كتبت فاطمة حوحو لأخباركم ــــ أخبارنا
لم تكن عملية “طوفان الاقصى” التي قامت بها حركة “حماس” تلقى تأييدا رسميا من السلطة الفلسطينية غير المعترف بها في القطاع، إلا إنها أثارت شجون مناضلي الفصائل الفلسطينية المنضوين داخل منظمة التحرير وخارجها، لكن كان من الواضح ان المغامرة لم تكن لترضي حركة فتح التي تتسلم قيادة السلطة الفلسطينية منذ العام 1994 والتي تركزت في الضفة الغربية بعد ان طردتها “حماس” واقامت حكومتها المستقلة، ففصلت القطاع عن الضفة بعد صراع دام وتصفيات، تنامت على إثره شعبية حماس في صفوف الفلسطينيين وتراجعت حركة فتح التي اطلقت المقاومة الفلسطينية في العام 1965 والتفت حولها جماهير الشعب الفلسطيني وايدتها قوى اليسار في العالم العربي كما لاقت تأييدا واسعا من قبل حركات التحرر العالمية.
لم يتوضح موقف فتح من عملية طوفان الاقصى، فضربة على الحافر وضربة على المسمار كما يقال، وان كان البعض من المتحمسين قد وجد نفسه داخل المعمعة مرغما، فإنه لم يتم الاعلان عن موقف مؤيد علنيا لهذه العملية التي قلبت الواقع السائد، علما ان السلطة وفتح حملتا القضية الفلسطينية من جديد وحركتها لا سيما عبر نشاط سفاراتها ولوبياتها في الدول العربية والغربية، في كشف الجرائم التي ارتكبها الجيش الاسرائيلي ضد أهل غزة وأطفالها مطالبة بوقف القصف والممارسات التعسفية بحق الأبرياء، وبدا ان فتح كانت محرجة في إعلان موقف مؤيد لعملية “حماس”، لذلك كانت مواقفها تظهر في دعوتها لوقف للنار وقيام الدولة الفلسطينية وهي بذلك لم تكن بعيدة عن المواقف التي اتخذتها دول الانظمة العربية، وقد تبرأ الرئيس الفلسطيني من أفعال حماس التي اعتبرها خارجة عن قرارات السلطة وسياسات المنظمة، واكثر من ذلك قام العديد من قيادات فتح مع تطورات الاحداث بالاشارة الى دور ايران والمواقف التي تخدم مصالحها ولا تصب في خدمة الشعب الفلسطيني الذي دفع أثمانا باهظة.
كان من الواضح ان اتفاق اوسلو الذي وقع في العام 1993 لم ينجح في تنفيذ هدف المفاوضات التي تمت أي قيام الدولة الفلسطينية، وقد قامت السلطة الفلسطينية وسط انتقادات حماس لها وغيرها من الفصائل، التي اتهمت قيادات فتحاوية بتقديم مصالحها الشخصية على حساب الشعب الفلسطيني والتراجع عن اتخاذ مواقف سياسية معبرة عن قضيته وبالتالي تسبب ذلك في حالة جمود طوال سنوات واحدث صراعات كثيرة داخل اطراف حركة فتح، لا سيما بعد وفاة قائدها وزعيمها ياسر عرفات في العام 2004.
ولا احد يستطيع ان ينكر دور حركة فتح القيادي في اطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية، مما ادى الى استشهاد واعتقالات واسعة بين صفوف مناضليها طاولت عشرات الالاف.
لا شك ان اللاموقف من حرب غزة ادى الى تلاسن واتهامات بالتخوين على وسائل الاعلام، وكان لا بد من اعادة الحسابات ان كان بالنسبة لفتح او لحركة حماس التي اعلنت اخيرا عن جملة من المواقف المغايرة لا سيما ابداء استعدادها للانضواء داخل منظمة التحرير والذي كان باكورة لموقفها اللاحق من القبول بالاتفاق الاخير بعد المفاوضات التي جرت في مصر واوقعت اسرائيل في حيرة والتي لم تغير موقفها من استكمال مخطط السيطرة على معبر رفح.
فماذا عن وجهة نظر “فتح” حاليا في الاتفاق يقول الباحث الفلسطيني هشام دبسي لموقع “أخباركم ـــ أخبارنا”: “هو نفسه موقف السلطة المعلن الذي صدر فورا بانها تؤيد هذا الاتفاق لان الموقف السياسي للسلطة الفلسطينية في رام الله من اللحظة الاولى كان اعطاء الاولوية لوقف اطلاق النار حتى لا يتمادى الجيش الاسرائيلي في حرب الابادة وبما تنزله من خسائر كبيرة بالشعب الفلسطيني وعلى الرغم من ان حماس كانت تفاوض بشكل منفرد والسلطة تراقب ما يجري لكن عندما تم الاعلان عن موافقة حماس كانت السلطة مباشرة وراء هذا الموقف لانه باختصار يخدم مصالح الشعب الفلسطيني ولا مجال لاي مناكفة سياسية في هذا الامر على حساب الدم الفلسطيني نفسه”.
