم تُثبت لاحقاً.
  • تحميله المسؤولية الأخلاقية والسياسية عن مئات آلاف القتلى.
  • اعتُبر الغزو بداية تراجع صورة الولايات المتحدة عالمياً.

🔹 4. أزمات الطاقة والنفوذ في الشرق الأوسط (2001-2008)

المنصب: نائب الرئيس
الدور:

  • ترأس “مجموعة سياسة الطاقة الوطنية” التي ضمت ممثلين من شركات النفط الكبرى.
  • سعى لتوسيع نفوذ الشركات الأمريكية في مناطق الطاقة بالعراق والخليج.
    الانتقادات:
  • اتهامات بتضارب المصالح بين موقعه في السلطة ومصالح شركة هاليبرتون التي حصلت على عقود بمليارات الدولارات بعد غزو العراق.

🔹 5. الموقف من سوريا والأزمات اللاحقة

بعد خروجه من المنصب، ظل تشيني من دعاة “الحزم الأمريكي”، وصرّح في 2014 بأن “الكثير من الحلفاء دعموا توجيه ضربة جوية إلى سوريا”، ما أثار الجدل حول استمرار نفوذه الفكري على الحزب الجمهوري ومراكز القرار حتى بعد تقاعده.

إنجازاته السياسية

  1. تعزيز مكانة نائب الرئيس ليصبح شريكاً فعلياً في الحكم.
  2. نجاح عملية تحرير الكويت كأحد أنجح التدخلات العسكرية الأمريكية.
  3. إعادة تشكيل السياسة الأمنية بعد 11 سبتمبر، من خلال تأسيس هيكل أمني جديد.
  4. الدفاع عن هيبة الدولة التنفيذية ودعم سلطة الرئيس في مواجهة الكونغرس.

الانتقادات والاتهامات

  • توسيع صلاحيات الحكومة والمراقبة: اتُّهم بانتهاك الحريات المدنية من خلال برامج التجسس والمراقبة على المواطنين.
  • انتهاكات حقوق الإنسان: دعم أساليب تعذيب واستجواب في السجون السرية.
  • غزو العراق: أخطر قرار في مسيرته، اعتُبره مؤرخون “الخطأ الاستراتيجي الأكبر في القرن الحادي والعشرين”.
  • المصالح الاقتصادية: ارتباط مصالحه مع “هاليبرتون” شكّل نموذجاً على تداخل المال والسياسة في واشنطن.

الحياة الشخصية والوفاة

تزوج تشيني من لين تشيني عام 1964، وله ابنتان: ليز وماري. عانى طوال حياته من مشاكل قلبية مزمنة، أصيب بخمس نوبات قلبية وخضع لزرع قلب عام 2012.

توفي في 3 نوفمبر 2025 عن عمر 84 عاماً، بعد تدهور حالته الصحية نتيجة مضاعفات في القلب والالتهاب الرئوي. أعلنت أسرته الوفاة في بيان رسمي، مؤكدة أنه “رحل محاطاً بعائلته بعد حياة من الخدمة العامة والجدل السياسي”.

إرثه وتقييمه التاريخي

يبقى ديك تشيني من أكثر الشخصيات تأثيراً في تاريخ الولايات المتحدة الحديث:

  • أنصاره يرونه حارس الأمن القومي الأمريكي، الرجل الذي اتخذ قرارات صعبة لحماية بلاده.
  • خصومه يرونه رمزاً للسياسة العدوانية والتوسع العسكري الأمريكي، وعقل الحروب المكلفة التي أرهقت الشرق الأوسط والعالم.

ترك تشيني وراءه إرثاً مثقلاً بالتناقضات: رجل دولة لا يُنكر ذكاؤه الاستراتيجي، لكنه سيُذكر أيضاً كأحد أكثر الساسة إثارة للانقسام في تاريخ واشنطن.

شارك الخبر:

اضغط على مواقع التواصل ادناه لتتلقى كل اخبارنا

آخر الأخبار

الشرع في البيت الأبيض ومصادر أمنية تكشف عن تعرضه لمحاولتي إغتيال من “داعش”

أخباركم - أخبارنا صل الرئيس السوري أحمد الشرع اليوم الإثنين إلى البيت الأبيض في...

وفد الخزانة يمنح لبنان مهلة 60 يومًا للإصلاح وضبط السلاح: “ننتظركم منذ 40 عامًا”

أخباركم - أخبارنا ذكرت مصادر نيابية لقناة OTV أن اللقاء الذي جمع عددًا من النواب...

إسرائيل تبني جدار إسمنتي خلف الخط الأزرق

أأخباركم - أخبارنا تقوم قوات اسرائيلية ببناء جدار اسمنتي خلف الخط الأزرق عند الحدود...

بلغاريا لن تسلم مالك السفينة المرتبطة بانفجار المرفأ وتطلب إلغاء عقوبة الإعدام

أخباركم - أخبارنا ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية "أ.ف.ب" بأن "القضاء البلغاري أرجأ النظر في...

More like this

اتصالات بين القيادة العسكرية اللبنانية والسورية لمعالجة توتر عند بلدة فليطا

أخباركم - أخبارنا بيروت – أفاد مراسل الميادين بأن هناك اتصالات جارية بين القيادة...

غارات إسرائيلية واسعة من جنوب لبنان حتى البقاع والسلسلة الشرقية

أخباركم - أخبارنا شنت الطائرات الإسرائيلية خلال الدقائق الماضية سلسلة غارات مكثفة امتدت من...

غارات إسرائيلية تستهدف مرتفعات الريحان وغارات موازية على الشعره والنبي شيت في البقاع! (فيديو)

أخباركم - أخبارنا شنّت الطائرات الإسرائيلية قبل قليل غارات جوية استهدفت مرتفعات الريحان، تزامناً...