![](https://akhbarkum-akhbarna.com/wp-content/uploads/2024/01/657479c02fea2-800x500.jpg)
خاص: على موقع “المنار” نشرت اسماء 164 شهيداً سقطوا على طريق القدس، وزفّهم “ح ز ب الله”. الرقم صادم فعلاً، فهذا العدد كبير جداً والمنجزات هي لا شيء في المقابل، سوى بيانات قصيرة وصور شبان معظهم في أواسط العشرينات اي أنهم لم يخوضوا معارك سابقة لا في حرب 2006 ولا في حرب “حماية المقامات الشيعية” في سوريا. صحيح ان مقاومة الاحتلال واجب وطني، لذلك لا يمكن ان يكون اختصاص فئة معينة او طائفة او مذهب او فريق سياسي، كما هو الحال اليوم، وصحيح أنه لا يمكن السكوت عن جرائم إسرائيل بحق غزة والفلسطينيين هناك، لكن الصحيح أيضاً أن لبنان لا يمكن ان يتحمل وزر مغامرات عسكرية لهذا الحزب او ذاك الفصيل، وأن اللبنانيين يريدون ان تمتلك دولتهم قرار الحرب والسلم، لا ان تستسلم لحزب استخدم سلاحه تحت شعار المقاومة للاغتيالات، وقتال الشعب السوري وتهجيره من أرضه، لتصبّ أعماله في خدمة مشاريع إيران ونظام حليفها بشار الأسد.
ما يجري حالياً في الجنوب ضمن ما يقال إنه تكتيك متفق على تسميته بقواعد الاشتباك، قد يتجاوز الخطوط الحمر، وهو بالفعل تجاوزها نتيجة قصف المدنيين والصحافيين. لكن البارز والسؤال المطروح فعلياً، لماذا يسقط كل هذا العدد من الشهداء اذا كانت العمليات بمعظمها مجرد قصف صاروخي على مراكز للاحتلال او مدفعي، فيما الطائرات تلاحق وتقصف المقاومين اثناء تحركاتهم في قرى الجنوب، او تقصف منازل ومواقع من المفترض الحفاظ على سريتها من اجل أمان المجموعات المقاتلة. وهو ما يفسر ان كثيرين تحدثوا عن خرق اسرائيلي خصوصاً وان قيادات ومسؤولين عسكريين سقطوا بقصف اسرائيلي اثناء تنقلهم في القرى الحدودية، مما يعني أن إسرائيل تعرف مهامهم وهوية الهدف وتأثير دوره وتطالهم بالمسيّرات، مما يؤشر الى نشاط عملاء اسرائيليين لا أحد يجرؤ على كشفهم أو محاسبتهم لغايات سياسية، وحتى لا تفقد البروباغندا الكاذبة تأثيرها على جمهور البيئة الحاضنة.
تردد في الفترة الأخيرة ان (ا ل ح ز ب) مع سقوط العديد من مقاتليه في المناطق الحدودية مع إسرائيل، إتخذ تدابير للحد من خسائره البشرية، لا سيما وان التهديدات الاسرائيلية تتواصل والتحذيرات تستمر مع تسريب توقعات وخطط عسكرية، يقابلها (ا ل ح ز ب) باستعدادات واستخدام صواريخ جديدة الصنع، الا انها لا تستطيع التصدي للمسيّرات والتفوق عليها، وهي التي تلاحق مقاتليه في التضاريس الصعبة.
وينشط الاعلام المدعوم في بعض القنوات الفضائية العربية في إبراز دور “حزب الله” وعملياته “البطولية”، علماً ان قتلى من قادة الميليشيات الإيرانية في سوريا، تمّ نعيهم في بداية المواجهات ما بعد 7 اكتوبر على أنهم شهداء على طريق القدس.
بحسب محللين عسكريين، فإن “ا ل ح ز ب” يقاتل كقوة عسكرية نظامية وليس وفقاً لحرب العصابات التي خبرها اللبنانيون في مقاومتهم للاحتلال الاسرائيلي عبر زرع عبوات ونصب كمائن وهجمات مفاجئة، كما ان لدى (ا ل ح ز ب) خلايا تتحرك وتتحول الى اهداف مباشرة للجيش الاسرائيلي الذي يرصدها ويستهدفها محققاً اهدافه مباشرة في القضاء عليها من دون ان يبلى بخسائر.
أما (ا ل ح ز ب) فيقوم برصد مواقع الاحتلال ومراقبة الكاميرات وأجهزة الاستشعار والاتصالات التابعة للجيش الإسرائيلي على السياج الحدودي وفي المواقع العسكرية الإسرائيلية، ويهاجمها بواسطة قنص الكاميرات وإطلاق صواريخ موجهة على تجهيزات أعمدة الإرسال التي ينشرها الجيش الإسرائيلي على الحدود.
