![](https://akhbarkum-akhbarna.com/wp-content/uploads/2024/03/PHOTO-2024-03-12-08-38-22-original.jpg)
كتب ابراهيم بيرم لأخباركم اخبارنا: وفقاً للعادة، لم يكن كشف “حزب الله” لنبأ لقاء امينه العام السيد حسن نصرالله بالقيادي المخضرم في حركة “حماس” خليل الحية اخيراً الا عبارة عن رسالة تنطوي على حشد من الابعاد الى من يعنيهم الامر، فرضت طبيعة التطورات الميدانية والسياسية المتسارعة توجيهها.
ان التنسيق المشترك الخفي بين الطرفين، قائم على مدار اللحظة وعلى مختلف المستويات خصوصاً بعدما تلاقت مصالحهما على خوض غمار مواجهة مفتوحة مع الآلية العسكرية الاسرائيلية المتوحشة، لذا فان الكشف عن اي لقاء مرفقاً بصورة هو بمثابة “عملية عسكرية – سياسية مشتركة بكل ما في المصطلح من مضامين وابعاد، وقد اطلقاها في انتظار منهما لردود فعل عليها.
المعروف ان الكشف عن آخر لقاء على هذا المستوى جرى بين الطرفين يعود الى اكثر من سبعة اشهر خلت، وتحديداً عندما وزع الحزب صورة عن لقاء جمع بين السيد نصرالله وبين نائب رئيس المكتب السياسي للحركة صالح العاروري، والذي كما هو معلوم سقط في مطلع السنة الجارية باغتيال جوي نفذه سرب طيران حربي اسرائيلي مزوّد بصواريخ دقيقة ابان وجوده في مقر له في الضاحية الجنوبية.
كان ذلك اللقاء مصحوباً بالصورة تظهيراً لرسالة ضرورية لكلا الطرفين في حينه. ولقد انتهى في الآونة الاخيرة تلقائياً مفعولها بناء على الاعتبارت الاتية:
- سقوط العاروري غيلة وقد وصفه نتنياهو اخيراً بانه الشخص الرابع في رأس قيادة الحركة.
- ان الصراع الدائر بين المحور الذي ينضوي الطرفان تحت عباءته مع الكيان الصهيوني وآلته الحربية الضخمة، لم يكن حينها قد بلغ مبلغه الاخير ميدانياً، اذ لم يكن شمال غزة ووسطها قد سقطا بيد الجيش الاسرائيلي المتقدم، كما لم يكن مستوى الصراع بين القوة العسكرية للحزب وبين القوات الاسرائيلية قد امتد على هذه البقعة الجغرافية الوارفة، كما لم يكن قد بلغ هذا المنسوب العالي من الضراوة والشراسة.
-انذاك ايضاً لم تكن الضغوط العربية – الغربية التي تمارس على حركة “حماس” لكي ترضح لاتفاق هدنة مع اسرائيل بأي ثمن، على هذا المستوى من القساوة.
بناء على كل هذه الاعتبارات والمستجدات الماثلة بعناد، كان لزاماً على الطرفين ان يبرزا اللقاء الاخير، وكان لزاماً عليهما ان يحرصا على عقده على هذا المستوى القيادي الرفيع.
فقد ظهرت في الآونة الاخيرة معلومات مفادها ان ثمة ضغوطاً قاسية وفوق العادة تمارس على جناح الحركة المولج بخوض جولات التفاوض غير المباشر مع الاسرائيليين في القاهرة والدوحة وعواصم اخرى. وكان تركيز تلك الضغوط منصباً على اعطاء جهة حركية بعينها هذه المهمة لاتسامها بالمرونة من جهة، ولحماسها لابرام الصفقة سريعاً من جهة اخرى.
