كتب زياد ا. يممين: مطمئن هو الرئيس بوتن لجاهزية جيشه وهو سيعبئ ٥٠٠ الف عنصر إضافي لإشراكهم في المواجهة الطويلة مع الولايات المتحدة في شرق أوروبا فعقيدة روسيا الاتحادية الجديدة تهدف للوصول إلى ١،٣ مليون جندي نظامي-محترف و هو اي بوتن تجنب استعمال قوته المفرطة لحسم الحرب سريعا محتفظا بها لمواجهة مباشرة مع حلف الناتو لتزايد احتمالات حدوثها يوما بعد آخر و لهذا السبب لم يشرك في هجومه الأول على كييف إلا زهاء ١١٠ آلاف جندي غير كافين ابدا لإخضاع دولة كبيرة بمساحة ٦٠٣ آلاف كم٢ كأوكرانيا لأن هدفه الاساسي كان إجبار الغرب على دفع زلنسكي لتطبيق اتفاقيتي منسك ١ و ٢ و إعلان حياد اوكرانيا العسكري الكلي، أما وأن هذا الهدف لم يتحقق فنجد بأن موسكو قد تخطته لصالح غنيمة أكبر بكثير تتمثل بكسر هيمنة الغرب الجماعي المطلقة نهائيا على الساحة الدولية بقيادة واشنطن، لذا فهي نشرت قواتها في روسيا البيضاء مدعمة بأسلحة نووية لتدمير و إحباط اي تدخل اطلسي في غربي اوكرانيا حالة حصوله ، فاستخبارات روسيا ال FSB تدرك جيدا بأن جيش كييف انتهى بنسبته الأكبر و الأقوى أما الباقي فبدأ يتفكك معنويا و قيادة ، إداريا و لوجستيا بعد فضائح الهروب من الجندية و إقالة وزير الدفاع رزنيكوف و انتقادات كبار الجنرالات لأساليب و تكتيكات إدارة العمليات الهجومية و هذا التفكك و الهريان سيزيد مع مرور الوقت ما يحدونا لاستقراء سياسة موسكو المستجدة التي تبنى على ثلاث فواعل متشابكة مع بعضها البعض قد تصح ام لا منفردة ام مجتمعة لكن الثابت أن روسيا هي التي تدير الصراع حاليا مع الغرب وفقا لهواها و الذي يملك زمام المبادرة في العلم العسكري المعاصر هو المنتصر بشكل ام بآخر و لو بعد حين ( ليس بالضرورة أن توقع اوكرانيا و من خلفها الولايات المتحدة وثيقة استسلام خطية كما كان يحصل في الماضي الغابر ) و هذه الفواعل ال ٣ هي :
الأول ، تبدو للمحللين بان أكثرية الاوكران تتقبل فكرة الحياد القانوني – الدائم بعد الخسائر التي عانوا وسيعانون منها في بناهم التحتية العسكرية و بسبب هجرة أكثر من ثلثهم إلى الخارج و بوجود نظام قمعي – بوليسي في كييف لا يكترث ابدا لل ٥٥٠ الف جندي الذين قتلوا وسقطوا في المعركة عدا عن عشرات آلاف المعوقين جسديا و نفسيا فإن مسألة سقوط هذا النظام إن عاجلا بانتفاضة ام في انتخابات العام المقبل ستصبح الأكثر منطقية .
الثاني، الصيرورة ذاتها ستحصل مع قيادات دول أوروبا الكبرى و بالأخص ألمانيا و فرنسا (بدات فعلا مع بلغاريا و سلوفاكيا و موقف المجر معروف منذ بداية الأزمة) فإما أن تتخذ حكوماتها قرارات عاجلة بوقف إمداد كييف بالسلاح و الذخيرة و الأهم قرارا بالقطع النهائي عن صرف أموال خزائنها لتمويل حرب خسرتها و أثقلت كاهل المواطن الأوروبي العادي ( إجراءات فرض ضريبة على أصول المصرف المركزي الروسي المقدرة ب ٢٠٠ بليارد $ هي دليل حاسم على عجزها عن مجاراة الكرملين في حربها معه )، و إما فإن الانتخابات المقبلة في هذه الدول ستأتي بسلطات هي الأكثر يمينية و تشددا منذ الحرب العالمية الثانية وستكون أولى مهماتها بدء السير بعقد أمني – جماعي جديد في القارة الأوروبية برضا روسي تكون أولى إجراءاته إعلان حياد نظام كييف الجديد سياسيا و عسكريا على قاعدة أن امن اي دولة او كيان أو تحالف لا يقوم على حساب امن أي دولة أو كيان او تحالف أخريات .
الثالث، الولايات المتحدة و التناحر غير المسبوق بين حزبيها الحاكمين منذ تاريخ تأسيسها سنة ١٨٧٨ و الذي بدأ يخرج عن السيطرة بسبب الدعاوى المتبادلة الأولى من نوعها أيضا في التاريخ الاميركي بين الجمهوريين و الديموقراطيين(ربما سنرى ولادة حزب أو حزبين جديدين في أميركا) تؤشر إلى أن رئاسة العام ٢٠٢٤ ستكتب فصلا جديدا في تاريخ دولة الاتحاد الاميركي في ما يتعلق بسياساتها الخارجية و بداية الفصل ستكون مع حرب اوكرانيا لجهة التخلي التدريجي عن تمويل حرب تخسرها مع الفدرالية الروسية، و هذا العمل الثالث يراهن عليه الروس، ليس إلا في حالة بقي المجتمع الأمريكي متماسكا و صامدا إلى حينه أمام تراجع مستوى معيشته التي ستزيده قساوة يوما بعد يوم أزمة الدين السيادي الاميركي و الذي قد يدفع بالولايات المتحدة إلى الانفجار الاقتصادي الأكبر منذ أزمة المال العالمية ” الكساد الأعظم ” لسنة ١٩٢٩ مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات كارثية عليها و على وجهة حربها مع روسيا في شرق أوروبا