كتب زياد أ. يممين لأخباركم – أخباركم: فرضت الجبهة المشتعلة في أوكرانيا، نظام أمن أوروبياً جماعياً جديداً، بدأت ملامحه في الظهور، يمتد من بحر البلطيق شمالاً حتى أبواب شرق البحر الأبيض المتوسط جنوباً، وفق الآتي :
1 – أوكرانيا
من الواضح تقدم الجيش الروسي في جبهتي الشرق والجنوب الأوكرانيتين، وهو سيتقدم أكثر فأكثر حتى تحرير كامل المقاطعات الأربع التي ضمّها الروس رسمياً. ومن المرجح في الأسابيع المقبلة، أن روسيا ستفتح جبهة جديدة في الشمال مع بدء فصل الصيف، تفضي إلى تحرير مقاطعات خاركوف وسومي بغية إقامة منطقة آمنة تحمي سكان الأراضي الروسية المحاذية لها من هجمات الأوكران، ليتم بعدها انضمامها إلى الفيديرالية الروسية .
وستعتمد روسيا خلال فتح جبهاتها الجديدة على إستراتيجيات عدة، أهمها التقدم وقضم المناطق ببطء بهدف التقليل من الخسائر في العديد والعتاد، في مقابل خطوط عسكرية دفاعية أخرى سيعمل الجيش الروسي على كسرها عبر توجيه مفارزه الهجومية إلى نكولايف، المدينة – المرفأ، التي تشكل إحدى أهم نقاط نهر الدنيبر، استيراداً وتصديراً لكل انواع المنتجات المدنية من غذاء وماء ودواء يحتاجها الأوكرانيون للصمود ومتابعة القتال، مما سيضعفهم أكثر فأكثر.
كذلك ستكون مجمعات صناعية عسكرية تنتج على السواء أسلحة برية وبحرية وجوية، من أهداف الجيش الروسي، في سعي منه للسيطرة على جميع المناطق الأوكرانية الجنوبية شرق نهر الدنيبر .
وفي ظل انعدام أي نية صادقة للتفاوض الجدي والمثمر من قبل الغرب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو ما تؤكده كل الاتفاقيات السابقة معه، التي لم يحترمها ولم ينفذها الغرب وواشنطن معاً، فإن القوات الروسية ستتابع تقدمها، عاجلاً أم آجلاً، للسيطرة على أوديسا، ثالث أكبر مدينة روسية تاريخياً في أوكرانيا، الواقعة على شواطئ بحر أزوف الغربي، محكمة بذلك قبضتها على كامل الجغرافيا السياسية والإقتصادية لهذا البحر، بحيث تتحول إلى منطقة نفوذ روسي بشكل مطلق، بهدف كسر مفاعيل كل الإتفاقيات العسكرية الثنائية (البحرية خاصة) التي أبرمها الرئيس زيلينسكي مع كل من بريطانيا وفرنسا وغيرهما من دول الناتو الأوروبية الغربية.
وفقاً لكل ما تم ذكره، ستكون قد ارتسمت أولى ملامح الأمن الأوروبي الجماعي الجديد في البر الأوروبي الأوسط والجنوبي، الممتد من شمال أوكرانيا وصولاً إلى بحر أزوف جنوباً.
2 – بحر البلطيق في شمال أوروبا
تعمل روسيا الاتحادية حالياً، ووفقاً لعقيدتها العسكرية الجديدة المبنية على تجهيز 2.1 مليون جندي محترف، لنشر وتعزيز قواتها براً، بحراً وجواً في منطقة البلطيق، للتصدي والدفاع عن أراضيها المتاخمة لهذه المنطقة، بما فيها دول البلطيق الثلاث: لتوانيا، لاتفيا واستونيا، بالاضافة الى بولندا والدانمارك، وفنلندا والسويد المنضمتين حديثاً إلى الناتو.
وسيساعد تلك البلدان جيب كاليننغراد المنفصل عن روسيا براً، والواقع على هذا البحر والممتد بين كل من بولندا ولتوانيا (ممر سفالكي)، عبر تفعيل وتطوير استراتيجية الثالوث النووي، المرتكزة على قوات نووية برية مؤلفة من صواريخ بالستية فرط صوتية، سواء كانت ثابتة في صوامعها أو متحركة، وأهمها على الإطلاق صواريخ Avangard & Sarmat وقوات نووية بحرية قائمة على غواصات شبحيّة قادرة على إطلاق طوربيدات نووية شبحيّة أيضاً من طراز Poseidonفي استطاعتها تدمير ومسح كل سواحل ومدن البلدان المعادية لها في هذه البقعة من الكوكب، عبر إحداث موجات مدّ عاتية Tsunami – s حرارية – إشعاعية تغرقها بالمياه عن بكرة أبيها (بعض أنواعها مصنوع لضرب السواحل الأميركية)، وأخرى جوية محمولة على قاذفاتها الإستراتيجية من نوع Tupolev Tu 22 M3 & Tupolev Tu 95 MS & Tupolev 155، فهذا الثالوث النووي هو الأحدث على الإطلاق حالياً في العالم.
3- شمال شرق البحر المتوسط
يعمل الروس حالياً على تعزيز واقع جديد بدأ يرتسم في البقعة الواقعة على حدود جنوب أوروبا، عبر تمتين علاقاتهم مع تركيا التي تشكل همزة الوصل بن بحري أزوف شمالاً، والبحر الأبيض المتوسط جنوباً، وذلك بواسطة دورهم في قبول استيعاب موقع تركيا في هذا النظام الجديد، بسبب عضويتها في الناتو من جهة، وطموحاتها التاريخية – التوسعية الطوركانية (تركيا الكبرى) من جهة أخرى، وبسبب علاقاتها الآخذة في التحسن مع العرب من جهة ثالثة.
ويعمل الروس على تلقف سياسات إردوغان البراغماتية شبه المحايدة بين الناتو بقيادة واشنطن، وأوروبا وروسيا والعرب، في إدارة وتنظيم النزاعات (إذا ما استمرت) في غرب آسيا، بما يتوافق مع مصالحهم هناك، بالتعاون مع أذربيجان وإيران والعراق وفي المناطق ذي النفحة الطوركانية، مقابل التعاون والمنفعة المتبادلة بينهما (تركيا وروسيا) في شرق المتوسط، حيث من المتوقع أن تلعب أنقرة دوراً إقليمياً كبيراً في الشرق الأوسط الجديد من بوابة التنافس على مصادر الطاقة فيه من غاز ونفط (بدعم من موسكو)، مع اليونان العضو في الناتو والاتحاد الأوروبي اللذين يحاربان روسيا حالياً في أوكرانيا، مما سيشكل الأرضية المناسبة لكي تصبح هذه المنطقة من المتوسط، المنطقة الثالثة من الحراك التوازني في الأمن الأوروبي الجماعي الجديد .
هي إذاً محاور أو مناطق وبقع ثلاث، ستشكل نواة نظام الأمن الأوروبي الجديد الذي بدأ يرتسم بدءاً من بحر البلطيق شمالاً، مروراً بأوكرانيا وسطاً، وصولاً إلى تخوم أوروبا جنوباً في شمال شرق البحر الأبيض المتوسط .