ووفق المعلومات نفسها، فان واقع الحال هذا سبب تباينات وخلافات في داخل الحركة. لذا فان تعليمات صارمة اتت من قيادة الحركة في داخل غزة بقيادة رئيس الحركة فيها يحيى السنوار عبر رسالة الى المفاوضين فحواها اياكم ثم اياكم ان تقدموا على اي تنازل يفضي الى القبول بهدنة مؤقتة مع الاحتلال تسمح له لاحقاً بمعاودة حربه علينا اذا ما نحن تخلينا عن ورقة القوة عندنا وهي ورقة الاسرى والرهائن، لأن ما خسرناه قد خسرناه ولم يعد عندنا ما نخشى من خسارته، فتصلبوا الى اقصى الحدود ولا تضيعوا جهودنا وتضحياتنا.
ايام قليلة على سريان هذا الكلام ويظهر الدكتور اسماعيل والحية في القاهرة بصفتهما المفاوضين باسمها، ما ادى تلقائياً الى تراجع موفدين سابقين عن هذه المهمة، فتبدى جلياً ان ثمة تحولات جذرية في الموقف.
وليس خافياً ان الحية (يحمل دكتوراه في علوم الشريعة) من احدى جامعات ايطاليا والمتعدد الادوار والمهمات، يشغل منصب نائب رئيس الحركة في غزة (رئيسها السنوار) ويشغل ايضاً منصب رئيس مكتب العلاقات العربية والاسلامية، هو محط ثقة قيادة الحركة في سراديب غزة ويحسب من عداد جناحها المتصلب، الذي تولى القيادة في آخر مؤتمر تنظيمي عام للحركة، فضلاً عن علاقته الوثقى بايران والقيادة السورية من جهة وقيادة حزب الله من جهة اخرى.
وبناء عليه، كان بديهياً ان يكشف عن وصول الحية الى بيروت قادماً اليها من القاهرة بعد آخر جولة مفاوضات غير مثمرة خاضها هناك، ومن ثم يكشف عن لقائه على رأس وفد مع السيد نصرالله في الضاحية الجنوبية. فهذا الحدث من كل جوانبه هو بمثابة “اعلان انتصار” للتوجه الحاسم الذي يتولى السنوار التعبير عنه والنطق بلسانه، وهو ايضاً سقوط مدو للتوجه المخالف.
وهكذا، فان دفع صورة اللقاء الى الضوء كانت ضرورة للطرفين معاً انطلاقاً من ثلاثة اعتبارات:
الاول ان ثمة وريثاً موثوقاً من قيادة الحزب يخلف الشهيد العاروري ويمضي على النهج نفسه.
الثاني: كان ضرورياً ان يطمئن قلب (ا ل ح ز ب) بأن الجهد الكبير الذي بذله على الحدود الجنوبية منذ الثامن من تشرين الاول الماضي مضافاً الى الجهد الذي بذلته حركة حماس ومعها فصائل اخرى في غزة والضفة الغربية لن يضيع على مذبح التراجعات والحسابات الاستسلامية الضيقة عند اطراف وعواصم معنية.
الثالث ان التنسيق والثقة المتبادلة بين الطرفين هي هي، خصوصاً مع يقينهما ان امامهما مرحلة اكثر قساوة ..
في دوائر قريبة من ( ا ل ح ز ب)، ثمة من يرى في الصورة عينها على انها تعادل معركة من المعارك العسكرية الدائرة في الجنوب وفي غزة ايضاً كونها اتت مباشرة بعد انباء راجت عن امرين اثنين:
الاول ان “حماس” تواجه احتمال ان تخسر رفح عبر هجوم بري عليها فيكون بذلك نهاية قوتها العسكرية المعدة سلفاً.
الثاني ان الاجتياح البري الاسرائيلي للجنوب اللبناني امر حاصل في موعد اقصاه منتصف نيسان المقبل، مما يعني نهاية لقوة (ا ل ح ز ب) العسكرية التي يتم اعدادها منذ عام 2006.
وبصرف النظر عن دقة هذه الاحتمالات، فثمة من يرى ان الصورة وان كانت اشارة عن ان الطرفين ما زالا يمتلكان زمام المبادرة، فان الامر لا يعدو كونه فعلاً دفاعياً ليس الا.