أخباركم ــــ أخبارنا
كتبت فاطمة حوحو:
ليست مواقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من تثير الرأي العام المحلي والعالمي، بل ينافسه في ذلك وزير ما يسمى “الأمن القومي” ايتمار بن غفير الذي شغل المنصب في ديسمبر 2022، هو “السوبر موديل” في ميدان الإرهاب اليميني الإسرائيلي المتطرف، ولم يسبقه أحد في عدد الدعاوى المرفوعة ضده وورد اسمه في أكثر من خمسين لائحة إتهام، بعضها جنائي وبعضها “أعمال شغب” و”الإخلال بعمل الشرطة” والأهم فيها التحريض على العنصرية ودعم منظمة إرهابية والعديد من التهم.
كان يظهر وهو يبحث بعينيه عن الكاميرا، أشعث، مضحك، العرق على جبينه، وجه غير حليق وشعر غير مصفف. يندفع مبتسمًا، عنيف. ومناهض لليبرالية وللديمقراطية. يؤمن بسيادة القانون الإلهي والشعب اليهودي. ويدعو للانتقام من العرب، ومن غير اليهود. أدين عام 2007 بتهمة التحريض على الكراهية ودعم منظمة إرهابية، وهو رئيس ثالث أكبر قوة سياسية داخل البرلمان الإسرائيلي.
ولد في 6 مايو 1976م. وانتخب عضوًا في الكنيست لأول مرة في عام 2021، وصفت صحيفة هآرتس حينها فوزه باليوم الأسود في تاريخ إسرائيل، قبل ذلك، عمل مستشارًا إعلاميًا لعضو الكنيست السابق ميخائيل بن آري، وأسس حزب القوة اليهودية، عمل بالمحاماة وبالطبع كان محامي الشيطان، وهو من أصول عراقية كردية. قضى مراهقته في حركة “كاخ” المتطرفة التي كان يقودها الحاخام مائير كاهانا “القديس” بالنسبة له، وقام بعمليات تخريب وكان قبلها قد شهد على انتفاضة الحجارة الأولى وتعهد بوضع حد لشغب الفلسطينيين بعد ان كان توجه نحو الى التطرف الديني، وفي كل المحطات كان يعمل على تأجيج الكراهية للفلسطينيين واصحاب الديانات الأخرى ويسعى لنشر الفوضى، ومحرضا على القتل والإنتقام وكان يبرز في كل تظاهرة او تحرك لاستعراض نفسه ويلقى مواقفه المتطرفة حتى يلقى قبولا ممن حولة على طريقة خالف تعرف.
سمع الإسرائيليون إسمه للمرة في خريف عام 1995، بعد توقيع رئيس الوزراء “إسحاق رابين” آنذاك اتفاق “سلام” مع منظمة التحرير الفلسطينية،إذ ظهر على شاشة التلفزيون فتى تبدو عليه ملامح الطيش وعدم الاتزان العقلي، وكان يرتدي قميصا أزرق باهتا، ويحمل في يده شعارا معدنيا لسيارة “كاديلاك” انتُزِع من سيارة رئيس الوزراء رابين، ونطق صارخا: “مثلما وصلنا إلى هذه الشارة يمكننا الوصول إلى رابين”.
بعد ثلاثة أسابيع، إغتال “يغال عمير” رابين في مظاهرة بتل أبيب وأطلق النار عليه مرتين، فأرداه قتيلا. وأثناء إستجوابه سئل عما يعرفه عن إيتمار فقل إنه سمع من أوساط الشباب اليمينيين أنه يريد أن يقتل رابين، لكنه أضاف بسخرية: “إيتمار لا يمكنه ارتكاب جريمة قتل، فهو مجرد طفل، وليس قاتلا، بل مهرج”.
عرف عنه مهارته في الصراخ والتحريض على التخريب والقتل، مغلفا مواقفه المتطرفة بالقانون، وكان بحسب من رافقوه يتحدي النظام دون تجاوز الخط الأحمر، نال دعم العصابات والمنظمات اليمينية الصهيونية المتطرفة للوصول للكنيست بعد تدريب على الظهور في صورة “رجل الدولة”.
لكن صحيفة هآرتس إعتبرت أن لغة الفصل العنصري هي لغة بن غفير الأم. لا يعرف غيرها. لقد نشأ على أفكار التفوق اليهودي. واليوم، في مرحلة البلوغ، يجسد رؤيته للعالم.
وتردد أن الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ حذر من أن حكومة نتنياهو ستعاني عن مشاكل بشأن المسجد الأقصى بسبب بن غفير قائلًا إنّ “العالم كله يخاف منه”، فقد تحول المجرم إلى وزير للأمن القومي. درج على إقتحام ساحات المسجد مع المستوطنيين مستفزا مشاعر المصلين أمام أعين العالم الساكت عن حق الفلسطينيين والذي أغمض عينيه عن ممارسات إسرائيل بحق أهالي القدس لا سيما أهالي حي الجراح.
