كتب ابراهيم بيرم لـ “أخباركم – أخبارنا”
أعاد تصريح ادلى به قبيل ايام الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط فجأة، وتحدث فيه عما سماه مخاطر كامنة من جراء وجود “رواسب امنية للنظام السوري السابق في لبنان” على الوضعين اللبناني والسوري على حد سواء، كما القى الضوء مجدداً على قضية “اركان النظام السوري السابق” من عسكريين وغير عسكريين، الذين لجأوا الى الاراضي اللبنانية بعيد رحيل بشار الاسد المفاجىء الى موسكو.
اللافت أن بعض المحللين ذهبوا الى اعتبار كلام جنبلاط الذي ورد في تغريدة، بمثابة “تعليمة” مدروسة في توقيتها وفي أبعادها، كونها فتحت الباب على هذه القضية “المسكوت” عنها الى حد بعيد، خصوصاً وأن وسائل اعلام عربية ومحلية سارعت الى اثارة الموضوع والتنقيب في خلفياته. في حين أن ثمة من يرجح بأن تعقب ذلك حملة سياسية، ترفع لواء المطالبة بأن يلقى هؤلاء مصير الذين ناصروا سابقاً المعارضة السورية عبر أعمال معينة، فزجّ بعضهم والى اليوم في السجون، فيما سلّم بعضهم الآخر الى النظام السابق.
وبعيداً عن ادراج البعض لكلام جنبلاط عن هذا الموضوع في خانة “ارضاء” نظام احمد الشرع سعياً الى إعادة وصل ما انقطع معه بعد احداث السويداء الدموية وما تلاها من تحولات في المشهد هناك، فان زعيم المختارة لم ينطلق في كلامه من فراغ. فثمة قضية كامنة تنتظر من يحرك مياهها الراكدة، هي قضية مصير أنصار النظام السابق في دمشق الذين أكرهوا على العبور الى لبنان عبر المنافذ والمعابر غير الشرعية.
في ذلك الوقت، أي قبل نحو 11 شهراً، قدرت مصادر أمنية على صلة بالملف، أن العدد الاقصى للذين دخلوا الى لبنان من أنصار النظام السابق قد وصل الى نحو 8 آلاف شخص، بينهم ضباط كبار وقيادات ورموز سياسية فاعلة. وقد اختاروا أن يحلوا في مناطق متفرقة، علماً أن الانباء الرائجة تحدثت آنذاك عن أن قسماً لا بأس به منهم لجأ الى الضاحية الجنوبية أو اختار الاقامة في مناطق أخرى ذات اكثرية شيعية او علوية، فيما غادر لاحقاً قسم منهم الى الخارج مما قلص العدد المتبقي حالياً الى نحو 5 آلاف شخص.
وبناء على معلومات مستقاة من مصادر معنية، فان تحركات هؤلاء وتنقلاتهم وافعالهم لم تكن في منأى عن العين الأمنية اللبنانية الراصدة، حيث ابرمت معهم لاحقاً اتفاقاً هو عبارة عن “اتفاق جنتلمن” قوامه:
– الامتناع عن القيام بأي انشطة أو تحركات من شأنها أن تثير حفيظة الحاكمين الجدد في دمشق.
– أن يعملوا على اساس أن تكون اقامتهم في لبنان قصيرة ومحدودة، أي اقامة عبور الى الخارج.
وتؤكد تقديرات الجهات عينها، أن هؤلاء أبدوا إلتزاماً بمندرجات هذا التفاهم، خصوصاً انهم كانوا في حال انكسار نفسي بعدما تيقنوا أن لا “مشروع عودة” محتملة لرمز النظام السابق الذي لجأ الى موسكو.
ومع ذلك، فإن الاجهزة اللبنانية لم تترك هؤلاء وشأنهم، اذ سرت معلومات تثبت انها قامت بحملات امنية على اماكن وجودهم، واعتقلت عدداً منهم كانوا مطلوبين للنظام الحالي بسبب ارتكابهم جرائم وممارسات مكشوفة وموصوفة، وسلمت قسماً منهم الى سلطات دمشق بعيداً عن الاضواء ومن بينهم أسماء بارزة.
لكن يظل السؤال المطروح: لماذا يتغاضى حكام دمشق الحاليون عن وجود هؤلاء في لبنان، ولا يجاهرون بمطالبة السلطات اللبنانية بتسليمهم او ابعادهم عن اراضيها، على غرار ما هو حاصل بشأن قضية المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية الذين سبق اعتقالهم بسبب تعاطفهم مع “الثورة السورية” التي أنهت مسيرتها بالقبض على زمام الامور في دمشق بيد من حديد.
وعلى الرغم من ان لدى دمشق صورة كاملة عن هؤلاء الفارين وعن طبيعة تحركاتهم، فان هؤلاء يعتبرون أنفسهم “محصنين” الى حد ما لاعتبارات عدة أبرزها:
– ان نظام دمشق الحالي ليس في وارد الدخول حالياً في مواجهات مع هؤلاء أو الالحاح على تسليمهم، لأن لديه اهتمامات اخرى ترقى الى مصاف الأولويات. فضلاً عن انه مطمئن الى أن هؤلاء هم في وضع لا يسمح لهم بتحضير أي أمر من شأنه أن يمهد لعودتهم الى حكم سوريا او التأثير على الأوضاع فيها.
– الى ذلك، فان ثمة من يبني في النظام السوري الحالي، على استمالة قسم منهم يوماً ما.
ولكن ماذا عن علاقة “حزب الله” بهؤلاء، وهل يؤمن لهم فعلاً مظلة حماية؟
ثمة أكثر من معطى يبين أن الحزب ومنذ سقوط نظام الاسد، قد قرر قطع علاقته بالساحة السورية، خصوصاً ببقايا النظام السابق. والدليل على ذلك، التزامه بعدم التشهير بالنظام الحالي أو افتعال مواجهة اعلامية أو سياسية معه. وعلى الرغم من أن هذا النظام يتهم الحزب باتهامات شتى، الا أنه يرد بالحدود الدنيا المضبوطة والمدروسة. ويأتي ذلك ضمن استراتيجية مختلفة وضعها للتعاطي مع هذه الساحة في ظل الحكم الجديد.
ومع ذلك، فان ثمة من يذكر بأن الحزب لم يتنكر للعلاقة مع رموز في النظام السابق من ضباط وسياسيين يعلم انهم أخلصوا في ولائهم “للقضية”، وانهم مستعدون للتضحية من أجلها والالتزام بتوجهات المحور الاستراتيجية على المديين القصير والطويل.



