![التيار الوطني الحر](https://akhbarkum-akhbarna.com/wp-content/uploads/2023/06/495004Image1-800x500.jpg)
كتب ميشال ن. أبو نجم: “لا تسوية على حساب رؤيتنا للبنان، ولا على حسابنا، وإن أردتم حلاً من دوننا، فلا أحد يمنعكم”… هذا هو باختصار جوهر موقف التيار الوطني الحر من استشراف آفاق المرحلة القادمة في لبنان، والتي ستصاغ كما في مرات سابقة، بين الموازين الداخلية والديناميكيات الخارجية. ذلك أنَّ ما يحصل على وقع نار حرب الإستنزاف في جنوب لبنان، وفي كواليس واشنطن وصولاً إلى الرسائل الصاروخية والنارية لإيران، هو ما سترسم حدود المشهد اللبناني في شكلٍ أساسي. ومن هنا، يطرح التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل، رؤيته على الطاولة، والقول مرة جديدة: “لا زلنا هنا”…
والرسالة هذه، هي أساساً للأفرقاء الداخليين، وتحديداً حزب الله والقوى الأخرى. ففي وقتٍ حدد “التيار” موقفه من حرب الجنوب على أساس ربطها بمصلحة لبنان فقط، يجوِّف في مواقفه أي تفكير ولو افتراضي، بترجمة القوة إزاء العدو، استثماراً سياسياً في الداخل. والمعطيات هنا تترجم التعارض المفصلي بين فكرة “ضمانة المقاومة” في رئاسة الجمهورية، وما بين التحديات الداخلية الهائلة في ظل الأزمة العميقة، والتي تؤرق تفكير “التيار” وقيادته. وما يعزز هذه الحجة بالنسبة للعونيين، أن الأثمان التي قدموها أولاً على مذبح الإستقرار الوطني والتفاهم والتمسك بالثوابت الوطنية في مواجهة إسرائيل ومشاريع التوطين وتصفية القضايا الخارجية على حساب لبنان، لم تعد تسمح ب”ضبط النفس” إزاء التعاطي ومعالجة القضايا الداخلية، تحت إطار المعضلة الأساسية المتمثلة في كيفية بناء الدولة.
بذلك، ومع المواقف التي أطلقها رئيس “التيار” من مقابلته التلفزيونية وصولاً إلى ما نقلته الزميلة “الأخبار” أمس السبت، يتحول “التيار” إلى الإستباق، قبل الجلوس على الطاولة اللبنانية التي لا بد آتية مهما طالت الحرب. ويتكئ “التيار” على قوته الداخلية وعلى نهجه المبادر في خطوات واقتراحات حلول، مهما كانت النتائج، لأنه في هذا السلوك، هو رابح حكماً وبكل الإتجاهات. ففي حال بادر حزب الله إلى التوافق حول رؤية معينة لرئاسة الجمهورية ولمشروع ما بعد الرئاسة، يفوز بالسياسة. أما إذا حصل اتفاق مماثل ل”موقعة التمديد” العسكري، فعندها يستطيع القول للبنانيين، هؤلاء هم أركان التحالف الرباعي يتقاطعون مجدداً على حساب الشراكة والتمثيل والمبادئ الدستورية، فلا يخسر من شعبيته وصورته، لا بل تتكون لديه الكثير من الحجج التي يستطيع تسويقها، خاصة إذا انتقل إلى موقع المعارضة.
ولا شك أن مجموعة من العوامل المتصلة بالوضع الخارجي، هي التي تجعل موقف باسيل على هذا القدر من الوضوح والصراحة. ذلك أنه من وجهة مراقبين لموقف “التيار”، ولما يحصل إقليمياً، فإن الإشتباك بالنار اليوم من باب المندب إلى باكستان وصولاً إلى كردستان العراق، ما هو إلا خطوات لرسم مشهد التسوية الأميركية – الإيرانية، مهما اشتدت حدة النيران الحالية. ذلك أن ما بعد حرب تشرين الفلسطينية ليس كما قبلها، لجهة صياغة مشهد جديد تتحدد فيه أدوار الأنظمة والكيانات والدول. وطالما أن الحلول التي يحكى عنها في الكواليس الأميركية، واشار اليها السيد حسن نصرالله في خطاباته لجهة “التحرير الكامل للأراضي اللبنانية”، ستكون معبراً عن المشهد “النهائي” للوضع الإستراتيجي لبنانياً، فمن الطبيعي أن يكون للتيار استباقه للتطورات، وتسليطه الضوء على مخارج الحل الرئاسي بعيداً من سليمان فرنجية وجوزف عون، والدفع في اتجاه الخيارات البديلة التي يقترحها…