![](https://akhbarkum-akhbarna.com/wp-content/uploads/2023/12/k-mahmood-original.jpg)
أخباركم – أخبارنا
قدم الدكتور كاوا محمود سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوردستاني ـ العراق باطار ندوة الابتكار النظري للحزب الشيوعي الصيني في مركز البحوث والدراسات بكين مشاركة جاء فيها:
يتميز الابتكار النظري للحزب الشيوعي الصيني ومن ضمنها التحديث الصيني النمط، بالاستمرارية والتواصل والشمولية، وبكونه خياراً منظماً وموجهاً من قبل الحزب، استناداً الى الماركسية، لا باعتبارها فكراً منجزاً ومعرفةً نهائيةً بل كمنهج علمي ومبادئ عامة اغتنت بالممارسة الثورية، وكأساس لفهم فلسفة التاريخ واستيعاب قوانين التطور الاجتماعي بعيداً عن الإرادية والنظرة الميكانيكية والجمود العقائدي.
كثيرة هي المقولات الواردة في أعمال المفكرين الماركسيين، والتي تؤكد على الاحتكام لسيرورة الحياة. فعلى سبيل المثال يشير انجلز بوضوح في مقدمة الطبعة السادسة للبيان الشيوعي، بعد 23 عاماً من اعلان البيان الشيوعي وعلى أثر تجربة كومونة باريس، الى “أن جزءاً من هذا البيان فد شاخ “، وينوه لينين بمقولة لاسال “الحياة خضراء والنظرية رمادية”.
وبتقديري يعد المدخل الابستمولوجي (المعرفي) المرتبط بالجدلية الماركسية أساساً اعتمد الحزب الشيوعي الصيني عليه مرشداً في رؤيته وتعامله مع الابتكار النظري في عمل الحزب والحوكمة وطرح المفاهيم الأساسية التي تتعلق بالأمن العالمي والتنمية العالمية المشتركة ومبادرة الحضارة العالمية التي طرحا الرفيق شي جينبينع في آذار الماضي. وضمن هذا المدخل المعرفي أرى بأن الابتكار النظري للحزب المسترشد بالجدلية الماركسية يستند الى ما يلي:
1ـ الربط الجدلي بين الابتكار في مجال النظرية والفكر عموماً وحركة التاريخ.
2ـ الابتكار في النظرية الثورية وتحديثها وهذا يعني تفسير الواقع، والنظرة النقدية للأمور، والسعي الى تجاوزه عبر التغيير.
3ـ الماركسية كمنهج للتفكير، وكأساس للابتكار النظري يعني معرفة الأمور والنظر اليها كما هي في قوانينها الموضوعية المستقلة وفي حركتها وتطورها وتأثيرها وعلاقاتها المتبادلة.
4ـ النجاح في الابتكار النظري يعني عدم التركيز على أحادية التناقض، ويعني تناول اللوحة السياسية الوطنية والعالمية بتشابكها وتعقيداتها.
5ـ الابتكار النظري يكون صحيحاَ بمقدار قدرته على التعبير عن حركة الواقع. وعكس الحقيقة الموضوعية.
ومن خلال هذا الفهم للابتكار النظري في سياسة الحزب الشيوعي الصيني يمكن عرض المواضيع المتعلقة بمفهوم الحداثة (modernity) والتحديث (modernization) والحركة الحداثية (modernism).
فاذا كانت الحداثة إشارة للخصائص الحضارية المتقدمة على الأصعدة الفكرية والعلمية والتكنولوجية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فأن التحديث يمثل العمليات التي من خلالها يتم الوصول الى هذا المستوى من التطور والتقدم، غيران أهم ما يميز التحديث الصيني، التلازم بين الإجراءات والعمليات اللازمة وبين التأصيل والبعد النظري والفكري لعملية التحديث.