وعما اذا كانت الحرب قد انتهت ام ان هناك سيناريو اخر لا سيما ما يجري في رفح واغلاق المعابر؟ يجيب دبسي: “بتقديري الاولي ان نتنياهو لا يريد انهاء الحرب مهما تكن الضغوط التي تمارس عليه وان هذا الاتفاق هو بالدرجة الاساسية ابرم بضغط من الولايات المتحدة الاميركية اولا وبضغط من مصر وقطر على حركة حماس حتى يزيلوا من نتنياهو الورقة الرابحة بين يديه في كل مرة ترفض حركة حماس شروط او مطالب الهدنة ويبني عليها نتنياهو موقفه ليضع الكرة في ملعب حركة حماس اما الآن استطاعت حماس ان تتجاوز طريقة ادائها التفاوضي بان تبادر الى الموافقة وتتخلص من الضغوط الاميركية والمصرية والقطرية عليهاورمت الكرة في الملعب الاسرائيلي وهكذا نرى الان ان المازق هو عند نتنياهو فهو الذي لا يريد هدنة ويعطل الاتفاق ويقوم بعمل عسكري ضد مدينة رفح”.
لكنه يرى ان “هذا العمل العسكري محدود بناء على ماتسرب عن المكالمة بين نتنياهو والرئيس الاميركي جو بايدن وقد تم ابلاغ نتنياهو ان الولايات المتحدة على موقفها من رفض اي عمل عسكري في رفح واعتقد ان نتنياهو في لحظة مشادة مع السياسة الاميركية في هذا الشأن وحاول التمرد واثبات انه قادر على التغيير والتاثير في السياسة الاميركية وتحديها وكسر مساعيها في انتاج تسوية، ولكن هذا الامر لم يؤد لعملية عسكرية واسعة في رفح بقدر ما كان يذهب للضغط على طرفين اساسيين على مصر من خلال احتلال المعبر وعلى حركة حماس من خلال قطع اي امتدادات تأتي من الحدود المصرية، ولذلك فان الموضوع الان له بعد في الضغوط على المساعدات التي تدخل للشعب الفلسطيني في غزة، والجميع يدرك مستوى الضغط الغذائي وعدم وصول المواد الغذائية الاساسية للحياة، حيث لم ترتاح غزة حتى الان ولم يصلها ما يسد احتياجاتها الاساسية وبهذا المعنى نحن أمام مرحلة اخرى وجديدة يريد نتنياهو من خلالها ممارسة الضغوط لتجويع الفلسطينيين وتركيعهم عن طريق اغلاق المعابر ككل وهذا جزء من المعركة، ولا يوجد من يردع الاسرائيلي عن القيام به لا من الجهة الاميركية ولا من الجهة الاوروبية على الرغم من بعض البيانات التي لا تغير في واقع الحال شىء”.
ويرى دبسي ردا على سؤال حول مستقبل حركة فتح ما بعد الاتفاق، إنه “من المبكر الكلام في هذا الامر طالما ان الاعتراض الاسرائيلي قابل لان يفشل انتاج هدنة وقابل لأن يقلب الطاولة مرة أخرى لمصلحة استمرار الحرب بأشكال مختلفة وعلينا هنا الا نرى الامور من زاوية حركة فتح ان ثمة جديد في العلاقة مع حركة حماس او في الحالة الداخلية الفلسطينية لأن كل ما يدور من استقبال لوفود من حركة فتح او حماس سواء في الجزائر او موسكو او اخيرا في بكين انما تتم بالاساس لاحتياجات تلك الدول وليس لشىء آخر لأنها لقاءات لا تنتج أي تفاهمات جديدة بين فتح وحماس وحتى الان لا يوجد ما يبنى عليه بوحدة موقف فلسطيني على الرغم من كل الحالة التي يشهدها الشعب الفلسطيني ككل والدمار الذي تعاني منه الناس ولذلك الفصائل الأخرى ليس لديها وزن في هذه العملية، طالما ان القطبين الاساسيين “فتح” و”حماس” من الناحية الرسمية في حالة انقطاع ولا حوارات مباشرة ومن الناحية الشكلية يريدون دعوات من دول لها مصلحة في هذا المشهد لتوظيفيه على المسرح الاقليمي والدولي ولا يستطيعون عدم تلبية دعوات اللقاءات الثنائية لكنها لا تجدي ولا تثمن ولا ينتج عنها اي جديد، فالحالة الفلسطينية الداخلية فيها استعصاء بين فتح وحماس حتى لو ان الاخيرة تتبنى مطالب الافراج عن الاسرى اطلاق الاسير مروان البرغوتي وفي هذه القضية هناك من يعتقد انها من باب المناكفة واللعب على تناقضات حركة فتح الداخلية كما تفعل حماس مع محمد الدحلان او مع وزير الخارجية السابق ناصر القدوة الا ان الامر مجرد مواقف أولية لا يمكن البناء عليها ما ينتج اي توافقات حقيقة للأسف”.