الإثنين, نوفمبر 10, 2025
25.4 C
Beirut

جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتمد نهج “الاستنزاف التدريجي” ضد حزب الله ولبنان يلوّح بخيار التفاوض لتفادي الحرب

نشرت في

أخباركم – أخبارنا / مسعود محمد

في ظل التصعيد العسكري المتقطّع على الحدود اللبنانية الجنوبية، برزت في الأوساط الإسرائيلية مصطلحات جديدة لتوصيف سياسة جيش الاحتلال تجاه حزب الله، أبرزها ما وصفته صحيفة معاريف بـ”الاستنزاف التدريجي لقدرات الحزب”. هذه المقاربة تجمع بين الضربات الدقيقة والضغط الاستخباراتي المستمر لتقويض القوة العسكرية للحزب دون التورط في حرب شاملة، فيما يلوّح لبنان، من جانبه، بخيار الحوار السياسي لتخفيف حدة التوتر وتجنّب كارثة إقليمية محتملة.

نهج الاستنزاف التدريجي: حرب باردة بنكهة ساخنة

منذ منتصف أكتوبر 2025، يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ سلسلة من العمليات الجوية والاستخباراتية في جنوب لبنان، استهدفت مواقع عسكرية، مخازن أسلحة، ومنصات إطلاق صواريخ يُعتقد أنها تابعة لوحدات النخبة في حزب الله.
ونقلت صحيفة معاريف العبرية عن مصادر أمنية أن الجيش “ينفّذ حملة متواصلة تهدف إلى إنهاك الحزب وتفكيك قدراته الميدانية بشكل تدريجي ومدروس”، مضيفة أن المؤسسة العسكرية تسعى إلى “خلق بيئة عملياتية تمنع الحزب من إعادة بناء ترسانته أو فرض معادلات جديدة على الحدود الشمالية”.

الناطق باسم جيش الاحتلال صرّح في أكثر من مناسبة بأن “العمليات تهدف إلى تقليص قدرة حزب الله على شنّ هجمات مستقبلية ومنع إعادة ترسيخ البنية العسكرية جنوب الليطاني”.
وفي السياق ذاته، قال وزير الدفاع يوآف غالانت:

“لن نسمح لحزب الله بفرض معادلة جديدة، وكل مصدر تهديد في لبنان سيُزال في الوقت المناسب، وبالطريقة التي نختارها”.

تحليلات مراكز أبحاث إسرائيلية، منها مركز هرتسليا، ترى في هذه السياسة “استراتيجية ما بين الحروب” (War Between Wars) التي تعتمد على توجيه ضربات متواصلة منخفضة الحدة بهدف تقويض الخصم دون إشعال حرب شاملة. وتصفها بعض الصحف بأنها “تكتيك النفس الطويل” — محاولة لتآكل الخصم ببطء بدل كسره دفعة واحدة.

تفاصيل ميدانية وتحليل استخباراتي

عملياً، نفّذ جيش الاحتلال خلال الأسابيع الماضية أكثر من ثلاثين غارة استهدفت مواقع في صور والنبطية وبنت جبيل، بينها ضربات لمستودعات ذخيرة ونقاط مراقبة ومراكز اتصالات. كما أعلن الجيش عن اغتيال عدد من عناصر وحدة “الرضوان” المسؤولة عن العمليات الميدانية في الجنوب اللبناني.

وتشير تقارير معاريف إلى أن جيش الاحتلال يوازن بين الردع والاحتواء، إذ يهدف إلى إبقاء حزب الله في حالة استنزاف دائم، دون أن يدفعه إلى رد شامل قد يجرّ المنطقة إلى مواجهة واسعة.
ويقول الخبير العسكري الإسرائيلي عاموس هرئيل في تحليله الأخير بصحيفة هآرتس:

“إسرائيل تسعى لإضعاف الحزب عبر ضربات متكررة ومدروسة، لكنها تعرف أن أي خطأ تكتيكي أو عملية اغتيال غير محسوبة قد تشعل حرباً مفتوحة، وهو ما تحاول القيادة السياسية تجنّبه حتى اللحظة الأخيرة”.

التحليلات الاستراتيجية

يرى محللون أمنيون أن “الاستنزاف التدريجي” يمنح جيش الاحتلال مساحة للتحكم في وتيرة المواجهة، لكنه لا يخلو من مخاطر. فهذه السياسة تتطلب موارد استخباراتية ضخمة واستمرارية عملياتية طويلة، كما تُبقي الجبهة الشمالية في حالة توتر مزمن.
ويحذر الخبير الإسرائيلي رون بن يشاي من أن “استمرار الضربات دون تفاهمات سياسية سيؤدي في النهاية إلى رد غير محسوب من حزب الله”، مضيفاً أن “لبنان ليس في وارد الحرب، لكن الضغط المستمر قد يدفع الحزب إلى التصعيد لاعتبارات داخلية أو إيرانية”.

الموقف اللبناني: بين الواقعية السياسية وتفادي الحرب

في المقابل، أظهرت القيادة اللبنانية رغبة متزايدة في اعتماد الواقعية السياسية لتجنّب تصعيد شامل.
وفي هذا الإطار، وجّه رئيس الجمهورية اللبنانية جوزيف عون خلال الأيام الأخيرة سلسلة من الدعوات إلى التفاوض غير المباشر مع إسرائيل برعاية دولية.

