كتب باسل عيد: عندما نتحدث عن حركات المقاومة في العالم العربي، تحديداً مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، يتبادر الى الاذهان عدد من القوى والاحزاب التي كان لها دور بارز في مقارعة هذا الاحتلال، وقد شكل بعض منها الشرارة الاولى في عملية المواجهة، وكان أساساً لانطلاق حركات أخرى لاحقاً، صبّت اهدافها كلها في إطار مواجهة ممارسات وأطماع الكيان الغاصب.
ويأتي إسم “الحزب الشيوعي اللبناني” ليتصدر تلك الحركات وأولى المنظمات التي أنشئت لتحقيق هذا الهدف. فهذا الحزب كان أول الأحزاب اللبنانية التي واجهت المدّ الصهيوني منذ اربعينيات القرن الماضي، واستمر نضاله الى حين الاجتياح الاسرائيلي الاول لجنوب لبنان في العام 1978، ليكون بعدها مؤسساً أول لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، ومشاركاً بارزاً في العديد من العمليات التي خيضت ضد العدو وعملائه في المناطق الجنوبية المحتلة.
اليوم، ومع العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة وما يقابله من عمليات مقاومة ومواجهة ضد جنود الاحتلال على الجبهة الجنوبية اللبنانية، يعود إسم “الحزب الشيوعي اللبناني” ليبرز من جديد، خصوصاً مع البيان الذي صدر منذ أيام عن لجنته المركزية، والذي تضمّن الدعوة لعناصر الحزب للإنخراط في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، ومقاومة العدوان والاحتلال الصهيوني متى تعرّض لبنان له.
موقع “أخباركم أخبارنا” إلتقى الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب، وأجرى معه حواراً للوقوف منه على الدور الحالي للحزب، فقال: “المعركة الحالية مفصلية وغير مسبوقة في تاريخ الصراع العربي – الصهيوني، ولا يجب ترك الشعب الفلسطيني وحيداً في هذه المعركة. فعلى كل أحرار العالم والتيارات الوطنية والسياسية ان يتحملوا مسؤوليتهم للدفاع عن هذه القضية لأن الكيان الصهيوني مزروع في منطقتنا بهدف تفتيتها”.
أضاف: “ما يحدث الآن مع الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، سبق وان تعرضنا له في لبنان وما زلنا نتعرض له على مستوى الشعب. واجبنا ومن حقنا كحزب مقاوم منذ تأسيسه وفق القوانين والمواثيق الدولية، أن نقاوم أي عدوان وأي احتلال، ومنظماتنا الحزبية هي جزء من النسيج الاجتماعي والشعبي في القرى الحدودية المتاخمة لفلسطين المحتلة”، مؤكداً بأننا “قاومنا في السابق وسنستمر اليوم دفاعاً عن شعبنا”.
في المقابل، اشار غريب الى ان “هناك دولة وسلطة عليها واجب ومسؤولية، فإذا كان حق الشعب والاحزاب مقاومة الاحتلال، فعلى الدولة واجبات أكبر في تحمّل هذه المسؤولية”. وأسف لأنه عبر التاريخ “فشل هذا النظام السياسي الطائفي والمذهبي في الدفاع عن سيادة لبنان”.
وتابع: “المسألة ليست أن حزباً من الأحزاب لزّم هذه القضية. المفروض أن يكون لدينا دولة مقاومة في السياسة والاقتصاد والاجتماع وفي تسليح جيشها بكل انواع الاسلحة مع تنويع مصادرها. فعملية الدفاع عن البلد وعن سيادته هي في الدرجة الاولى مسؤولية الدولة اللبنانية. ونظراً لاستقالة السلطة ودولتها من القيام بما هو متوجّب عليها. وفي انتظار تغيير هذا الواقع، نحن كحزب شيوعي لبناني نشأنا حزباً مقاوماً وسنستمر كذلك، مطالبين ايضاً ببناء دولة وطنية ديمقراطية مقاومة”.
ورأى أن لبنان “مهدد بوجوده ومصيره، وعلى الجميع اعلان الاستعداد لمواجهة هذا التهديد، وانه من الطبيعي ان يقاوم حزبنا بما ملكت يداه”.
ورداً على سؤال حول ما اذا كان الحزب الشيوعي قد أعاد تشكيل بنيته العسكرية وما هي مصادر أسلحته، قال غريب: “لا توجد لدينا بنية عسكرية، فبعد اتفاق الطائف قمنا بتسليم كامل اسلحتنا. لكن ما يحصل اليوم، أن الحزب ومقاومته الوطنية متجذران تاريخياً في القرى الحدودية الجنوبية، ونحن جزء من النسيج الاجتماعي وبين أهلنا، لذا من الطبيعي ان نقاوم العدو الصهيوني بما لدينا من سلاح وامكانات وقدرات”.
