كتبت عايدة الاحمدية:
يثبت الاحتلال الإسرائيلي من جديد أن استهدافه للصحفيين هو نهج وسياسية مستمرة لديه، اذ ان هدفه طمس الحقيقة وتضليل الراي العام.
لقد شكل إمعان قوات الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب مزيد من الجرائم والاعتداءات الجسيمة بحق الصحفيين، خلال حرب غزة، تأكيدًا ان الهدف الأساسي من وراء ذلك هو حجب جرائمه اليومية بحق الشعب الفلسطيني عن الرأي العام العالمي.
ولعل عدد الضحايا الذين سقطوا خلال الأيام الماضية يؤكد مدى امعان العدو في طمس الحقائق، فبحسب لجنة حماية الصحفيين، فان عدد الصحافيين الذين استشهدوا وصل الى 27 صحفيًا، بينهم 22 فلسطينيًا، 4 إسرائيليين، ولبناني واحد. كما تم الإبلاغ عن إصابة 8 صحفيين، وتم الإبلاغ أيضًا عن احتجاز 9 صحفيين في وقت كتابة هذا المقال، وذلك حتى تاريخ 26 تشرين الاول /أكتوبر. أحدث ضحايا الجرائم الإسرائيلية الصحفية دعاء شرف، هي وطفلها.
إلى جانب استهداف الصحفيين بالاغتيال المباشر، يلجأ جيش الاحتلال إلى الانتقام منهم باستهداف عائلاتهم أيضًا. وكانت آخر جرائمه في هذا السياق اغتيال زوجة مدير مكتب “الجزيرة” وائل الدحدوح وابنه وابنته، في منطقة النصيرات، حيث طلب الجيش الإسرائيلي من سكان شمال غزة الانتقال إليها باعتبارها منطقة آمنة.
الدحدوح كان يغطي الهجمات الإسرائيلية المتواصلة من مكتب الجزيرة في غزة، حين فوجىء بغارة على مخيم النصيرات، حيث لجأ أفراد عائلته إليه بعدما اعتبر أنه لن يتمكن من الاهتمام بهم وسط القصف المتواصل وعمله الدؤوب. وكان المشهد مؤلمًا وقاسيًا عندما ظهر الدحدوح في مقطع مصور وهو يحمل بيديه طفلته الصغيرة بعدما فقدت حياتها بسبب القصف الإسرائيلي على منزله. وظهر أيضًا في مقطع آخر وهو ينتحب فوق جثمان ابنه ويقول: “بينتقموا منا في الولاد”. هذه دموع الإنسانية فقط، وليست دموع الجبن والانهيار، وليخجل الاحتلال.
استهداف عائلة الدحدوح يأتي ضمن سلسلة استهدافات لعائلات الصحفيين، حيث أوضحت نقابة الصحفيين الفلسطينيين في بيان، أن العشرات من أهالي الصحفيين الفلسطينيين قتلوا بصواريخ طائرات الاحتلال الإسرائيلية التي تقصف قطاع غزة، وأشارت إلى وقوع هجمات استهدفت نحو 20 منزلًا يقطنها صحفيون، ومنها خمسة منازل للصحفيين وعائلاتهم أدت إلى استشهاد 12 شخصًا في داخلها مع عائلاتهم، بينما أصيب البعض الآخر بإصابات خطيرة، وفقًا للبيان. كما طالت الهجمات الإسرائيلية منازل صحفيين في مناطق شمال ووسط قطاع غزة، واستهدف بعضها منازل تم إخلاؤها بالفعل.
في هذا السياق، أوضحت النقابة أن إحدى الغارات الإسرائيلية تسببت في مقتل زوجة الصحفي خالد الأشقر التي تحمل الجنسية الهولندية، ولقت مصرعها بينما كان زوجها يقوم بعمله في تغطية الأحداث. وأشارت إلى واقعة مقتل أفراد من عائلة المصور الصحفي علي جاد الله في حي الرمال (وسط مدينة غزة) في غارات إسرائيلية أسفرت عن استشهاد اثنين من أشقائه وثلاثة من أقربائه، بينما بقي عدد منهم تحت الأنقاض، وقد وثق جاد الله ذلك من خلال فيديو يظهر فيه جثمان والده في المقعد الخلفي للسيارة وهو يتجه وحيدًا لدفنه.
ما تم رصده لا يمثل الحقيقة كاملة، لأن كل المؤشرات تشير إلى أن حجم الخسائر أكبر بكثير. مع صعوبة تبيان الحقيقة كاملة بسبب غزارة القصف الصاروخي والمدفعي واستمراره، ووجود أعداد كبيرة من السكان تحت الأنقاض.
صورة الإجرام نفسها تكررت على الحدود اللبنانية حيث استشهد المصور الصحفي عصام عبد الله وأصيبت صحفيتان بقصف إسرائيلي استهدف عمدًا سيارة طاقم صحفي من وكالات عربية وأجنبية.
ولم تكتف إسرائيل بقتل الصحفيين، بل حاولت محو كل ما يذكر بإجرامها من خلال تدمير النصب التذكاري للشهيدة الإعلامية شيرين أبو عاقلة، التي قتلها جنود إسرائيليون في أيار 2022.
استشهاد أبو عاقلة كان أحد الانتهاكات الإسرائيلية بحق الصحفيين التي تواصلت منذ سنوات من اعتقالات وقتل وعرقلة في الأحداث الميدانية التي يغطيها الصحفيون على الأرض خلال الاجتياحات في الضفة الغربية والحروب على القطاع والاقتحامات في الأقصى والانتفاضات السابقة وحتى في الفعاليات السلمية الأسبوعية في المناطق المهددة.
فقد وثق المركز الفلسطيني للحريات والتنمية “مدى” خلال عام 2021 ما يزيد على 368 انتهاكًا، بينها 155 انتهاكًا مباشرًا بما في ذلك الإصابات والقتل، وقصف الاحتلال 33 مقرًا صحفيًا في قطاع غزة خلال العدوان، منها ما دُمّر تدميرًا كاملًا.
ويقبع في سجون الاحتلال عشرات الصحفيين، من بينهم الصحفي محمود عيسى الذي تم اعتقاله منذ عام 1993.
وقد ساهم إفلات إسرائيل من المحاسبة على هذه الجرائم ضد الصحفيين ووسائل الإعلام في فلسطين في تشجيع مزيد من ارتكابها. وفي ظل هذه الجرائم البشعة، يجب على المجتمع الدولي الوقوف بحزم ضد هذه الانتهاكات والمساهمة في تحقيق العدالة للضحايا. اذ إن حماية حقوق الصحفيين هي جزء أساسي من الدفاع عن الحرية والديمقراطية.”