![](https://akhbarkum-akhbarna.com/wp-content/uploads/2024/06/facebook_1717322194822_7202971351034321926-1.jpg)
خاص بـ”أخباركم أخبارنا”:
عمت موجة من استياء كبير لدى الرأي العام المغربي هذا الأسبوع، إثر بث حلقة من برنامج سياسي على قناة LCI الفرنسية الرسمية، (مساء الخميس الأخير 30-05-2024)، جرت فيه استضافة عن بعد لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي قام أثناء تدخله بعرض لخريطة للوطن العربي مبتورة منها الأقاليم الجنوبية للمغرب، وهي المنطقة المتنازع عليها منذ قرابة نصف قرن بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة بشكل قوي من الجارة الجزائر. ومن المعلوم أن موضوع استكمال الوحدة الترابية للمغرب، يشكل قضية مركزية وملفا مغربيا ذا أولية قصوى لدى المغاربة، بل يعتبر بمثابة المنظار الذي ينظر من خلاله المغرب إلى العالم، كما ورد في خطاب ملكي لمحمد السادس.
وقد تم تفسير حركة نتنياهو بكونها “استفزازا متعمدا وابتزازا سياسيا إسرائيليا للمغرب” بكل مكوناته (ملكا وحكومة وشعبا)، حركة تتناقض مع اعتراف إسرائيل بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، وفق ما تضمنته رسالة من نتنياهو نفسه إلى الملك محمد السادس، قبل ما يزيد قليلا عن سنة. دون أن ننسى بأن التحاق الرباط بالموقعين على ما يسمى بـ”اتفاقات ابراهام” والتطبيع العربي مع تل أبيب، جاء نتيجة مقايضة سياسية واضحة، اكتملت فصولها برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في آخر أيام ولايته (ديسمبر 2020). تطبيع مقابله اعتراف إسرائيل بالسيادة الكاملة للمغرب على الصحراء الغربية.
وبالرغم من بيان الاعتذار السريع الذي صدر عن مكتب نتنياهو، والذي قال بأن “الخريطة المبتورة” كانت “خطأ غير مقصود”، وأنها مجرد “خطأ فني”، فإن حملة واسعة عكستها وسائل التواصل الاجتماعي طالب فيها مغاربة بعدم الاستجابة للاعتذار الإسرائيلي وقطع العلاقات مع تل أبيب. ورأى كثيرون أن استخدام نتنياهو لخريطة المغرب غير الكاملة يشكل تجاهلاً صارخاً لسلامة أراضي المغرب. مشيرين إلى أن توقيت إشهار “خريطة نتنياهو” الاستفزازية، تزامن مع تصريحات المغرب المتكررة التي تردد الإدانة والرفض للاعتداءات الإسرائيلية السافرة والوحشية التي تستهدف المدنيين في غزة، وآخر تلك التصريحات تم التعبير عنه في الأسبوع الماضي، خلال الاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني العربي، الذي وصفت فيه الرباط قرار إسبانيا وإيرلندا والنرويج بالاعتراف بدولة فلسطين بأنه “خطوة مهمة”.
لم تكن هذه هي المرة الأولى، إذ سبق أن ظهر نتنياهو في لقطة تلفزيونية في مكتبه تزين جداره الخريطة المبتورة نفسها، بعد التطبيع مباشرة، وتبع ذلك أيضا اعتذار مماثل للاعتذار الأخير.
لا يجب التعامل مع احتجاجات المواطنين المغاربة الداعية لقطع العلاقات مع إسرائيل فقط بسبب الخريطة التي تظهر الصحراء الغربية كإقليم منفصل عن المغرب، ولكن أساسا بسبب عدوانها المستمر ومجازرها الوحشية التي تستهدف المدنيين الفلسطينيين. فشوارع الرباط والدار البيضاء وفاس ومراكش وطنجة وباقي مدن البلاد، تشهد بانتظام مظاهرات شعبية حاشدة يقبل عليها مئات الآلاف من المتظاهرين المضامنين مع الفلسطينيين، الذين يهتفون ضد العمليات العسكرية في غزة، وفي نفس الوقت يطالبون بـ”تجريم التطبيع” مع الكيان الصهيوني.
