![](https://akhbarkum-akhbarna.com/wp-content/uploads/2024/03/6472716_1645518010-original.jpg)
كتب ابراهيم بيرم لأخباركم – أخبارنا: الغارة الجوية المفاجئة التي نفذتها مسيّرة إسرائيلية الأحد الماضي على احدى طرق البقاع الغربي – راشيا، واستهدفت سيارة تبيّن أن عاملاً سورياً كان يستقلها، إنطوت على العديد من الابعاد والاحتمالات، وصبّت كلها في اطار توسيع مدى المواجهات الدائرة على طول الحدود الجنوبية.
الامر لم يكن مستغرباً، إذ للمرة الاولى منذ ذلك التاريخ يستهدف الطيران المعادي تلك البقعة الجغرافية التي لا تندرج في اطار ما صار يعرف ببلدات “الحافة الامامية” المستهدفة يومياً منذ نحو سبعة اشهر.
لذا، فانّ خبراء إستراتيجيين سارعوا منذ الساعات الاولى لتلك الغارة، الى اعتماد تحليل فحواه أن اسرائيل تترجم رغبة عارمة لديها في تطوير المواجهة وتصعيدها عبر توسيع مسرح العمليات المشتعلة مع حزب الله والقوى والمجموعات اللبنانية والفلسطينية التي تكفلت عملياً بتأمين انواع من المساندة والتغطية لأنشطته العسكرية على نحو يكون فيها هو رأس الحربة.
وعليه، اعتبر فريق من هؤلاء الخبراء، أن تلك الغارة فعل استتباع طبيعياً للغارات المتتالية التي شرع الطيران الاسرائيلي في تنفيذها على مناطق ونقاط في البقاع الشمالي (الشرقي) منذ نحو اسبوعين (بلغت حسب تقديرات نحو 7 غارات)، وهي غارات طاولت احد ابرز شرايين امدادات (ا ل ح ز ب) من سوريا، وهي تحديداً طريق القصير – الهرمل من الجانبين.
في العموم، ان غارة البقاع الغربي تحوّلت بسرعة الى معطى عسكرياً فرض نفسه اخيراً كجزء اساسي من معادلة ميدانية، مما يعزز فرضية أن الاسرائيلي بدأ في ترسيخها وتكريسها تحت عنوان: “تشتيت قوة (ا ل ح ز ب) العسكرية “كرد تلقائي على نهج الاشغال والانهاك” للقوات الاسرائيلية، والذي اطلقه (ا ل ح ز ب) منذ صبيحة الثامن من تشرين الاول الماضي، على طول الحدود الجنوبية مع الاراضي المحتلة (نحو 120 كيلومتراً) .
وفي كل الاحوال، فان سياسة “الاعتصام بالصمت” التي مارسها الاسرائيلي حيال حدث الغارة، قد سمحت بتعدد الروايات. فثمة رواية اولى اعتمدت فرضية ان السيارة المستهدفة كانت تنقل مواد غذائية لمجموعات (ا ل ح ز ب) المقاتلة والمتمركزة في اعلى مرتفعات العرقوب القصية (فرشوبا وشبعا والهبارية..)، قبالة مواقع اسرائيلية حصينة وكاشفة هناك على نحو مدروس.
وقد اتسع نطاق الرواية لاحقاً لتظهر سردية اخرى، مفادها ان المستهدف من تلك الغارة احدى القيادات الميدانية لـ “الجماعة الاسلامية” والتي يطلق عليها اسم “قوات الفجر”. وما عزز تلك الرواية، ان الجماعة كانات دخلت منذ البداية في مجريات المواجهات الضارية مع الاحتلال الاسرائيلي، وخصوصاً في مناطق العرقوب حيث لها وجود وازن. وقد خسرت قبل اقل من ثلاثة اسابيع ثلاثة من كوادرها عندما قصفت مسيّرة اسرائيلية مركبة كانوا يستقلونها على طريق الهبارية، وهم في طريقهم إلى تنفيذ مهمة عسكرية.
وكانت الرواية الفصل، أن المستهدف من تلك الغارة قيادي من حركة “حماس” كان يعبر في سيارته بالقرب من سيارة “الرابيد” التي استهدفت، فكتب له النجاة، فيما قضى العامل السوري الذي كان يقودها ويمر في الطريق اياها.