ما بعد “طوفان الأقصى” وبعد تصاعدت مواقفه المتطرفة، فهو اعتبر مثلا أن حق الإسرائيليين في الحياة أهم من حرية التنقل للفلسطينيين، ودعا إلى وضع المزيد من الحواجز وإغلاق المحاور على طرقات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية،
اعتبر ان الانسحاب من غزة خطأ فادح وخطير وسيكلف اسرائيل أرواحا بشرية، وكان من دعاة حرمان المدنيين في غزة من الغذاء، والمياه، والوقود، وكان واضحا في دعوته للإبادة الفلسطينية، إذ قال إن “الشيء الوحيد الذي يجب أن يدخل قطاع غزة حتى يتم إطلاق سراح الرهائن هو مئات الأطنان من المتفجرات”.
كان من الواضح ان تصريحاته تدعو إلى استباحة دماء المدنيين ونزع الصفة الانسانية عنهم وخنقهم عبر قطع الماء والإمدادات، وهي في عرف القوانين الإنسانية جرائم حرب واضحة ضد الإنسانية، حسب النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية التي إتهمها بن غفير بانها “معادية للسامية”. وزعم ان قرارها “يثبت ما كان معروفا مسبقا” بان المحكمة “لا تسعى الى العدالة”، وقال: “لا يجب الاستماع الى القرارات التي تهدد استمرار وجود دولة إسرائيل”. مؤكدا على مواصلة حرب الإبادة الجماعية ضد قطاع غزة، ومروجا الى حكمه عسكريا وليس مدنيا من قبل إسرائيل.
وهو الذي عمم على هواتف الاسرائيليين رسالة تدعو الى رفض عملية تبادل الأسرى بين إسرائيل و”حماس”. رافضا أي صفقة تخرج حماس منتصرة. وداعيا إلى احتلال قطاع غزة بلا تنازلات وبلا صفقات، كما أعلن رفضه قيام دولة فلسطينية.
التحديات في المواقف لم تكن من قبله فقط بل “تعنتر” إبنه ووصف الرئيس الأميركي جو بايدن بانه كبير في السن وخرف، ولكن حاول بن غفير لملمة الموقف وقدم إعتذارا في وقت لاحق. ورأى زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، أن مواقف بن غفير تثبت أنه لا يفهم شيئا في السياسة الخارجية.
لم ينج مسيحيّو فلسطين من التطرف اليهودي، إذ نتيجة وقوف المسيحيين الى جانب غزة ومطالبتهم بوقف الحرب، هجم مستوطنون على المسيحيين وبصقوا عليهم، في أكتوبر الماضي، مما اثار ردود فعلٍ دولية غاضبة، ودفع حكومة الاحتلال إلى إدانته ورفضه، لكنّ وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، قال إن «هناك عادة يهودية قديمة، أن تبصق عندما تمر بالقرب من دير أو كاهن، يمكنك أن توافق على ذلك أو لا توافق”. متسائلاً: “لماذا نحوّل البصق على المسيحيين إلى مخالفة جنائية”.
ومن بدع بن غفير شجاره مع رئيس الأركان في الجيش الاسرائيلي بسبب بسبب معاقبة الجنود الذين أنشدوا صلاةً يهوديّة في أحد مساجد جنين أثناء عملية اقتحام قاموا بها.
نال موقفه المطالب بفرض حظر كامل على دخول فلسطينيي الضفة الغربية إلى المسجد الأقصى خلال شهر رمضان وتحديد أعمار المصلين المسموح لهم بالدخول من فلسطينيي الداخل المحتل تأييدا من نتنياهو.
روج بن غفير للاستيطان في غزة والضفة الغربية، وكان دعم قانون الإصلاح القضائي كونه يسرّع عمليات الاستيطان والعنف ضد الفلسطينيين، وهو اخيرا دعا وعمل على تسليح الإسرائيليين، وقال: “الإرهابيون لا يفهمون إلا لغة القوة ويجب أن ندمرهم هذه العملية تثبت مرة أخرى أن توزيع السلاح ينقذ حياة الإسرائيليين وسوف نسلح السكان”.
اعتبر بن غفير إن حياة اليهود أهم من حياة العرب. وردت عليه عارضة الأزياء الشهيرة بيلا حديد، أنه “في أي مكان وفي أي وقت… لا ينبغي لحياة شخص ما أن تكون أكثر قيمة من حياة شخص آخر”.
كما دانت وزارة الخارجية الأمريكيةن ما وصفته بالتعليقات التحريضية بشأن حرية حركة السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية والخطابات العنصرية. لأن مثل هذه الرسائل تكون ضارة بشكل خاص عندما يتم تضخيمها من قبل أولئك الذين يشغلون مناصب قيادية وتتعارض مع تعزيز احترام حقوق الإنسان للجميع.
بالنسبة الى بعض الإسرائيليين بن غفير إنتهازي يستغل لحظات الاضطرابات السياسية وليس شخصا مثيرا للإعجاب ففي أحسن الأحوال هو مهرج وفي أسؤا الأحوال انتحاري على غرار المتعصبين الذين تسببوا في تدمير الهيكل ويبدو إنه لن يرتدع.