بالنسبة الى البيئة الحاضنة وموقفها، فالسكوت علامة الرضا كما يقال، علماً ان لا احد يتكلم في العلن لا سيما من المعارضين، لأن بيانات التخوين جاهزة ولأن (ا ل ح ز ب) يؤمّن نوعاً من الخدمات بعدما نجح في ضرب مؤسسات الدولة، وباتت الوزارات المعنية غير معنية بإيجاد الحلول الصحية والامنية والاجتماعية للبنانيين، تاركة المهمات الصعبة على ممثلي الطوائف واحزابها.
مصادر في المعارضة الشيعية، تؤكد ان “الاحصاءات حول عدد قتلى “حزب الله” غير معروف. فالارقام متعددة، ولا شك في ان وضع الجنوبيين اليوم كما هو حال اللبنانيين في الانتظار، وطبعاً هناك قلق كبير ولا يمكن الحديث عن تبدل أو تعديل في ميزان القوى او في المزاج. فالواضح أن المزاج الجنوبي لم يكن يريد حرباً، وهذا أمر محسوم، وعملياً عقل الشيعية السياسية بشقيه “ح ز ب الله” أو حركة “أمل” لا يحب الفلسطينيين، ولا يجب أن ننسى بأن المواجهة التي جرت في النصف الثاني من السبعينات وصولاً الثمانينات مع اليسار، كانت حول دعم الفلسطينيين”.
وبرأيها أن “لا أحد منهما كان مستعداً ليذهب بالمعركة والمواجهة مع اسرائيل الى النهاية. فهذا الثمن الذي يدفعه (ا ل ح ز ب) اليوم من عائلات وجيل اول وثان وثالث من المقاتلين، يتبين انه يستطيع ان يتحمل فاتورة دفعه اجتماعياً حتى وإن قتل عدد كبير في صفوفه. فهؤلاء هم أولاد البيئة التي صنع لها شبكة أمان، ويستطيع أن يتحمل كما تحمل سابقاً في سوريا وكما تحمل في حرب العام 2006، فالإيديولوجية القائمة تسمح له بهذا الأمر ويتم “تقريشها” في السياسة”.
وتضيف المصادر: “نحن أمام واقع متأزم، ربما التخفيف من وطأته العسكرية المباشرة محدود حتى وان كنا في حالة حرب. ما يجري يذكر اليوم بما كان يجري في السبعينات عندما كان التهجير محصوراً بالقرى الأمامية، وليس كما جرى عام 1978 أو 1982 أو 1993 أو 1996 أو 2006، فنحن امام هجرة من القرى الأمامية، حالة الانتظار أحد أسبابها، ويمكن أن يكون كذلك حجم الإجرام الإسرائيلي الذي يشاهدونه في غزة”.
ورداً عما اذا كان أهل الجنوب جاهزين لطرح أسئلة حول ما يجري؟ تجيب المصادر: “الناس تطرح أسئلة على نفسها بالطبع، لكنها ربما ليست جاهزة اليوم ليتحول السؤال إلى فعل سياسي”، معربة عن إعتقادها بأن الأمر مرتبط بخواتيم الأمور من جهة ومرتبط بحزب الله، كونه قوة سياسية تقدم نفسها للشيعة على أنه هي ضامنة لهم حصتهم في النظام السياسي، وضامنة لهم قوتهم، وضامنة لهم تمثيلهم وحضورهم بالتحالف مع حركة “أمل”، وبالتالي الموضوع ليس مرتبطاً فقط بالخيارات السياسية وانعكاساتها، بل هو مرتبط بأن (ا ل ح ز ب) هو في النهاية كما كل الأحزاب الطائفية الأخرى، وعموماً الشيعية السياسية المحكومة في علاقة طائفية يتحكم بها موقف الناس، وهذا ما يجعلها أحياناً تختار عكس قناعاتها. لا شك في أن “ح ز ب الله” ومسار معركة “طوفان الأقصى” وكيفية دخوله فيها، علماً أن مسارها لم يكن ظرفاً مريحاً له، لديه اليوم إحساس بالخوف والرهبة، بمعنى أن إسرائيل تقتل وهي تستطيع أن تقتل. وهناك أسئلة أحياناً حول الثمن يعبّر عن حاله على السوشيال ميديا، عبر التساؤل لماذا لا نرد ولماذا لا ندخل المعركة؟ وربما لا يزال مبكراً ان نفترض إنه اذا كانت هناك معالم سياسية للتغيير ونتائجه ستكون سريعة عملياً، فوضع اليد على الطائفة الشيعية يجري منذ أكثر من ثلاثة وأربعين سنة، لذا بات تفكيكها صعباً نظراً للإيديولوجية الدينية وحس القوة من جهة، ومن جهة أخرى الدعم المالي المباشر والطبيعة الطائفية، لذلك لن يكون هناك تغيير سريع والأمور ستأخذ وقتها”.