![](https://akhbarkum-akhbarna.com/wp-content/uploads/2023/12/bkerke-e1658581099925-800x549-1-800x500.jpg)
كتبت ناديا شريم لأخباركم – أخبارنا : بعد أشهر من الاجتماعات المكثفة بين الأحزاب المسيحية في الصرح البطريركي في بكركي، برعاية البطريرك بشارة بطرس الراعي ومشاركة بعض المطارنة، توصل المجتمعون إلى ما يشبه الورقة – الوثيقة المشتركة التي حملت عنوان “المسيحيون في لبنان إلى أين؟”.
وقد ركزت هذه الوثيقة على عدد من النقاط التي اعتبرت أولوية على طريق حل المشاكل التي يعاني منها المسيحيون.
لكن ما مضمون هذه الوثيقة؟
بداية، دعت إلى إنتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت، ونبّهت إلى ضرورة توفير مقوّمات الصمود للشعب اللبناني، بما يوقف مسار الإستنزاف الكارثي والهجرة لا سيّما عند المسيحيين، عبر وضع خطة تعاف اقتصادية – مالية كاملة ومتكاملة.
الى ذلك، تطرقت إلى موضوع السلاح غير الشرعي وطالبت بوضع السيادة الوطنية في حمى الجيش اللبناني والقوى العسكرية والأمنية الشرعية حصراً، مع تبني استراتيجية دفاعية واضحة، تكون الأُمرة فيها بحسب الدستور والقوانين المرعية الإجراء، بما يضمن عدم الإنزلاق إلى خيارات لا تخدم لبنان وشعبه.
وبحسب المجتمعين تطمح هذه الوثيقة التي خرجت من البيت المسيحي لتعميمها بين الأفرقاء، قد يصطدم تسويقها من خلال الثوابت التي وضعتها، برفض بعض بنودها من جانب الثنائي الشيعي، لا سيّما مع تكرار موضوع الحياد ونزع الشرعية عن سلاح المقاومة بوصفه سلاحاً غير شرعي.
وتناولت الوثيقة في مستهلها، توصيفاً للوضع اللبناني تحت عنوان “لبنان بين الحياة والموت”.
“يعيش لبنان مرحلة خطيرة ومصيرية لم يعرف لها مثيلاً في تاريخه الحديث والمعاصر. فإما أن يبقى لبنان، كما أراده الآباء المؤسسون والأجداد وطناً متميزاً في الشرق والعالم العربي، بإنسانه وحريته وتعدديته وديمقراطيته، في ظل دولة مستقلة وعادلة سيدة قرارها، من دون شريك، وإما أن يفقد ذاته وهويته ويخضع المنطق الهيمنة التي تبتلع تدريجياً خصائصه ومقوماته الجوهرية، وتلغي طابعه الحضاري، وتدخله في أتون الرهانات الخارجية التي لا تتناسب مع خياراته التاريخية وثقافة شعبه. نحن أمام تحول للبنان، من وطن الحرية والشراكة السوية، وطن البطريرك الياس الحويك وخلفائه العظام، إلى لبنان الدولة الدينية، والفاقد لسيادته، والتابع لغيره، والمضيع لهويته التاريخية ولرسالته الخاصة، بعد أن عملنا قروناً عدة البلورة ملامحه. والأخطر في كل ما سبق، تعميم اليأس بما يؤدي إلى هجرة إستنزافية لكل مكوناته. من هنا يحتاج المسيحيون في لبنان على اختلاف مشاربهم في هذه اللحظة التاريخية، إلى التفكير العميق المشترك بالمسائل العالقة في ما بينهم أولاً، ومع شركائهم ثانياً، وتحديد ثوابت الإنقاذ مع مسار المعالجات بما يصون لبنان في خصائص رسالته.
وطرحت أسباب هذا التحول ومؤشراته:
1- تحويل لبنان إلى ساحة أيديولوجية مغلقة شمولية خارجة عن ثوابت الهوية اللبنانية التاريخية بما في ذلك ضرب بشكل ممنهج الشرايين الحيوية العملانية لكل هذه الثوابت، القطاعات التربوية والأكاديمية الاستشفائية، والاقتصادية، والمصرفية، والإدارة العامة، وأجهزة الرقابة، والقضاء …
2 – إضمحلال الدستور والقانون والمؤسسات، فهل من إرادة منهجية وراء ذلك؟ ولأي أهداف؟
3 – إنتهاك سيادة الدولة بالسلاح غير الشرعي اللبناني وغير اللبناني (الفلسطيني) بأجندات غير لبنانية، وسياسة خارجية مشوهة عطلت علاقات لبنان بأشقائه في العالم العربي، وأصدقائه في المجتمع الدولي.
4 – النزوح السوري الذي يهدد هوية شعب لبنان الديموغرافية، ويقضى على اقتصاده المتعثر أصلاً.
5 – خطر توطين اللاجئين الفلسطينيين، كائناً من كان الرابح في حرب غزة أو الخاسر، وتعثر “حل الدولتين”.