وضمن هذه الوجهة فان الابتكار النظري للحزب الشيوعي الصيني، وما طرحه الحزب حول مفهوم التحديث الصيني النمط ومميزاته، يستند على جملة المفاهيم النظرية وخاصة بعد المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب، وما جرى تحقيقه من نجاحات في مجال سلسلة من الإجراءات الإستراتيجية، والممارسات المستحدَثة، وتحقيق التقدم الاختراقي، واحراز المنجزات العلمية، والصمود أمام اختبارات المخاطر والتحديات في مجالات السياسة والاقتصاد والأيديولوجيا والطبيعة وغيرها، وتحقيق تغييرات تاريخية، في المسيرة الجديدة لبناء دولة اشتراكية حديثة على نحو شامل، من خلال تأسيس أفكار الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، والتمسك بها وتطويرها وبلورة مجموعة من المفاهيم والأفكار والإستراتيجيات الجديدة حول إدارة شؤون الدولة، وفي مجال صيننة الماركسية وعصرنتها، وضمن تحديد التناقض الاجتماعي الرئيسي في الصين، وهو التناقض بين حاجة الشعب المتزايدة إلى حياة جميلة والتنمية غير المتوازنة ولا الكافية، ودفع كافة الأعمال بما يتمحور يشكل وثيق حول هذا التناقض الاجتماعي الرئيسي، والتواصل لإثراء وتطوير الأشكال الجديدة من الحضارات البشرية.
لقد أشار التقرير الصادر من المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني واجتماعات اللجنة المركزية للحزب ومنها الاجتماع الرابع للجنة المركزية لتعميق الإصلاح الشامل للجنة المركزية الـ20 للحزب الشيوعي الصيني عام 2024، الى جملة من المفاهيم الفكرية التي تندرج ضمن وجهة الابتكار النظري، وسأركز في هذه المداخلة على مسألة الترابط والتعامل بين التحديث الصيني النمط وبين التسريع في إنشاء نمط تنموي جديد وتركيز الجهود على دفع التنمية العالية الجودة.
لقد أشار التقرير السياسي للمؤتمر العشرين للحزب الى جوهر التحديث الصيني النمط الذي يركز على التمسك بقيادة الحزب الشيوعي الصيني والاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وتحقيق التنمية العالية الجودة، وتطوير الديمقراطية الشعبية، وإثراء محتوى العام الداخلي للشعب، وتحقيق الرخاء المشترك لأبناء الشعب كافة، وتعزيز التعايش المتناغم بين الإنسان والطبيعة، والمضي قُدما في بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، وخلق شكل جديد من الحضارة البشرية. وأشار التقرير أيضا الى تسريع انشاء النمط التنموي الجديد عبر التركيز على بناء نظام اقتصاد سوق اشتراكي رفيع المستوى وبناء نظام صناعي حديث ودفع عملية النهوض بالأرياف قُدما على نحو شامل وتعزيز التنمية الإقليمية المنسقة والدفع قُدما بالانفتاح العالي المستوى على الخارج.
وتتطلب النمط التنموي الجديد تنفيذ إستراتيجية “النهوض بالوطن من خلال العلوم والتعليم” وتقوية الدعم بالأكفاء لبناء التحديثات، وتحسين منظومة الابتكار العلمي والتكنولوجي، وتسريع تنفيذ إستراتيجية التنمية المدفوعة بالابتكار.
ولكي يتكامل مضمون الترابط بين هذين الموضوعين لابد من الإشارة الى مفاهيم نظرية جديدة طرحها الرفيق شي جينبينغ بعد المؤتمر العشرين، وخاصة ما يتعلق بضمان التنمية عالية الجودة والتركيز بان عام 2024 هو عام مهم آخر لتعميق الإصلاح بشكل شامل، كما أشار الرفيق شي جيمبينغ الى “إن تطوير قوى إنتاجية جديدة هو المطلب الجوهري ومحور مهم لتعزيز التنمية عالية الجودة، وإنه من الضروري مواصلة الابتكار بشكل جيد لتسريع تطوير قوى إنتاجية جديدة”.
