كتبت عايدة الاحمدية: يحتفل لبنان اليوم بعيد الاستقلال في ظل فراغ رئاسي وتدهور اقتصادي غير مسبوق، هذه الذكرى التي يفترض أن تحمل الكثير من المعاني، يخالطها حسرة وقلق وشعور بالخوف، وشعور بالغصة نابعة من فقدان الأمل بالوطن.
بعد مرور 80 عامًا على استقلال لبنان عن الانتداب الفرنسي، يعيش البلد حالة من الاضطراب، حيث تتفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية، وصار بعض الناس يتمنون “العودة إلى الخضوع للسلطة المنتدبة”. حيث أصبح لبنان محطة لممارسة نفوذ خارج سلطة الدولة.
على الرغم من نيل لبنان استقلاله رسميًا قبل 80 عامًا، إلا أنه لا يزال يعاني من تجاذبات أفرزتها تلك الحقبة من انقسامات مذهبية وطائفية، في بلد يتخبط في أسوأ أزمات اقتصادية ومالية واجتماعية في تاريخه.
في 22 نوفمبر 1943، استقل لبنان رسميًا عن الدولة المنتدبة، لكنه انتظر حتى نهاية عام 1946 لجلاء الجيوش الأجنبية عن البلاد. كانت تلك الفترة مليئة بالمشاعر الوطنية والطموح ببناء دولة قوية، لكن في الواقع، كان أقل بكثير من التوقعات.
خسر لبنان الرهان على الحرية والديمقراطية والسلام والعيش بكرامة، حيث أضعفت التجاذبات السياسية سيادته وجعلته يفقد استقلاله الحقيقي والتام بسبب التدخل الخارجي في قراراته السيادية.
“منذ استقلاله بعد الانسحاب الفرنسي، تعرض لبنان لمحن وطنية متكررة، حيث انطلقت حكومات الاستقلال بعد عام 1943 من فكرة الصيغة اللبنانية بجناحيها المسيحي والمسلم، فاجتاحت فكرة الدولة المدنية وزادت من تعميق التأسيس الطائفي وزيادة الارتهان للخارج.
في عهد الراحل الرئيس كميل شمعون، تمثل الارتهان للخارج عبر حلف بغداد. وفي عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب، جرى إجهاض فكرة الدولة الحديثة على أيدي جميع القوى التقليدية، رغم الدور البارز الذي قام به في انشاء المؤسسات، وفي عهد الرئيس الراحل شارل الحلو، لم يتغير شيء.
اما في عهد الرئيس سليمان فرنجية، ومع توسع الوجود العسكري الفلسطيني وانقسام اللبنانيين حول هذا السلاح، تفجرت حرب أهلية استثمرت فيها دول عدة، وصولاً إلى دخول الجيش السوري إلى لبنان وما تلا ذلك من تغييب للسيادة. وفي عهد الرئيس الياس سركيس، كان القرار اللبناني مسلوبا.
والفترة التي كانت الأكثر تهديدا لسيادة واستقلال لبنان كانت مع الاجتياح الإسرائيلي وتداعيته على عهد بشير الجميل وأمين الجميل.
ومع نهاية ولاية الرئيس أمين الجميل، تعمق الانقسام الداخلي بوجود حكومتين، الأولى عسكرية برئاسة العماد ميشال عون والأخرى برئاسة الرئيس سليم الحص فانفلت الحكم الذي لم يكن يوما ممسوكا بإحكام.
مع بدء مرحلة اتفاق الطائف، مر لبنان بأزمنة مختلفة انتهكت فيها سيادة لبنان بقبضة سورية، بدءاً باغتيال الرئيس رينيه معوض، مروراً بعهد الرئيس الياس الهراوي، وصولاً الى عهد الرئيس اميل لحود حيث اتسمت تلك الحقبات بسيطرة عسكري سورية على الأراضي اللبنانية وتدخل مباشر من دمشق في كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية في لبنان.
ومع خروج الجيش السوري من لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وقيام ثورة 14 آذار، أمل اللبنانيون باستقلال حقوقي، إلا أن جبهة موجهة تمثلت في 8 آذار أجهضت هذا الحلم وخلقت انقساماً عمودياً حاداً.
وفي عهد الرئيس عون الذي اتى بعد فراغ رئاسي استمر قرابة السنتين، ازدادت التناقضات وأدت إلى تغييب دور المؤسسات واضمحلال السيادة يوماً بعد يوم، لتتقدم الدويلة على حساب الدولة.
اليوم وفي ظل فراغ رئاسي ثان، دخل سنته الثانية. يقف لبنان وسيادته واستقلاله أمام تحديات خطيرة، أبرزها التصعيد العسكري على حدوده الجنوبية الذي قد يجر لبنان الى حرب مدمرة، فضلا عن ازمة النزوح السوري والانهيار الاقتصادي والتدمير الممنهج للمؤسسات
في مضمون ذكرى الاستقلال وفي ظل الصورة القاتمة، سيبقى لبنان بمواجهة التحديات التي تهدد وجوده ككيان، حيث يعيش في زمن مليء بالتجاذبات وفقدان السيادة. وبينما يستمر اللبنانيون في السعي لتحقيق حلم بناء دولة قوية، يبقى السؤال: هل يمكن للبنان استعادة استقلاله الحقيقي وبناء مستقبل يعكس طموحات شعبه؟