ولقد ايدت تلك الرواية معلومات تسربت من تل ابيب، جوهرها ان السيارة التي اصيبت بالصواريخ الاسرائيلية لم تكن هي المستهدفة بالغارة. فكان ذلك بمثابة دحض لكل الروايات التي نسجت حول ملابسات الغارة، وتأكيد لأمرين:
الاول، انّ ثمة خطأ استخبارياً ارتكبته قيادة الطيران الاسرائيلي، فنجا المستهدف وقتل عابر السبيل.
الثاني، يشكل دليلاً على ان القيادات الميدانية لحركة “حماس” في كل الجنوب قد وضعوا على لائحة الاستهداف والملاحقة على قدم المساواة مع قيادات حزب الله، وأن ترصدهم وملاحقتهم وتصفيتهم بات بالنسبة إلى تل ابيب، مهمة يومية ومستعجلة.
والجدير ذكره، أن آخر قيادات “حماس” المستهدفة قد سقط على طريق الرشيدية – صور قبيل ايام، عندما استهدفت مسيّرة اسرائيلية سيارته التي كانت خرجت لتوها من داخل مخيم الرشيدية. وقد سرت لاحقاً معلومات تفيد بأنه قبض على ثلاثة اشخاص (سورييّن وفلسطيني) تولوا مهمة ارشاد الطيران المعادي إلى السيارة.
ووفق معطيات توافرت عند الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد الدكتور أمين حطيط، فان المستهدف الفعلي من غارة البقاع الغربي كان قيادياً من حركة “حماس” اضطر الى سلوك ذلك الطريق هرباً من الملاحقة.
أضاف: نحن عملياً امام اخفاق عسكري اسرائيلي موصوف، يشبه الى حد بعيد إخفاقاً وفشلاً مماثلين منيت بهما القيادة الاسرائيلية قبل ما يقرب من ثلاثة أشهر عندما استهدفت المسيّرات الاسرائيلية قيادياً من “حماس” كان يعبر بسيارته على طريق وادي الزينة في منطقة اقليم الخروب (الاوتوستراد الساحلي الجنوبي)، لكنه نجا وقضى آخرون عندما سقطت القذائف الاسرائيلية عليهم.
ورداً على سؤال، قال حطيط: ما يتعيّن ان نقف عنده من الناحية العسكرية، هو ان غارة البقاع الغربي هي العملية الخامسة التي تخفق فيها الحسابات العسكرية الاسرائيلية ويفلت الهدف المنشود، وهي من أصل 9 محاولات اغتيال من الجو ينفذها الطيران الاسرائيلي منذ 8 تشرين الاول الماضي.
وهذا إن دل على شيء، يؤكد حطيط، انما يدل على بطلان كل الروايات التي روّجت لـ “تفوق استخباراتي وتقني” اسرائيلي، وعممت نظرية ان الاسرائيلي يملك قاعدة بيانات ومعلومات هائلة، واستطراداً له السيطرة الجوية المطلقة.
وعما اذا كانت غارة البقاع الغربي تلك مرتبطة بتشكيل “لواء الجبال” الذي اطلقته اسرائيل اخيراً، والذي يفصح عن رغبة اسرائيلية في توسيع مديات المعركة، خصوصاً عند الحدود مع لبنان وسوريا؟
اجاب حطيط: حدث اعلان تل ابيب عن انشاء لواء عسكري جديد، مرتبط بأمرين:
الاول، قناعة استقرت اخيراً امام القيادة الاسرائيلية وفحواها ان تشكيلاتها الحدودية لم تعد ذات قيمة كبيرة وكفاءة تمنحها القدرة على جبه حزب الله الذي الحق ما ألحقه من خسائر في صفوف الاسرائيليين، وهو لم يزج في المعركة الا اقل من 7 في المئة من قوته، فكان لا بد من اعادة النظر بهيكليات منظومة الدفاع عند الاسرائيلي.
الثاني، ان تل ابيب ارادت من خلال الكشف عن هذا الاجراء الذي اقترن بلا شك بالحديث عن مناورات اجريت في الشمال الاسرائيلي، ان تعمّم انطباعاً مفاده انها مستعدة لكل الاحتمالات، بما فيها احتمال الاقدام على عمل عسكري كبير تنفذ عبره تهديداتها ضد لبنان.