إلى حدود اليوم، فشل الموساد الإسرائيلي في تحقيق عملية استقطاب كبرى وواسعة وحقيقية لاختراق الجبهة المغربية المناهضة للتطبيع، أو اكتساب أعداد مميزة من مؤيدين للتطبيع مجاهرة وبصراحة. بالرغم من ذلك فإن الموساد لا يبتعد كثيرا عن المغرب، ومن آخر أخباره محاولة ممارسة ضغوط وتهديدات على قاضية من قضاة المحكمة الجنائية الدولية، وهي القاضية فاتو بنسودة من غامبيا. لكن الموساد اختارت النيل منها عبر زوجها المغربي. فقد كشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية بعض تفاصيل عملية التهديد، كيف يحاول الموساد دفع المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودة إلى التراجع والتخلي عن تحقيقها في جرائم الحرب المرتكبة في فلسطين. ومما جاء في تقرير “الغارديان”، (عدد يوم الثلاثاء 28-05-2024) أن يوسي كوهين، وهو كما وصف “جاسوس محترف” معروف جيدًا داخل المخابرات الإسرائيلية باعتباره “مجندًا فعالًا للعملاء الأجانب”، كان وراء التهديدات الموجهة ضد فاتو بنسودة، خلال ولايتها كمدعية عامة للمحكمة الجنائية الدولية، من 2012 إلى 2021. وفي إطار سلسلة لقاءات سرية طالبها الموساد بالتخلي عن التحقيق في جرائم الحرب المرتكبة في فلسطين. وقال كوهين، الذي شغل منصب رئيس وكالة المخابرات الخارجية الإسرائيلية من عام 2013 إلى عام 2021، أن التهديد كان مباشرا: “ليس من مصلحتك الانخراط في أشياء يمكن أن تعرض أمنك أو أمن أسرتك للخطر”.
وقد سمحت المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيقات في الهجمات الإسرائيلية التي وقعت منذ 13 يونيو 2014 في قطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. لتضاف هذه الاستنتاجات اليوم إلى ملف “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023، مما دفع كريم خان، من خلف القاضية فاتو بنسودة، إلى طلب أوامر اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت. مع استدعاء ثلاثة من قادة الحركة الفلسطينية “حماس”.
وفي سياق التحقيقات الجارية آنذاك، كان الموساد سيحقق مع أفراد عائلة المدعي العام. ويُزعم أيضًا أنه حصل على تسجيلات سرية لزوجها، رجل الأعمال المغربي الأصل، يهودي الديانة وإسرائيلي الجنسية فيليب بنسودة، الذي يتحدر والداه من مدينة فاس. وللإشارة، فقد سبق أن فاز السيد بنسودة بمناقصة تبلغ قيمتها 12 مليار فرنك إفريقي لتنفيذ بناء مشروع وحدات سكنية اجتماعية في كوديفوار (ساحل العاج)، ومعروف عن زوج القاضية فاتو صداقته مع رئيس الجمهورية الحسن واتارا.
في سياق متصل قال مصدر إسرائيلي ثان لصحيفة “الغارديان” إن الهدف كان تعريض القاضية للخطر، أو تجنيدها كمتعاونة مع الجانب الإسرائيلي.
وتذكر صحيفة “الغارديان” أيضًا أن يوسي كوهين، المقرب جدًا من رئيس الوزراء، تم تعيينه مديرًا للموساد في عام 2016. وبصفته رئيسًا لمجلس الأمن القومي، في السابق، “أشرف على الهيئة التي، وفقًا لعدة مصادر، بدأت بتنسيق جهد متعدد الوكالات ضد إسرائيل”. بمجرد أن فتحت قاضية المحكمة الجنائية الدولية بنسودة التحقيق الأولي.
وقال مصدر ثالث إن كوهين كان “المبعوث غير الرسمي” لنتنياهو. وأكد أربعة آخرون لصحيفة “الغارديان” أن فاتو بنسودة أبلغت كبار مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية بمناورات المسؤول السابق، بالنظر إلى الطبيعة المستمرة والمهددة بشكل متزايد لهذه المواقف.
من جانبه، أسر صديق مقرب من دائرة يوسي أن الرجل لجأ إلى “تكتيكات خسيسة” ضد بنسودة، في محاولة يائسة للترهيب والتأثير. كما حذر خليفة المدعي العام من أنه مستعد لاتخاذ إجراءات قانونية ضد أي طرف متورط في “محاولات عرقلة أو تخويف أو التأثير بشكل غير لائق” على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية.
وكانت عائلة القاضية بنسودة، قد عانت في عام 2017 بعد مقتل ابنها بالرصاص في قضية مخدرات بالولايات المتحدة، وشكل الحادث المأساوي مسألة محرجة للغاية بالنسبة لوالدته فاتو بنسودة، أضر بصورة ومصداقية عملها كقاضية بالمحكمة الجنائية الدولية، مما أدى بها إلى المطالبة بعدم الكشف عن هوية القتيل، الذي هو ابنها جورج بنسودة (33 عاما). غير أن إصرار الصحافة الأمريكية دفع القضاء إلى رفع السرية عن الملف والإعلان عن هوية الضحية.