كتب ميشال ن. أبو نجم: جرت مياه كثيرة بين الهجمة الفرنسية الأولى في اتجاه المرمى الرئاسي اللبناني، وما رافقها من حضور “البيزنس” ورجال الأعمال في فرنسا وفي ظلال الإليزيه، وبين الواقعية في الهجمة الحَذِرة الثانية، والتي باتت أكثر عقلانية وهدوءاً مما كان عليه الجموح الفرنسي في دعم فرنجية وتجييش كل عوامل الدعم للثنائية الشيعية.
كان ذلك قبل أن تفاجئهم القوى الممثلة للشارع المسيحي …
عادت فرنسا خطوة إلى الوراء، فانزاح الضغط عن القوى المعارضة لمنطق الفرض الرئاسي. أساساً جلسة 14 حزيران بالتباسات ترجمة كل فريق لمعانيها، شكلت محطة ليثبت فيها كل فريق قوته التمثيلية. لا يتراجع معارضو فرض فرنجية قيد أنملة، ولا يتخلى “الحزب” عن المنطق الإنتصاري بعد نيل ال51 صوتاً لمرشحه. وما بين هذين التشددين، دعوات غامضة إلى الحوار من دون ترجمته في شكلٍ عملي، ومع تساؤلات كثيرة حول ركائزه السياسية.
هذا المشهد منح التيار الوطني الحر وقيادته دفعاً قوياً لإطلاق مواقف واضحة من قبل رئيسه جبران باسيل، عبّر فيها عن زيادة تمسكه بطروحاته ولا سيما خارطة الأولويات الرئاسية والتفاهم على البرنامج ومقاربات الإنقاذ من الأزمة. ذلك أن منطق “إدارة الأزمة” ليس ملائماً لمعالجة أخطر أزمة يمّر بها لبنان. لا بل أن قوة منطق “التيار” تتزايد مع استمرار التواصل بين “التيار” و”القوات” ونواب “تغييريين”، تتركز خاصة على وضع بنود إنقاذية لولاية الرئيس العتيد، وكيفية مواجهة هذا الإستهتار من قبل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بحسب ما أوضحت مصادر من تكتل “لبنان القوي” لـ”أخباركم اخبارنا”.
لذلك كان من الطبيعي أن يمنح ذلك جبران باسيل مزيداً من التمسك بالتعبير عن موقف “التيار” الواضح من مواجهة الأزمة، بما فيها “ستاتيكو” انتخاب رئيس للجمهورية. وفي زيارة لباسيل في منزله استمرت ساعة وربع ساعة، سمع خلالها رئيس “التيار” من لودريان انه في ضوء أزمة الرئاسة لا بدّ من البحث عن حلول جديدة، وأن مرحلة طُويت ومرحلة جديدة بدأت، وأن فرنسا لا تملك حلولاً معلبة ولا اجوبة مسبقة.
وأشارت مصادر واكبت زيارة لودريان للبياضة، إلى أن وجهة نظر باسيل تقاطعت مع رأي لودريان، لجهة أن الرئيس المنتظر لا يمكن أن يكون إلا نتاج حوار لبناني- لبناني. وقد شرح باسيل وجهة نظره التي تقوم على ضرورة التحاور بين جميع المكونات اللبنانية للتوافق على اسم الرئيس وعلى الخطوط العريضة لبرنامج تنفذه طبعاً الحكومة، والذي على أساسه يتم طلب الدعم الخارجي. ولفت باسيل الى أن الرئيس لا يمكن له أن ينجح ما لم يحظَ بدعم داخلي واسع إن لم يكن شاملاً، بدليل ما جرى من إفشال متعمد لعهد الرئيس ميشال عون نتيجة مواقف قوى فاعلة في الدولة عارضت مجيئه من الاساس وتوعدت بإفشاله.
هناك أسباب أخرى لارتياح باسيل و”التيار الوطني”. ذلك أن المواقف التي يعبّر عنها “التيار” في شكل شبه يومي، تضعه على تقاطع لبناني كبير، في المبادئ الداخلية والموقف من القوى الإقليمية المعنية.
فالبنود التي دعا إليها باسيل للتلاقي حولها، لا تعكس مقاربة فئوية بقدر ما تعبر عن مساحة مشتركة واسعة جداً للتلاقي مع أحزاب وشخصيات لبنانية حولها، في خارطة الطريق والأولويات ووضع برنامج إنقاذي، شرط الإلتزام بداية بالشراكة والميثاقية والتوازن ونبذ منطق الفرض والوعيد. وكما في التقاطع على مرشح في مواجهة فرنجية، يُمكنُ هذا التقاطع أن يتطور مع أحزاب المعارضة ونوابها إلى وضع تصور متوافق عليه حول أولويات الرئاسة والبرنامج الإنقاذي المطلوب.
إنها راحة من نوع الإطمئنان إلى أن ذاتية قرار التيار الوطني الحر، وعلاقاته الإنفتاحية يميناً ويساراً، هما ما سيقودان في النهاية إلى توثيق المساحات المشتركة وعودة الأفرقاء الداخليين والخارجيين إلى مواقف “التيار” وباسيل تجاه الرئاسة، وما هو أبعد منها…