أخباركم – أخبارنا

أكد وزير الاقتصاد والتجارة عامر البساط، ممثلاً رئيس الحكومة نواف سلام، أنّ عودة البعثة الاقتصادية والتجارية التابعة للمنظمة الدولية للفرنكوفونية إلى لبنان تمثل “بيان ثقة وشهادة على صمود لبنان وجسرًا نحو ازدهار مشترك”. جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها اليوم في مؤتمر الفرنكوفونية في بيروت، حيث شدّد على أن لبنان، رغم أزماته العميقة، ينهض بإصلاحات بنيوية وشراكات دولية تهدف إلى إعادة الثقة بالاقتصاد الوطني وتعزيز بيئة الاستثمار.

لبنان بعد الأزمة: من الانهيار إلى التحوّل

استهل الوزير البساط كلمته قائلاً:

“لقد مرّ وطننا بإحدى أشد الأزمات الاقتصادية في التاريخ الحديث: انهيار مالي شامل، وانهيار في العملة الوطنية، وشلل سياسي، وتأثيرات مدمّرة للنزاعات. منذ عام 2019 تقلّص الناتج المحلي الإجمالي وتعثّر القطاع المصرفي، وتحمّل شعبنا ظروفاً قاسية غير مسبوقة”.

لكنه شدد على أن لبنان لم يُكسر رغم هذه الصدمات، قائلاً:

“لقد خضع وطننا للاختبار، وخرج أكثر صلابة، وهو اليوم في مرحلة تحوّل حقيقية”.

وعدّد أربع خطوات إصلاحية بدأتها الحكومة اللبنانية:

1. إعادة هيكلة القطاع المالي.
2. تعزيز الانضباط المالي.
3. التعاون مع صندوق النقد الدولي.
4. حماية حقوق المودعين.

رسالة الحكومة اللبنانية: لبنان مفتوح للاستثمار والشراكة

أكد البساط أن جوهر رسالة الحكومة يتمحور حول إعادة بناء الثقة بلبنان كوجهة استثمارية، قائلاً:

“لبنان مفتوح للأعمال والاستثمار. اقتصادنا الحر، ومناخنا المنفتح، وقوانا العاملة المتعلّمة والمتعددة اللغات، تشكّل بيئة تزدهر فيها الشركات”.

لكنه شدّد في المقابل على ضرورة الحذر من المحاباة الطائفية أو “اختيار الرابحين”، مشيراً إلى أن الظروف الاقتصادية تتبدل أسرع مما يمكن للمؤسسات الحكومية مواكبته، وهو ما يتطلب إصلاحاً مؤسسياً شفافاً يضع الكفاءة فوق الانتماء.

أربعة محاور أساسية للرؤية الاقتصادية اللبنانية

عرض وزير الاقتصاد رؤية متكاملة للنهوض الاقتصادي تقوم على أربعة محاور رئيسية:

1. رأس المال البشري والثقافي:
   • دعم الأعمال الإبداعية القائمة على الثروة الثقافية (الفنون، السينما، الموسيقى، الضيافة).
   • تشجيع الشركات التي تستفيد من “العلامة اللبنانية” ذات الجودة العالية.
   • دعم القطاعات ذات القيمة المضافة في الخدمات والمال والتكنولوجيا.
   • الاستفادة من المؤسسات الجامعية كمراكز ابتكار وحاضنات للمشاريع.
2. الروابط الإقليمية والاغترابية:
   • تطوير خدمات النقل واللوجستيات والتجارة عبر المرافئ.
   • تفعيل التصدير إلى الأسواق الإقليمية سريعة النمو، خصوصاً العربية والأفريقية.
3. الطاقة الإنتاجية المحلية:
   • تجميع الحرفيين وأصحاب المهارات ضمن تجمعات إنتاجية منظمة للاستفادة من اقتصاد الحجم.
4. الفرص القابلة للتحقيق فوراً:
   • الزراعة الغذائية ذات الجودة العالية والعلامة التجارية الموثوقة.
   • السياحة الطبية والعلاجية المرتبطة بالمستشفيات اللبنانية.
   • الصناعات الإبداعية في مجالات السينما والموسيقى والتصميم.

وأشار إلى ضرورة إنشاء مناطق إنتاجية حديثة مزوّدة بالطاقة النظيفة والتراخيص السريعة والخدمات المشتركة، مؤكداً أنها تمثّل “فرص الربح السريع الممكنة” ضمن مسار التعافي.

الإصلاحات البنيوية والرقمنة

كشف الوزير أن الحكومة تنفّذ إصلاحات مؤلمة ولكن ضرورية، قائلاً:

“نعيد هيكلة قطاعنا المالي بشفافية غير مسبوقة، ونعمل على رقمنة الإدارة العامة، ونبني بيئة تحمي الاستثمار وتدعم نمو الأعمال وتُعزّز الشراكات”.

وأضاف أن الفرنكوفونية ليست فقط رابطة لغوية بل شراكة حضارية واقتصادية، مؤكداً أن لبنان يسعى لإعادة بناء اقتصاده على أسس صلبة قائمة على النزاهة والمساءلة.

دعوة إلى الشراكة لا المساعدة

في ختام كلمته، قال الوزير عامر البساط:

“إن حكومة الرئيس نواف سلام ملتزمة بخلق مناخ استثماري يستحق ثقتكم. نحن لا نطلب المساعدة، بل نقترح شراكة لبناء مستقبل من الازدهار المتبادل.”

وشكر المنظمة الدولية للفرنكوفونية على ثقتها بلبنان، معتبراً أن عودة البعثة الاقتصادية إلى بيروت تمثّل “توقيتاً مثالياً يتزامن مع توفر الإرادة السياسية والزخم الإصلاحي”.

وأضاف:

“ستلتقون برواد أعمال لبنانيين يملكون إبداعاً ومرونة لا مثيل لهما، وستشاهدون بأعينكم شعباً مصمماً ليس فقط على البقاء، بل على الازدهار.”

وختم قائلاً:

“وبالنيابة عن دولة الرئيس نواف سلام، وفخامة الرئيس جوزاف عون، وشعب لبنان، أقول لكم: أهلاً بكم في بيروت، في وطنكم الثاني. فلنبنِ معاً لبنان المزدهر، الشفاف، والحيوي الذي نحلم به جميعاً.”

أعاد مؤتمر عودة البعثة الاقتصادية للفرنكوفونية إلى لبنان اليوم الأمل بثقة المجتمع الدولي في قدرة البلاد على النهوض مجدداً. وقد شكّل خطاب الوزير البساط رسالة واضحة بأن لبنان يسعى لاجتذاب الاستثمار لا عبر الوعود، بل عبر الإصلاح، الشفافية، والشراكة الحقيقية.
ومن بيروت، العاصمة التي لطالما جمعت الشرق بالغرب، وجّهت الحكومة اللبنانية دعوة إلى شركائها في العالم الفرنكوفوني: لبنان عاد ليبني، لا ليطلب المساعدة، بل ليصنع مستقبله بشراكة عالمية قائمة على الثقة والازدهار المشترك.