![](https://akhbarkum-akhbarna.com/wp-content/uploads/2023/12/a3e923d8-38d1-4989-8c20-f991e16cb283-original.jpg)
كتبت ناديا شريم: بعد 18 سنة على اغتياله في مثل هذا اليوم من العام 2005 ما يزال اسم جبران تويني يوازي اسم قضية ،قضية بحجم وطن عانى وما زال يعاني منذ تأسيسه ،وطن تعددت مشاكله وتعددت قضاياه ،لكن جبران بقي يحمل أهمها وهي قضية الوحدة والاستقلال والسيادة ،هو الذي ترك للاجيال القادمة القسم الذي أطلقه من ساحة الشهداء “نقسم بالله العظيم … أن نبقى موحدين… مسلمين ومسيحيين …دفاعا عن لبنان العظيم…”
غاب صاحب القسم في مثل هذا اليوم وكتب الكثيرون عنه من محبين وصحافيين ومحللين وأصحاب رأي لبنانيين وعرب وحتى أجانب ،اما اليوم فسنروي حكايات خاصة وشخصية عن جبران على لسان صديق شخصي له هو الصحافي صبحي ياغي ابن مدينة الشمس “بعلبك”، الذي لازم جبران منذ العام 1985 في” النهار العربي والدولي” وبقي معه في كل المحطات المفصلية من حياته .
فماذا يقول صبحي ياغي عن جبران تويني في هذا اليوم: “في ذكرى استشهاده الثامنة عشر نضيء الشموع لذاك الصحافي المناضل الشهيد جبران تويني، الذي سقط دفاعاً عن قسمه، من أجل لبنان العظيم، والذي دخل الندوة النيابية “تَيصير الصَوت يوَدّي”،إلّا أنّ يَد الغدر كانت أسرع، ففتلت أحلامه، كما قتلت احلام اللبنانيين الذين توسموا الأمل والثورة الشبابية والثقافية .”
ويضيف :”في بيت مري، تلك البلدة الهانئة، ومن أب أرثوذكسي وأم درزية، ولد جبران تويني في 15/9/1957، والده الصحافي والنائب والدبلوماسي الراحل غسان تويني ووالدته الشاعرة الراحلة ناديا محمد علي حمادة .
منذ صغره، كان جبران حركة لا تهدأ، فقد شارك وهو طالب في مسيرات دعم وتأييد للجيش اللبناني، خلال المعارك التي كانت تحصل مع المنظمات الفلسطينية.”
اما عن مرحلة الهيمنة السورية فيؤكد ياغي:” كان جبران تويني من بين أبرز الأصوات اللبنانية المعارضة للهيمنة السورية على لبنان، ووظَّف موقعه كرئيس تحرير لجريدة “النهار”، للدعوة لإنهاء الهيمنة السورية. كان من أولى الشخصيات الإعلامية التي جازفت بمجاهرتها بالرأي عام 2000 عقب انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، بعد 18 عاماً من الاحتلال، ووجه رسالة في خطاب مفتوح إلى نجل الرئيس السوري حافظ الأسد وخليفته بعد ذلك بشار قال فيها: “لابد أن تدرك أن الكثير من اللبنانيين غير مرتاحين للسياسات السورية في لبنان ولوجود القوات السورية في البلاد… يعتبر كثير من اللبنانيين مسلك سوريا في لبنان مناقضاً تماماً لمبادئ السيادة والكرامة والاستقلال”.
الدخول في المعترك السياسي
وكيف دخل جبران إلى السياسة :”في أعقاب ثورة الأرز تجاوز تويني خط كتابة المقالات السياسية بالدخول في المعترك السياسي نفسه، وانتخب نائباً عن بيروت عن مقعد طائفة الروم الأرثوذكس. ورغم أنه توقف عن كتابة المقالات التي تحمل توقيعه والمناهضة لسوريا في “النهار”، إلا أن الجريدة واصلت معارضتها القوية لسوريا. في تموز 2005 اغتيل الصحافي سمير قصير أحد أبرز الصحافيين وكتاب المقالات في “النهار” بقنبلة في سيارته، وكان قبلها قد نجا الوزير مروان حمادة(خال جبران) من محاولة لاغتياله عام 2004. وقد أصبح تهديد التفجيرات من الخطورة حتى لجأ جبران إلى فرنسا في شهر آب من العام 2005، ومثله عدد من الشخصيات البارزة المعارضة لسوريا.”
