بقلم: زياد أ. يممين
تأكيداً على الذي يحصل في الشرق الأوسط، بأن جيلاً جديداً من الحروب العالمية قد بدأ في أوكرانيا ولن ينتهي ابداً في فلسطين، وهو جبهة ثانية تسير بالمخاض نفسه الذي يسير فيه شرق أوروبا لناحية مدة الصراع التي ستطول قبل ولادة منتظم إقليمي جديد تقود إليه الفواعل التالية:
1- نتنياهو الذي يختصر بشخصه حالياً إسرائيل بكاملها، يتجه بقدميه إلى موته السياسي الذي يبدو أنه سيتأخر قليلاً نظراً إلى عدم وجود بديل له ولحكومة حربه بسبب التفويض الحاصل عليه شعبياً، ليس اقتناعاً به بل بسبب أمراض إسرائيل الوراثية، دينياً – هوّياتياً، تاريخياً، تركيبياً وسياسياً (ما هو هدف إسرائيل الوجودي وتحديداً في الشرق العربي؟)، وهذا ما لن تخرج منه سالمة إلا بعد سنين طويلة قد تختفي فيها من الخارطة الدولية، بسبب تخبّط قيمها الحوكميّة – السلطويّة وهجرة شعبها المعاكسة التي لا عودة عنها.
2- قد تنجح إسرائيل في تخطي هذه المرحلة السوداء من تاريخها، ولكن ذلك سيكون على حساب قوتها الإقتصادية والعسكرية وبالتالي السياسية. فعسكرياً هي أصلاً متخلفة جداً في حروب المدن والشوارع والإلتحامات الصفرية التي ستنتقل بعد غزة إلى الضفة الغربية والقدس، وهي متخلفة ايضاً في التصنيع العسكري الذاتي والمستقل لأنها تستورد أكثر مستلزمات جيشها من الولايات المتحدة. أما اقتصادياً، فحتى وإن أعيد إحياء طريق الهند الذي يصل إلى حيفا والذي ربما كان سيجعلها القطب الإقتصادي والمالي الأكبر في الإقليم، فهو لن يكون بعد الآن إلا بالتوازي مع مشروع الحزام والطريق الصيني الذي يصل إلى سوريا وربما إلى مصر وقطاع غزة حتى. أما الأهم، اي في السياسة، فإنها لطالما اعتمدت على واشنطن التي لم تعد القطب الأوحد عالمياً، بحيث أن نفوذ هذه الأخيرة سيتراجع أكثر مع الوقت في المنطقة لصالح أقطاب جديدة (روسيا والصين)، مما سيجبر تل أبيب على تقديم تنازلات مؤلمة تجاههما، إذا ما أرادت المحافظة على الحد الأدنى من دورها في المنتظم الشرق – أوسطي الجديد .
3-إستعادة النَفَس العربي المستقل نسبياً عن التوجهات الأميركية المعمول بها منذ اتفاقية كامب دايفيد عام 1979 والمتصاعد رويداً رويداً، والذي سيجد له تفعيلاً من الطرف المصري الرافض رفضاً قاطعاً لأيّ تغيير في الوضع العسكري – الأمني والقانوني لمعبر رفح، الذي تريده إسرائيل في محاولة منها لتهجير الفلسطينيين بالترغيب بعد الترهيب، وهذا ما لن يحصل أبداً، حيث ستعمل القاهرة على تحويل المعبر (خط فيلادلفيا) إلى ممر إنساني وتجاري إلزامي ودائم لمرور مساعدات صمود الغزاويين في القطاع، مسنودة برأي عام عربي وعالمي رافض لحرب الإبادة الجماعية والتجويع والتهجير. هذا الأمر سيصبح أمراً واقعاً ولو بعد حين، وقد يترجم على شكل قرارات دولية ربما ستصدر وإن متأخرة عن مجلس الأمن الدولي أياً كان شكل هذا المجلس لاحقاً، وهو بالطبع لن يبقى على ما هو عليه الآن (مجلس الأمن الدولي الجديد) في المستقبل.
