
ميشال ن. أبو نجم
قد يكون أهمّ ما في ناجي حايك أنه لا يمثّل نفسه بقدر ما يعكس حالة حقيقية داخل التيار الوطني الحر، وفي داخل البيئة المسيحية في شكلٍ أعمّ. بالأحرى أن خطابه يعكس ما هو حقيقي، وهذا سر قوة ظاهرته التي على الرغم من تشددها في أحيانٍ كثيرة، فإنّها لامست كقطرات المطر أرضاً حزبية كانت في طور المراقبة لآليات اشتغال الحضور السياسي للمكونات الإسلامية، وتحديداً الشيعية، في التعاطي مع النظام والدولة ومع الحليف العوني بالتحديد. بعدما أعطى العونيون من كل قلبهم التفاهم مع حزب الله وجدوا أنَّ نبيه بري يبقى الأساس لدى “الحزب”، لا التفاهم ولا بناء الدولة. كل هذا المسار السياسي منح صدقية لتحذيراته السابقة. الأبعد من ذلك هو أن ناجي حايك حملَ التاريخ الصراعي للبيئة المسيحية اللبنانية وخاصة في مرحلة التهديد بخطر المنظمات الفلسطينية المسلحة، رافضاً أن يتم إسقاط تاريخ للبنان من دون الأخذ بعين الإعتبار وجدان المعاناة لدى الجميع. الجميع تعني استطراداً الشراكة، لا الأحادية في فرض التاريخ والمستقبل والهوية والدور. من هنا بدأ ترسّخ الظاهرة.
الإسم الذي أثار الجدل في داخل “التيار” المتلهف دائماً للإنفتاح على الآخر، بات نائباً لرئيسه في ملف العلاقات الخارجية. ولا أحد يُنكر أن تعيينه أدّى إلى ارتياح في الشارع المسيحي. يرفض حايك في دردشةٍ مع “أخباركم – أخبارنا” وضع تعيينه في خانة “الرسالة” لأي قوة سياسية في لبنان، مؤكداً أنَّ الأساس يبقى خدمة “التيار” والقضية اللبنانية والعمل على تعزيز العلاقات مع القوى الدولية والعربية لما فيه مصلحة لبنان والملفات التي يناضِل في سبيلها “التيار”. سيرته الذاتية المهنية والسياسية والعسكرية هي خير معينٍ له في هذا الملف الهام. منذ عمله في الولايات المتحدة الأميركية صاغ علاقات متعددة قدم من خلالها لدوائر القرار السياسية رؤية “التيار” وميشال عون الذي كان آنذاك يخوض جهوداً شرسة في سبيل رفع اليد السورية عن لبنان، والتي توجت بالقانون الشهير ب”محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان”. ترك حايك بصماته على الكثير من الأوراق والمؤتمرات والتحركات الرامية للدفاع عن المصلحة اللبنانية. ماضيه العسكري كمقاتلٍ شرس يعرفه القاصي والداني، ولا يزال أصدقاؤه يذكرون مبادرته للمشاركة في هجومٍ على القوات السورية في بلدة “صغار” البترونية في مواجهةالتحرشات على أثر تحرّكات الجيش السوري من الدوار في المتن الشمالي إلى البترون، بعدما تم إسقاط الإتفاق الثلاثي في كانون الثاني 1986.
الخطاب الذي رفعه ناجي حايك ظلمَ الجانب الآخر في شخصيته. من أصغى لكلمته في حفل التسلم والتسليم في رئاسة “التيار” لمس الجانب الثقافي والفكري المتأصل لديه، والذي يتجاوز الآليات التنفيذية والميكانيكية في الأحزاب السياسية ومنها “التيار”. قارئ السريانية والمتمكن من اللغات كرّس نفسه للنهل من تراث عمه المونسينيور ميشال حايك في المسيحية المشرقية والعلاقات الإسلامية – المسيحية، لا بل العمل على نشره والحفاظ عليه من خلال المؤسسسة التي تحمل إسمه. فالصبي الذي ربي في كنف عمه وتسنى له التواصل معه في جلسات طولية، عاهد نفسه على أن يكون خير محافظ على هذا التراث الذي أغنى الكنيسة المارونية والمسيحية في لبنان والمشرق بزادٍ فكري ولاهوتي كبير تمحور حول قيمة الحرية والحفاظ على الأرض.
لا يعِد حايك ويدعو لانتظار الأفعال، وأن يكون الحكم على عمله من خلال الثمار. الأسبوع المقبل ستكون له لقاءاته مع مجموعة فرنسية، تمهد لتواصل قادم وتحضيرات لمد أواصر التعاون في المجال الأوروبي. الدول العربية حاضرة أيضاً في ملفاته. يؤكد مجدداً انفتاحه على كل القوى السياسية في لبنان، لكن الأولوية ستكون للتركيز على العلاقات الخارجية بطبيعة الحال.