محطات.. وذكريات
لكن ماذا عن الذكريات؟
بكل حزن واسى يتذكر الصحافي صبحي ياغي:” في مشهد سوريالي، أتذكر مع بعض الزملاء محطات جميلة في مسيرة جبران تويني الصحفية والنضالية، فأنا أذكر ان لقائي الأول بالشهيد جبران تويني كان في شهر شباط من العام 1985، في مكاتب مجلة “النهار العربي والدولي” في الاشرفيه – شارع زهرة الاحسان، كان عمري يومها 22عاماً، وكنت أكمل دراستي الجامعية، عندما قصدته للعمل في المجلة، بحضور الشاعر الكبير الراحل انسي الحاج، يومها قال لي جبران عبارة واحدة ظلت محفورة في ذاكرتي: “أنت في أول طريق مهنة الصحافة، وعليك أن تتعلم أن من يسلك طريق هذه المهنة،عليه الا يخاف وأن يكون شجاعاً ..”، وكنت اكتب تحقيقاتي ومقالاتي في مجلة “النهار العربي والدولي” واوقعها باسمي الصريح، على الرغم من ان سياسة المجلة كانت معارضة للوجود السوري، وللحالة السياسية القائمة وقتذاك ، ورغم أن الأحداث والحرب الأهلية البشعة منعت جبران من التجوال بحرية في وطنه، وقطعت أوصال الوطن، انقسمت بيروت الى شطرين، الا ان جبران كان مسكوناً بهاجس معاناة المناطق اللبنانية، فعمل على اضافة ملحق للنهار العربي والدولي اطلق عليه اسم “مجلة المناطق” الذي كان ينشر تحقيقات عن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البقاع والجنوب والشمال.”
سيكار كاسترو
ويتابع الذكريات ليضيف :”في مكاتب الاشرفية، ايام الحرب عام 1985 وعلى الرغم من أن مكاتب “النهار العربي والدولي” كانت موزعة بسبب الظروف الامنية بين الحمراء والأشرفية، الا ان جبران كان يصر على ان يحضر الجميع اجتماع التحرير الاسبوعي الذي كان يعقده في مكاتب الاشرفية، وكان اجتماعاً يمثل وحدة وطنية حقيقية. الاجتماع كان كل نهار جمعة وكان جبران يوزع علينا السيكار الكوبي الفاخر ويقول ممازحاً “اخبروا فيدل كاسترو اننا في كل اسبوع نقيم حفلة للسيكار الهافاني”. كان يحضر تلك الاجتماعات على ما أذكر الزملاء انسي الحاج، علي حماده، عبد الهادي محفوظ ، صبحي منذر ياغي، نوفل ضو، خليل نحاس، دوللي غانم، وديع الحلو، نبيل رياشي، نبيل براكس، خليل ابو انطون، سابين عويس، هاشم قاسم، زكريا حمود، ادوار البستاني، انطوان متى، عبدالله عبود، مهى سمارة، ابرهيم عبده الخوري، جوزف بو نصار، وغيرهم …..”
حرب التحرير
وماذا عن حرب التحرير :”مع اعلان الجنرال ميشال عون ما سماه “حرب التحرير” ضد السوريين، وقف جبران بقوة الى جانب العماد عون يومها لانه اعتبره “المنقذ”، وأسس حركة دعم التحرير، وأذكر كيف انهمرت القذائف السورية ذات يوم على منزل جبران في بيت مري يوم كنا في الملجأ، نبيل براكس وداني منصوراتي وغابي عبد المسيح وأنا … وكيف خرج جبران رغم القصف يستطلع مكان سقوط القذائف”.
إغتيال داني شمعون …والمنفى الأول
ويشدد صبحي ياغي على :”أن اكثر الاحداث أثرت بجبران كانت يوم اغتيال داني شمعون، أذكر انني قصدته يومها الى منزل النائب ميشال المر في بتغرين، كان في الصالون الكبير يجري مقابلة مع محطة تلفزيونية فرنسية، وجهه كان شاحباً، والدموع تملأ عينيه، وطلب مني يومها أن اسأل شقيقي (الضابط في الجيش) عما اذا كان لديهم في اللواء الأول شخص برتبة نقيب من آل عيد، لأن هذا الشخص قصده الى منزله في بيت مري، ومعه عدد من الاشخاص يرتدون لباس الجيش اللبناني مدعياً انه النقيب عيد من اللواء الأول وأنه جاء يسأله عما إذا كان بحاجة لاي خدمة. وعلمنا فيما بعد ان النقيب عيد ضابط وهمي كانت لديه مهمة مشبوهة، بعدها سافر جبران الى منفاه الباريسي وسط الحاح من الجميع لان حياته صارت في خطر، وتوقفت “النهار العربي والدولي” عن الصدور ووقع لبنان تحت قبضة الوصاية، ومع ذلك كان جبران مؤمناً بأن الوطن سينتصر .