ففي 3 نوفمبر 2025، قال عون في مقابلة مع عرب نيوز:

“ليس أمام لبنان خيار سوى التفاوض، فكل حرب تنتهي بتفاوض، وعلينا أن نبحث عن سبل الخروج من الأزمة قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة.”
وأضاف أن “لبنان لا يستطيع تحمّل حرب جديدة، لا إنسانياً ولا اقتصادياً، ولذلك يجب السعي لحل دبلوماسي يعيد الهدوء إلى الجنوب”.

وفي 31 أكتوبر 2025، وخلال لقائه وزير الخارجية الألماني، صرّح الرئيس اللبناني بأن بلاده “مستعدة للدخول في مفاوضات غير مباشرة لإنهاء حالة الحرب، لكن بشرط وجود إرادة متبادلة واحترام سيادة لبنان”.
كما أشار في بيان رسمي إلى أن “إسرائيل ردّت على خيار التفاوض بتصعيد الغارات الجوية، وهو ما يزيد من هشاشة الوضع الميداني ويضعف فرص الحل”.

وتؤكد مصادر قصر بعبدا أن بيروت تعمل عبر قنوات دبلوماسية مع باريس وبرلين وواشنطن لفتح مسار سياسي جديد يهدف إلى تهدئة الجبهة الجنوبية وإعادة تفعيل القرار الدولي 1701، الذي ينص على وقف الأعمال العدائية وانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية المحتلة.

الآفاق والمخاطر المستقبلية

الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة، وفق أغلب التحليلات، ليست سوى معركة عضّ أصابع مفتوحة زمنياً:

  • من جهة، يسعى جيش الاحتلال إلى إنهاك حزب الله واستنزاف قدراته دون الانزلاق إلى حرب شاملة.
  • ومن جهة أخرى، يحاول لبنان الرسمي احتواء التصعيد بالدعوة إلى مفاوضات تخفف من حدة التوتر وتحافظ على سيادته.

لكن الواقع الميداني يبقى هشاً؛ فكل ضربة أو عملية اغتيال تحمل في طياتها احتمال تفجير الموقف، لا سيما أن كلاً من الحزب والاحتلال يسعيان لتثبيت معادلات ردع متعارضة.
وفي ظل الانهيار الاقتصادي اللبناني واستمرار الضغط السياسي داخل إسرائيل، يبدو أن “الاستنزاف التدريجي” قد يتحوّل من سياسة مؤقتة إلى استراتيجية دائمة لإدارة التوتر، بانتظار تسوية سياسية لا تزال بعيدة المنال.

تعبّر سياسة الاستنزاف التدريجي التي ينتهجها جيش الاحتلال الإسرائيلي عن محاولة واعية لتفادي الحرب الشاملة مع حزب الله عبر ضربات محسوبة ومستمرة، لكنها في الوقت ذاته تُبقي المنطقة على حافة الانفجار.
وفي المقابل، تبرز دعوات رئيس الجمهورية اللبنانية جوزيف عون كصوت واقعي يدعو إلى التفاوض كخيار وحيد لتخفيف الأزمة وتفادي الكارثة. وبين استنزاف طويل الأمد ورغبة حذرة في الحوار، يقف الجنوب اللبناني على خيط رفيع يفصل بين سلام هشّ وحرب مؤجلة.

شارك الخبر:

اضغط على مواقع التواصل ادناه لتتلقى كل اخبارنا

آخر الأخبار

الشرع في البيت الأبيض ومصادر أمنية تكشف عن تعرضه لمحاولتي إغتيال من “داعش”

أخباركم - أخبارنا صل الرئيس السوري أحمد الشرع اليوم الإثنين إلى البيت الأبيض في...

وفد الخزانة يمنح لبنان مهلة 60 يومًا للإصلاح وضبط السلاح: “ننتظركم منذ 40 عامًا”

أخباركم - أخبارنا ذكرت مصادر نيابية لقناة OTV أن اللقاء الذي جمع عددًا من النواب...

إسرائيل تبني جدار إسمنتي خلف الخط الأزرق

أأخباركم - أخبارنا تقوم قوات اسرائيلية ببناء جدار اسمنتي خلف الخط الأزرق عند الحدود...

بلغاريا لن تسلم مالك السفينة المرتبطة بانفجار المرفأ وتطلب إلغاء عقوبة الإعدام

أخباركم - أخبارنا ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية "أ.ف.ب" بأن "القضاء البلغاري أرجأ النظر في...

More like this

من “الإرهابي المطلوب” إلى “الرئيس المنفتح”: قراءة في التحوّل السوري الأكبر .. كيف يفسر غرامشي هذا التحول؟

أخباركم - أخبارنا/ مسعود محمد في السياسة، ليست الحقائق الثابتة هي التي تصنع الأحداث،...

هل سيقرّ مشروع قانون تعليق العمل بالمادة ١١٢ من قانون الانتخاب لصالح اقتراع المغتربين؟

أخباركم - أخبارنا د. وفيق ريحان توجد ثغرة في نص المادة ٥٨ من الدستور...