ودعا غريب جميع اللبنانيين للتوحّد ضد مواجهة التهديد الوجودي الذي يتعرض له لبنان، وقال: “المطلوب اليوم وحدة وطنية متماسكة لأن القضية ليست قضية الجنوب فقط ولا مسألة مناطقية ولا طائفية، بل قضية وطنية، ومقاومتنا وطنية عابرة للطوائف لأن ثمارها تعود لصالح كل اللبنانيين ولكل الوطن”.
واشار الى ان المقاومة “ستستمر حتى بعد انتهاء العدوان على غزة، فطالما ان هذا الكيان الصهيوني لا يزال موجوداً والقضية الفلسطينية لم تحل، وطالما أن الشعب الفلسطيني سيظل يتعرض لأخطر مرحلة في تاريخه من خلال تصفية قضيته بشكل كامل، فإن هذا المخطط الذي يطاول المنطقة سينتقل الى لبنان الذي يتعرض لتهديدات بتدميره، وبالتالي لا بد من مقاومة هذا المخطط في أي وقت حتى انتهاء هذا الخطر”.
وشدد على الدور المهم الذي يلعبه اليوم اليساريون والشيوعيون في الخارج. فالاحزاب الشيوعية والعمالية في كل العالم هي “رأس حربة في كل التحركات التي تجري في اوروبا واميركا والدول العربية وبقية دول العالم، وهذه الاحزاب تنخرط اليوم في الدفاع عن القضية الفلسطينية”.
وكشف غريب عن ان اجتماع الاحزاب والقوى الشيوعية الذي عقد في إزمير التركية بضيافة الحزب الشيوعي التركي، وضمّ 70 حزباً شيوعياً وعمالياً من انحاء العالم، قرر أن يعقد اللقاء المقبل في لبنان، تزامناً مع الذكرى المئوية للحزب وتضامناً مع الشعبين اللبناني والفلسطيني ومع قضيتهما”.
وعن تقييمه لعملية 7 تشرين، قال غريب: “لقد طفح الكيل بعد 75 عاماً من الاحتلال والقمع والاغتيالات والتهجير والتوطين والتنكيل. لقد وصل الشعب الفلسطيني اليوم، على يد حكومة نتنياهو اليمينية الفاشية، الى وضع لم يعد باستطاعته تحملّه. هذه الحكومة العدوانية ضد الشعب الفلسطيني لم تكتف بجيشها، بل سلحت المستوطنين وحولتهم الى ميليشيات ارهابية”.
اضاف: “نحن امام كيان ارهابي مدعوم من رأس الارهاب في العالم، وهي الولايات المتحدة الاميركية والغرب الذي ارسل كل اساطيله لدعم الكيان الصهيوني بهدف الاستمرار في نهب ثروات الامة العربية وتقسيمها وشرذمتها طائفياً واثنياً”.
واعتبر غريب ان الحصار المضغوط على غزة “فجّر عملية 7 تشرين البطولية، وتوقيتها جاء في مرحلة عرض فيها نتنياهو في الامم المتحدة خارطة للشرق الاوسط الجديد الاتي لا توجد فيها دولة فلسطين بل اسرائيل، في وقت يجري فيه مسار التطبيع الذي وصل الى مرحلة غير مسبوقة دخلت فيها السعودية، بالاضافة الى الممر الهندي الذي يمر في مضيق العقبة نحو ايلات ويزيل معه غزة ليصل الى حيفا، وهذا ما أدى الى تنفيذ عملية 7 تشرين الاول دفاعاً عن الوجود ومواجهة العدوان المستمر منذ اكثر من 75 سنة”.
وأسف غريب لأن بعض القوى “ضيّعت البوصلة ولم ترَ تلك السنوات الـ 75 من التنكيل والمذابح، ومنها المذبحة التي يتعرض لها الفلسطينيون اليوم، ولم ترَ ما تعرّض له الفلسطينيون من تهجير الى جانب 6 آلاف أسير في سجون الاحتلال”.
وعن خطاب الأمين العام لـ (ا ل ح ز ب) السيد حسن نصرالله، رأى غريب أن الخطاب بحد ذاته “تضمّن الموقف الذي جرى إتخاذه منذ البداية ولا يزال كما هو ضمن قواعد الاشتباك، من إسناد ودعم للفلسطينيين. أما الجانب المتعلق بالمسؤولية وما يختص بالانظمة العربية من ملوك ورؤساء وحكام والجامعة العربية، فهي قضية فلسطين، قضية العرب المركزية، وعلى الجميع القيام بواجباتهم ومسؤولياتهم”.
وثمّن ما قامت به الشعوب العربية منذ بدء العدوان على غزة، “تلك الشعوب التي نزلت في السابق للدفاع عن لقمة عيشها منذ عام 2011 فقمعتها الانظمة من خلال جيوشها وسلطاتها”. وانتقد كيف ان جيوش تلك الانظمة تقمع شعوبها وتمنعها من التحرك في حين انها لا تقاوم العدوان وتصفية القضية الفلسطينية، بل تذهب صوب التطبيع مع الكيان الاسرائيلي. واستغرب غريب أخيراً كيف أن احداً من الزعماء العرب لم يتدخل لايقاف العدوان على الشعب الفلسطيني.