العودة .. “نهار الشباب”
ويتابع ياغي:” عام 1993 عاد الى لبنان، التقيته في مبنى النهار في الحمراء، بعدها عدنا الى مكاتب “العربي والدولي” في المبنى الجديد في الاشرفيه لنعمل معه في تأسيس ملحق “نهار الشباب” الذي أراده جبران منبراً للتعبير عن تطلعات الشباب ودورهم في الدفاع عن الحريات، كنا مجموعة ضمت علي حماده، وليد عبود، جان كرم، امين قمورية، فراس الامين، عصام عازوري، الين فرح، رلى معوض، عبد الهادي محفوظ، رلى مخايل وعلي بردى. انطلق جبران من خلال “ملحق نهار الشباب” الى اقامة المهرجانات السياسية والبيئية والثقافية في كافة المناطق واستطاع أن يحدث تحولات ملموسة في قطاع الطلاب والشباب.”
زيارة للبقاع
وعن زيارات البقاع المشهورة يقول :”أن اول مرة زار فيها جبران البقاع بعد انتهاء الحرب كانت في تشرين الاول من العام 1993،لالقاء محاضرة في ضهر الاحمر في راشيا بدعوة من الزميل شوقي دلال، دعا فيها الشباب الى ان ينتفض ويطالب بحريته وسيادة وطنه، وكان من بين الحضور عدد من العناصر الحزبية القومية والبعثية وعناصر أمنية سورية.”
حملات أمنية سورية
ياغي يؤكد :” أن جبران تعرض لحملات من نظام الوصاية ومنها مثلاً تدخل المخابرات السورية عبر بعض رموزها وأزلامها لمنع محاضرة لجبران في مدرسة راهبات القلبين الاقدسين في زحلة بدعوة من ادارة المدرسة بتاريخ 11/11/2000،واذ بالام الرئيسة تتلقى اتصالاً من جهات زحلية لالغاء المحاضرة بأمر من المخابرات السورية.”
وكان الإغتيال
وبكل حسرة يختم الصحافي صبحي ياغي:” إغتيل جبران تويني يوم الاثنين 12 كانون الأول 2005 في المكلس شرق بيروت حوالى الساعة التاسعة صباحاً حين انفجرت سيارة مفخخة بقرب سيارته الـ”لاند روفر” عندما كان متوجهاً الى عمله في صحيفة “النهار”، وقد أتى الاعتداء بعد ساعات على تسليم رئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري ديتليف ميليس لمهامه.
اغتالوا جبران وهو في عز عطائه، وخسر لبنان بموته طاقة وطنية واعلامية وسياسية. لم ينل جبران حقه، تعرض لخيبات الامل ..عدد كبير من رفاقه تنكروا لقسمه ولنضالاته وتناسوا المعاناة والنضالات التي خاضوها معاً، الا ان الشيء الوحيد الذي يؤلم حتى اليوم ولا يمكن استيعابه، قيام البعض بتوزيع الحلوى ابتهاجاً وشماتة، حين هوى جبران مضرجاً بدمائه، دفاعاً عن لبنان العظيم الذي احب”.
![](https://akhbarkum-akhbarna.com/wp-content/uploads/2023/12/714630e4-a8be-4bb0-af24-5d5f0e05f24c.jpg)
![](https://akhbarkum-akhbarna.com/wp-content/uploads/2023/12/00cb2dde-000a-462b-b28c-088aa1e52789.jpg)
![](https://akhbarkum-akhbarna.com/wp-content/uploads/2023/12/a73c4878-5ccb-4a9a-8871-2850c6732763.jpg)
![](https://akhbarkum-akhbarna.com/wp-content/uploads/2023/12/ac399f84-c633-4b6a-a065-89506b708455.jpg)
![](https://akhbarkum-akhbarna.com/wp-content/uploads/2023/12/e3047302-5aeb-436a-840b-e0562ccc5622.jpg)