ان الاشارة الى القوى الإنتاجية الجديدة التي بإمكانها مواكبة التطورات الجارية في وسائل الإنتاج الحديثة حيث الابتكارات العلمية المتنوعة في المجالات الرقمية وفي مجال الذكاء الاصطناعي، ودراسة الترابط بين قوى الإنتاج ووسائل الإنتاج تعني بان المجتمع البشري في منعطف جديد يتعلق بمفهوم علاقات الإنتاج المنبثقة عن العلاقة بين قوى الإنتاج ووسائل الانتاج على الصعيد العالمي، ولاشك بأن مفهوم علاقات الإنتاج الجديدة التي تحصل على الصعيد العالمي بسبب تأثير وسائل الإنتاج الجديدة حيث الذكاء الاصطناعي والاتمتة فائقة التطور على قوى الإنتاج الجديدة المختلفة عن قوى الإنتاج التقليدية المشاركة في النشاط الاقتصادي الحالي في ظل النظام الرأسمالي قد تشكل مجالاً جديدا للتراكم الرأسمالي من جهة واتساع الهوة بين الفقراء والاغنياء وفشل عمليات التنمية التي تعتمد على التبعية والابتعاد عن الإرادة المستقلة فيها، وتنعكس من ناحية أخرى على استمرار الأوساط الرأسمالية المعاصرة في تعاملها بالسياسة الدولية وفق المفهوم الصفري والقطبية الواحدة.
وفي الجهة الأخرى فان علاقات الإنتاج الجديدة التي تنبثق في مسيرة بناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية نتيجة العلاقة الجديدة بين متطلبات التنمية عالية الجودة والقوى الإنتاجية الجديدة تشكل مادة نظرية جديدة للاستمرار في بلورة علاقات إنتاجية اشتراكية جيدة. فالقوى الإنتاجية الجديدة في ظل بناء الاشتراكية تعني إنتاجية متقدمة متحررة من نمط النمو الاقتصادي التقليدي ومسارات التنمية الإنتاجية التقليدية، كما أن هذه القوى الإنتاجية تتميز بالتكنولوجيا الفائقة والكفاءة العالية والجودة العالية، وتتوافق مع فلسفة التنمية البديلة للنمو والتراكم الرأسمالي.
اننا نشهد في الوقت الحاضر منعطفا جديدا في تغيير نوعي في علاقات الإنتاج على الصعيد العالمي، وهي عملية مستمرة غير مكتملة، سبق أن أشار اليها ماركس في البيان الشيوعي حيث كتب: كل العلاقات الاجتماعية التقليدية الجامدة وما يحيط بها من مواكب المعتقدات والأفكار التي كانت قديما محترمة ومقدسة تنحل وتندثر، أما التي تحل محلها فتشيخ ويتقادم عهدها قبل أن يصلب عودها. وكل ما كان تقليديا ثابتا يطير ويتبدد كالدخان، وكل ما كان مقدسا يعامل باحتقار وازدراء ويضطر الناس في النهاية الى النظر لظروف معيشتهم وعلاقاتهم المتبادلة بعيون يقظة لا تغشاها الأوهام.
وهكذا فان كل ما هو صلب يتحول الى شيء أثيري أو يتبخر، حسب ما أشار اليه مارشال بيرمان حول الماركسية والحداثة.
وبتصوري ان بلورة علاقات انتاج جديدة وفق مفهوم بناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد وفق توجهات التقرير السياسي للمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني والمؤشرات الواردة فيه عملية في طور النمو، سيكون صفحة جديدة للابتكار النظري للحزب الشيوعي الصيني، آخذا بنظر الاعتبار ما أشار اليه المؤتمر العشرين بأن تحديد التناقض الاجتماعي الرئيسي في الصين، وهو التناقض بين حاجة الشعب المتزايدة إلى حياة جميلة والتنمية غير المتوازنة ولا الكافية، ودفع كافة الأعمال بما يتمحور يشكل وثيق حول هذا التناقض الاجتماعي الرئيسي. ان الاهتمام بهذا الموضوع النظري يؤكد كفاءة الماركسية والنجاح الذي حققه الحزب الشيوعي الصيني في مسيرة صيننتها وعصرنتها.
وبتصوري ان التطور الكبير في وسائل الانتاج الجديدة والتي تتطلب قوى انتاجية جديدة يفضي الى نشوء علاقات انتاج جديدة وهي مادة جديرة بالبحث النظري لدى الأحزاب الشيوعية العالمية، فنحن الآن لسنا في مسرحية في انتظار Gudot لصاموئيل بيكت، بل في عشية انتظار علاقات انتاج جديدة.