6 – الفساد المستشري في الدولة والمجتمع، وضرب مقوّمات الاقتصاد اللبناني وهويته المبنية على رؤية ليبرالية، مع تعميم اقتصاد أسود رديف يضرب الطبقة الوسطى ويدفع إلى هجرة متنامية.
7 – تأخير إنجاز الإصلاحات المالية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية بما يعيد الدولة مؤتمنة على حقوق المواطن والخير العام.
8 – إنهيار شبكات الحماية الإجتماعية.
9 – صعود التيارات المتطرفة التي تهدد المسيحيين والمسلمين وتغييب الإعتدال.
10 – تراجع الحضور المسيحي في القطاع العام.
11 – بيع الأراضي من قِبل المسحيين كعلامة لفقدان ثقتهم بهذا الوطن.
كما أفردت حيزاً لموضوع “الحاجة إلى التلاقي والشراكة”.
وختمت: “إنطلاقاً من هذه الحقائق الخطيرة، لا بد من أن يعي المسيحيون أهمية المحبة التي وفي الحالة المسيحية اللبنانية لا تقصي أحداً عنها، باعتبار أن الجميع مدعوون إلى أن يكونوا جزءاً منها في لقاء مصارحة ومصالحة وتضامن، لقاء يحمي الثوابت، خصوصاً وأن “لبنان ليس للمسيحيين والمسلمين”، بل هم المسيحيون والمسلمون للبنان تحت سقف الدستور والدولة السيّدة الحرة العادلة المستقلة. وفي ذلك يدرك الكل، الحاجة إلى الإصغاء المتبادل والتعبير عن الهواجس والتطلعات، في مسيرة تشاركية تُغلب الاخوة والسلام، فإذا لم يلتق المسيحيون وقادتهم، ومَعَهُم من ثم شركاؤهم في المواطنة، لإنقاذ لبنان، ليواجهوا معاً كل هذه الأخطار فمتى يجتمعون؟ ليس مطلوباً أن يجتمع المسيحيون أو غيرهم في بوتقة واحدة، ولا في ثنائيات مغلقة، بل المطلوب هو التشاور والوحدة حول الثوابت الوطنية وخير لبنان الأسمى، واستعادة الفاعلية المسيحية في المعادلة الوطنية، وفي أي مفاوضات مع الجهات الإقليمية والعالمية، ومن ثم وضع خطة استراتيجية للمستقبل، قابلة للنجاح تحافظ على هوية لبنان ودوره الحضاري، ووضع ميثاق شرف يحل أي إشكال داخل البيت الواحد بالحوار وبالحوار وحده، على أن يتوسع ميثاق الشرف ويشمل كل الأفرقاء اللبنانيين”.
لكن ماذا عن الحلول؟
أمام هذا الواقع طرحت الوثيقة عدداً من الحلول:
-العمل معاً على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، يطبّق الدستور، ويحقق السيادة، ويطلق مسار الإصلاحات، وضرورة النجاح في ذلك دون تأخير إذ لا تستقيم دولة بدون رأس مؤتمن على الشرعية والدستور .
-التمسك بالشرعية الوطنية الواردة في الدستور اللبناني كما في ثبات لبنان في هويته، هو العضو المؤسس في جامعة الدول العربية والأمم المتحدة وملتزم قراراتهما، ومواثيقهما، ومعاهداتهما بما يخدم أمنه القومي وأمان شعبه الإنساني، والعمل على عدم الانزلاق إلى خيارات لا تخدم لبنان وشعبه.
-توفير مقومات الصمود للشعب اللبناني، بما يوقف مسار الاستنزاف الكارثي والهجرة، خصوصاً لدى المسيحيين، لكن أيضا لدى شركائهم في المواطنة.
-تقديم خطة تعاف اقتصادية – مالية كاملة ومتكاملة من أجل إعادة إطلاق الدورة الاقتصادية والإنتاج في لبنان، وإعادة الحيوية لقطاعه المصرفي بما يؤمّن استرجاع المودعين أموالهم.
-تحييد لبنان وصولاً إلى حياده الإيجابي ضمن مسار دستوري قانوني واضح المعالم بالاستناد إلى الشراكة الميثاقية بين مكوناته.
- وضع السيادة الوطنية في حمى الجيش اللبناني والقوى العسكرية والأمنية الشرعية حصراً، مع تبني استراتيجية دفاعية واضحة، تكون الأمرة فيها بحسب الدستور والقوانين المرعية الإجراء.
-فك عزلة لبنان العربية والدولية وعدم تحميله وحده مشكلة الشرق الأوسط برمتها. - السعي لاستعادة دور لبنان الرائد في العالم العربي في بلورة قيم الحرية والعدالة، والجوار، وحقوق الإنسان، والمساواة، وإدارة التنوع، وبناء السلام، ودعم قضايا العدل بالاستناد إلى سياسة حياد ناشط.