![](https://akhbarkum-akhbarna.com/wp-content/uploads/2023/05/4945-800x500.jpg)
كتب باسل عيد
الدولار الجمركي اكل ثبات العملة الخضراء بعدما استبشر اللبنانيون خيراً منذ قرابة الشهرين، اثر تراجع سعر الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية، والذي وصل حينها الى مستوى غير مسبوق في تاريخ لبنان بلغ حدود ال 140 ألف ليرة للدولار الواحد، ليتراجع بعد ذلك تباعاً ويستقر عند حدود ال 95 الفاً من دون تغيير يذكر في سعر الصرف.
ولعل أكثر الايجابيات التي لمسها الشعب في تراجع الدولار واستقراره (بالرغم من أن سعره الحالي لا يزال يعد انهياراً مالياً كبيراً لليرة) كان التراجع الكبير الملحوظ في اسعار المحروقات على انواعها، والتي لا تزال تشهد انخفاضاً يومياً بفعل تراجع اسعارها عالمياً. أضف الى ذلك قرار وزارة الاقتصاد السماح للمتاجر والسوبرماركت بتسعير بضائعها بالدولار الاميركي، مما جعل أصحاب المداخيل بالعملة الوطنية يتنفسون بعض الشيء على إثر ثبات سعر العملة الخضراء.
ومع انتهاء شهر رمضان، الذي شهد “صورخة” في اسعار السلع الغذائية، لا سيما الخضروات، عادت تلك الاسعار الى حدود المعقول بنسب بلغت اكثر من نصف ما كانت عليه خلال الشهر الكريم. فالحشائش على انواعها، والتي تراوحت اسعارها ما بين 30 – 75 الفاً، اصبحت اليوم تتراوح ما بين 10 – 40. والبصل الذي بلغ حد ال100 الف يباع اليوم بقرابة ال50 الفاً، والبطاطا التي بلغ الكيلوغرام الواحد منها 60 الفاً في رمضان، بات يباع ب 30 الفاً، وهكذا دواليك.
أما بالنسبة الى باقي الاصناف اليوم، فيا فرحة ما تمت. ففرحة ذوي الدخل المحدود ومن يقبضون رواتبهم بالليرة، باستقرار الدولار، لم تكتمل. إذ جاء رفع الدولار الجمركي من 45 الى 60 ومؤخراً الى 86 الف ليرة، بحسب منصة صيرفة، ليشكل ضربة اضافية للجيوب الخاوية أصلاً، وما تبع ذلك من ارتفاع ملحوظ في اسعار كثيرة من السلع على رفوف المتاجر. ولاحظ المستهلكون ارتفاعاً في الاسعار بالدولار على معظم المنتجات. فعلبة جبنة المثلثات (نوع غير معروف وليس بيكون) كان سعرها على سبيل المثال قبل الارتفاع الاخير للدولار الجمركي 0.60 دولار، واليوم 0.70، علبة الفطر المقطع (اي ماركة غير معروفة) كانت 0.60 واصبحت 0.70. كيلو اللبنة من صنف معين كان 2.5 دولار واليوم الصنف ذاته اصبح 2.7. كيس محارم كبير (صنف سيء) كان ب 4.5 دولارات، واليوم، بعد السعر الاخير للدولار الجمركي اصبح ب 5.
هذا غيض من فيض، وبعض الامثلة عن اسعار سلع لا تتعدى اصابع اليد. فما بالكم بباقي الاصناف التي أدى رفع اسعارها الى مزيد من تراجع القدرة الشرائية للمواطن اللبناني؟ حتى اسعار اللحوم، فقد نالها المزيد من الارتفاع بفعل رفع الدولار الجمركي. ففي عز رمضان، كان سعر كيلو لحم العجل لا يتعدى 950 الف ليرة، بينما وصل اليوم الى حدود المليون ومئة الف ليرة، وقس على ذلك مشتقات اللحوم الاخرى.
نحن نتحدث عن السلع الاساسية التي يحتاجها المواطن في حياته اليومية، وتحديداً الغذاء من مأكل ومشرب وادوات تنظيف على انواعها، وغيرها من الحاجيات الضرورية للأسرة. ولم نذكر السلع التي يمكن للمرء الاستغناء عنها والتي نالها ما نالها من ارتفاع ملحوظ في اسعارها نتيجة رفع الدولار الجمركي، غير الثابت، والمتوقع ان يرتفع في المستقبل.
ومع إصدار القضاء الفرنسي مذكرة توقيف في حق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بات السؤال اليوم: هل سيؤثر ذلك على سعر صرف الدولار في مقابل الليرة في المستقبل القريب، وهل سيكون لهذا القرار تداعيات على وضع الليرة، المنهارة أصلاً، وبالتالي المزيد من الاعباء على كاهل اللبنانيين الذي لم يعودوا يطيقون ذرعاً بما وصلت بهم احوالهم في هذا البلد؟
الحمل أصبح ثقيلاً جداً، الى حد لم يعد يطاق. وحال معظم اللبنانيين، لا سيما اصحاب الدخل المحدود ومن يتقاضون رواتبهم بالليرة، أي موظفي القطاع العام الذين لم يقبضوا الزيادة التي اقرتها الحكومة حتى الآن، وهي زيادة هزيلة أصلاً قد تتبخر في حال عودة سعر الدولار الى الارتفاع. هؤلاء وصل بهم الامر الى حد اعلان افلاسهم في اول ثلث من الشهر، فيعيشون باقي أيامه وفق اختبار المعنى الحقيقي للحاجة والفقر.
وفي غياب حس مسؤول وضمير واع من قبل من يتحكمون بمفاصل البلد، أقله لجهة انتخاب رئيس للجمهورية ووضع الاصلاحات الاقتصادية على سكتها الصحيحة واتباع سياسة المحاسبة لكل مرتكب، ستبقى الامور على ما هي عليه، او ربما ستتجه نحو الأسوأ، والخاسر الأوحد هو الشعب المسكين الذي لا سبيل لديه سوى الرضى بحكم المسؤولين عليه.