4- الأردن ممثلاً بملكه عبدالله إبن الحسين الذي يدرك المخاطر التي تهدد حكمه في حال بقي على ردود أفعاله المتواضعة أمام هول المأساة (إرسال مساعدات طبّية وإغاثيّة برفقة قطع مسلحة لن تكفيه لإزالة إحتقان شعبه)، مما سيدفع إلى تسهيل نشوء إنتفاضة فلسطينية ثالثة تكون مسلحة هذه المرة بعد المرتين السابقتين السلميّتين، في الضفة الغربية والقدس، بواسطة ترتيبات أمنية – إستخبارية ومالية – إدارية تؤمّن لها مقومات استمراريتها، وتكون مسنودة من العرب أنفسهم وليس من إيران (كما حصل مع “حماس” في القطاع)، فيكون ذلك على طريق استعادة الدور العربي المفقود انطلاقاً من البوابة الأردنية التي تشكل إمتداداً للسياسة العربية عموماً والخليجية تحديداً والسعودية خصوصاً، في المواجهة المستجدة مع إسرائيل تحت سقف القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية ألا وهي: ١٨١، ١٨٣، ٢٤٢ و٣٣٨، مظللة بعودة نشاط الرباعية الدولية المؤلفة من: الأمم المتحدة، الإتحاد الأوروبي، روسيا الإتحادية وأميركا، والذي من الممكن أن تنضم إليها الصين.
5- رد “حزب الله” على الإغتيال في ضاحية بيروت الجنوبية سيظل تفصيلاً بسيطاً امام المواجهة – الإستنزاف مع إسرائيل التي ستطول أقله لأشهر قادمة لأنها تشكل محوراً من محاور عدة في جبهة شرق – أوسطية مشابهة لجبهة شرق أوروبا في أوكرانيا اللتين تستنزفان وتستنزفان الغرب الأطلسي والأميركي وإسرائيل حتى الهزيمة المطلقة. فلا مناص لحزب الله بعد الآن وللتشكيلات المتحالفة مع إيران في سوريا، من بدء استعداداتهم لفتح جبهة الجولان السورية، عاجلا أم آجلاً، بطريقة او بأخرى (تحتاج قبل كل شيء الى ترتيبات إلزامية ما مع القيادة الروسية)، كي تتلاقى وتتكامل مع عمليات المقاومة العراقية (الحشد الشعبي و”حزب الله” العراقي) من دون إغلاقها قبل طرد كل القوات الأميركية من العراق وسوريا تحت النار.
6- الحوثيون سيرفعون مضطرين من وتيرة استهدافاتهم، كماً ونوعاً، للقطع الأميركية وغيرها في البحر الأحمر التي قد تصل إلى حد استعمال صواريخ بر – بحر الروسية من طراز ياخونت التي تسلموها عبر إيران، والقادرة على إغراق سفن بحرية من الثقل الوسطي. هذا الخيار وارد جداً بعد اغتيال حسين رضي موسوي وتفجير “كرمان” مسقط رأس اللواء قاسم سليماني، وسيصبح وارداً أكثر إذا ما تمنّعت واشنطن عن الوقف الفوري والشامل للحرب على غزة .
7- إيران فرضت وستفرض نفسها بعد أكثر في القادم من الزمن كإحدى دول الإرتكاز الأساسية في المنتظم الإقليمي- الشرق-أوسطي الجديد، في حال بقاء واشنطن على تزمتها بأنها ما زالت القطب الدولي الأوحد عالمياً. وهنا ستعمل طهران على زيادة عملياتها البحرية داخل كل بقعة تجدها مناسبة لها من المحيط الهندي شرقاً حتى شط العرب غرباً، بالحجز والاستيلاء ومنع مرور أي قطعة بحرية مدنية تابعة لواشنطن وتل – أبيب، وهذا يشكل استكمالاً لضغط الحوثيين على مضيق باب المندب، وهو محور سابع ينضم لمحاصرة إسرائيل في جغرافيا الإقتصاد والسياسة، ومحور ثالث لمقارعة واستنزاف واشنطن بعد أوكرانيا والبحر الأحمر .
تشير الفواعل السبعة السابقة التي تجري في الميدان اذاً، ودائماً وفق وقائع العسكر والجغرافيا والسياسة، إلى أن مخاضاً عسيراً وطويلاً سيعيشه الشرق الاوسط قبل ولادة منتظم إقليمي جديد يكون امتداداً للنظام العالمي الجديد الذي بدأت ترتسم ملامحه في شرق أوروبا نتيجة حرب أوكرانيا. ويبدو واضحاً جداً من الذي سيخرج منه منتصراً نتيجة مطالبه العادلة والمنطقية، ومن الذي سيخرج منه مهزوماً نتيجة غرقه في أكاذيبه وجهله للتاريخ في ما عرف حينها بـ”نهاية التاريخ” بعد سقوط الإتحاد السوفياتي سنة ١٩٩١، والإنقسام العربي الرسمي الذي حصل بعد احتلال العراق للكويت سنة ١٩٩٠، لكن شتان ما بين هذين التاريخين واليوم.