![البطريرك مار بشارة بطرس الراعي](https://akhbarkum-akhbarna.com/wp-content/uploads/2023/05/2200b865-48f4-4c85-b1e0-aa10e384270f-800x500.jpg)
كتب جورج حايك: ارتاح البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لتقاطع الكتل النيابية المسيحية الأساسية على إسم المرشّح جهاد أزعور، وهذا ما يبدو واضحاً من خلال جولته الفاتيكانية الفرنسية وعظاته التي حمّلها أكثر من تلميح بأنه يرى أزعور مرشّحاً توافقياً لا على طريقة “غالب ومغلوب”.
بدأت مهمة البطريرك الراعي في المعركة الرئاسية منذ دعوته إلى القوى السياسية المسيحية الأساسية للاتفاق على إسم مرشّح واحد، وقد حاول جمعها في بكركي تحت جناحية إلا أنه فشل بذلك بسبب الثقة المفقودة بينها. إلا أنه لم ييأس، واقتنع أخيراً بأن يترك لها حرية اختيار الآلية التي تراها مناسبة للاتفاق رئاسياً، فما يهمّه هو الوصول إلى هدفه، أي توحّد رؤية هذه القوى حول الرئيس العتيد. وكانت بكركي قد اوفدت رئيس اساقفة بيروت المطران بولس عبد الساتر للتشاور مع الامين العام لحزب الله حسن نصر الله، وسيستكمل ذلك مع رئيس مجلس النواب نبيه بري.
إذاً البحث عن الآلية كان ضرورياً كي لا تشعر أي قوى أنها تنازلت للأخرى، وهذا ما حصل وخصوصاً بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، فرئيس التيار جبران باسيل كان يرغب بلقاء رئيس حزب “القوات” سمير جعجع الذي رفض ذلك بسبب انعدام الثقة به وخوفه من استثمار باسيل لهذا اللقاء في بازار التفاوض مع “حزب الله”، إضافة إلى ان جعجع ابدى حرصاً على عدم تشتت قوى المعارضة نتيجة أي لقاء مع باسيل، وهكذا حصل تقاطع بين قوى المعارضة على تنوّعها مع “التيار” وترشيح جهاد ازعور الذي يملك مواصفات الرئيس المعتدل أو الوفاقي إذا صحّ التعبير، وله صدقيته كرجل اكاديمي واصلاحي عربياً ودولياً، وهذا ما يحتاج اليه لبنان حالياً للنهوض من كبوته الاقتصادية والمالية الكبيرة.
يؤمن البطريرك الراعي بقدرات أزعور الذي تنسجم مبادئه مع مبادئ بكركي، ويرى فيه فرصة لا تفوّت لفتح أبواب مجلس النواب أمام انتخابات ديموقراطية حقيقية اشتاق اليها الشعب اللبناني، إلا أنه اصطدم بموقف الثنائي الشيعي المتصلّب. فالراعي يعرف ان الثنائي يريد سليمان فرنجية، وهذا حقّه، إلا أنه لا يحق له ابقاء ابواب مجلس النواب مغلقة. علماً أن الراعي بات متوجساً من تمسّك الثنائي الشيعي بفرنجية ورفض المسيحيين المطلق له. من هنا جاءت زيارته إلى الفاتيكان ثم فرنسا ولقائه مع الرئيس ايمانويل ماكرون للبحث في نيات فرنسا وترشيحها لفرنجية، ورأيها بأزعور والحلول المقترحة لحل الأزمة الرئاسية.
في المحطة الأولى في الفاتيكان، لمس البطريرك الراعي تأييداً كاملاً لأزعور، مع مباركة الكرسي الرسولي وارتياحه لتوحّد القوى السياسية المسيحية حول مرشّح واحد، ونال الراعي دعماً كبيراً لخلق دينامية انتخابية فور عودته إلى لبنان. أما المحطة الثانية في فرنسا فقد جاءت مكمّلة للأولى، إذ سمع البطريرك كلاماً صريحاً من ماكرون بأنه ليس مع أي مرشّح يتحدى الإرادة المسيحية، وبالتالي كان اعترافاً ضمنياً بأن فرنسا لم تعد متمسكة بفرنجية، بل باتت تعلم بأن حظوظه اقتربت من “الصفر”، أو على الأقل، نال الراعي دعماً فرنسياً لجهوده في لبنان الهادفة إلى حث الرئيس نبيه بري لفتح ابواب المجلس امام جلسة انتخابية منتجة من دون تعطيل.
حتماً مهمة سيد بكركي لن تكون سهلة، وهو سيبدأ سلسلة لقاءات مع بري و”حزب الله” محاولاً إقناعهم بأزعور كمرشّح توافقي، فالبطريرك ضد شعارات التحدي، بل يؤمن منذ بداية انتخابه بطريركاً بشعار الشراكة والمحبة، وهو يعرف أنه لا أمل بخروج لبنان من أزماته إلا بهذه المعادلة.
لكن قد تكون حسابات الثنائي الشيعي أبعد من ذلك، بانتظار المفاوضات الأميركية-الايرانية، إذ لا يجد “الحزب” مصلحة بالتفريط بأي ورقة من دون مكتسبات حقيقية. علماً ان البطريرك لا يحبّذ هذه السياسة، لأن مصلحة لبنان والشعب اللبناني تقتضي أن تنزل كل القوى السياسية اللبنانية عن الشجرة.
سيحاور البطريرك بري بمنطق الدستور والحق، وحتماً الفاتيكان وفرنسا سيواكبانه لتطرية الأجواء، وخصوصاً ان الحاجة اصبحت ماسّة لإنتخاب رئيس جمهورية يعيد إلى لبنان استقراره السياسي، لذا سيشهد هذا الأسبوع حركة اتصالات سياسية كثيفة، إلا أننا لا نستطيع أن نبالغ في التفاؤل، إذ ليس سهلاً للثنائي الشيعي أن يتخلى عن مرشحه فرنجية، وربما إذا قبل بالتنازل سيكون لمصلحة مرشّح ثالث لا أزعور. وهنا سنكون أمام مشهد سياسي آخر ستُرسم ملامحه وفق هوية الرئيس العتيد، إلا أن الأهم بالنسبة إلى البطريرك الراعي أن يقتنع الثنائي الشيعي بأنه لا يمكن فرض رئيس ضد إرادة المسيحيين. ويبقى السؤال: هل يشهد لبنان انتخابات رئاسية خلال شهر حزيران؟ كل انطباعات المسؤولين السياسيين تشير إلى أنه إذا مرّ حزيران من دون انتخاب رئيس، فإن الشغور الرئاسي سيستمر طويلاً!