كتب ابراهيم بيرم لأخباركم – أخبارنا: كان امراً ذا دلالة أن يظهر اعلام “حزب الله” صورة اللقاء الذي جمع خلال الساعات القليلة الماضية سيده السيد حسن نصرالله ووفد من حركة “حماس” بقيادة خليل الحيّة، بعد أقل من 36 ساعة على اطلالته الاعلامية الاخيرة، التي اطلق فيها خطاباً نوعياً تضمن آراء تتصل بمستقبل الوضعين الساخنين، الداخلي والاقليمي.
فالواضح أن الارادة التي عمّمت هذه الصورة والبيان الملحق بها، شاءت ان تكون هذه الخطوة استكمالاً للمفاصل الرئيسية التي ركز عليها ذلك الخطاب.
فبناء على تقدير خبراء في العقل الاستراتيجي لـ (ا ل ح ز ب)، أن نصرالله شاء أن يكون ذلك الخطاب نقلة نوعية تؤكد على الآتي:
- أن (ا ل ح ز ب) ولج لتوّه مرحلة جديد في منازلته مع اسرائيل المستمرة منذ اكثر من 218 يوماً، من منطلق أساسي وهو انه واثق من نفسه وانه يأنس من قوته وقدراته.
والواضح أن نصرالله وخصوصاً بعد أن ضمّن خطابه مواقف حيال الوضعين اللبناني والفلسطيني، أراد أن يعود الى الدور الذي تخلى عنه طوعاً مع بداية الاحداث في غزة وهو القائد الاساس للمحور. إذ من المعلوم أن نصرالله في اول اطلالة له بعد انطلاق عملية طوفان الاقصى، ظهر وكانه يسلم راية القيادة لحركة “حماس”، وأنه يقف وراءها وليس امامها. ولقد كان هذا القرار بناء على تقييم موقف والحسابات العميقة لمجريات المعركة وظروفها…
وعليه، فان عنصر الاثارة في لقاء نصرالله مع خليل الحّية هو التوقيت والصورة. فالمعلوم تماماً أن التنسيق بين الطرفين يتم على مدار الساعة وعلى كل المستويات، لذا فان إشهار هذا اللقاء على هذا النحو ووفق التوقيت، هو إيذان ببدء مرحلة جديدة مختلفة في الصراع المفتوح المحتدم بين محور المقاومة من جهة وبين الاسرائيليين من جهة أخرى.
وحسب معلومات مستقاة من مصادر الطرفين، أن لقاء نصر الله – الحيّة الذي كشف عنه اخيراً، هو الثالث من نوعه منذ ان تسلم الاخير من قيادته المباشرة الموجودة في غزة، المهمة الشاقة وهي ملف التفاوض غير المباشر مع الاسرائيليين من سلفه رئيس المكتب السياسي للحركة (يعادل صفة الرئيس العام) القيادي التاريخي اسماعيل هنية.
هذا التطور عدّ في ذلك الحين حدثاً، لأنه وفق معلومات سرت لاحقاً، تمت عملية التسلم والتسليم بناء على أمر عمليات من نزيل الانفاق في غزة والمتحكم بمسار المواجهات هناك يحيى السنوار.
لذا، تأتي صورة اللقاء (نصرالله – الحيّة) الاخيرة في هذا التوقيت بالذات، كرسالة مفتوحة موجهة الى من يعنيهم الأمر، تنطوي على الآتي: - ان نصرالله على علم بأدق التفاصيل في شأن جولات المفاوضات غير المباشرة الدائرة، وهو بذلك يجسد دور الشريك في هذه المفاوضات الصعبة. وهذا يعني استطراداً ان النتائج المرتقبة لهذه الجولات التفاوضية لن تتم في معزل عنه أو من دون علمه، واستتباعاً من دون مباركته وموافقته.
- المعلوم ايضاً ان جولة المفاوضات الاخيرة والتي كان مسرحها القاهرة، كان وفق التقديرات، الجولة الثامنة في جولات انطلقت من الدوحة لتنتقل بعد ذلك الى القاهرة.
- في السياق عينه، يذكر أن وفد “حماس” برئاسة الحيّة سارع في الجولة الاخيرة الى اعطاء موافقته على الورقة التي وضعتها القيادة المصرية لترسيخ اتفاق يبدأ بوقف النار ويتم على مراحل ثلاث. والمعلوم ان الاسرائيلي بادر الى تجاهله، وسارع في المقابل الى احتلال معبر رفح المصري – الفلسطيني. فكان ذلك إشارة الى أن الاسرائيلي وجد نفسه بحاجة ماسة الى ممارسة المزيد من الضغوط على الجانب الفلسطيني، عسى أن يستحصل منه على “صورة النصر” التي سعى اليها منذ البداية ليستعيد قوة ردعه ويزيل آثار غزوة “طوفان الاقصى” عنه.
- أمام واقع الحال هذا، وجد الفلسطيني وشركاؤه في المحور وفي مقدمهم “حزب الله”، انه بات يتوجب عليهم الاستعداد لأمرين:
- الاول، ردود ميدانية تثبت للاسرائيلي ان حركة “حماس” التي تقود المواجهة في غزة والضفة الغربية و”حزب الله” الذي يقود “حرب الاسناد والدعم” لها على جبهة الحدود الجنوبية اللبنانية، ما انفكا يملكان المزيد من عناصر المفاجأة العسكرية الردعية.
- الثاني، إعداد المسرح لجولة المفاوضات التالية الآتية ساعتها حكماً، وهذا يعني أن عليهما اظهار اوراق قوة جديدة.
- لذا كان مطلوباً ان يتضمّن البيان الصادر عن لقاء الضاحية الجنوبية الاخير، ما يشي باستعداد الطرفين لخوض غمار مواجهات ميدانية من جهة واثبات أنّ “حماس” وشركاءها ليسوا في وارد التراجع بأي شكل من الاشكال او تقديم تنازلات.
- بناء على كل هذه المعطيات، تقول مصادر على صلة بكل من (ا ل ح ز ب) و”حماس”، بأن كلا الطرفين لم يضيعا الوقت، إذ اقدما على خطوتين معاً:
- الاولى: إطلاق خطاب سياسي يبدوان فيه انهما اكثر اطمئناناً من اي وقت مضى إلى نتائج المواجهات الدائرة بضراوة منذ اكثر من ثمانية اشهر واعتبارها انها مقدمات تعدّ بنصر مبين للمحور وبخسارة مدوّية للعدو. تبدى ذلك في اطلالات رموز “حزب الله” في الاسبوعين الماضيين، وهي في مجملها تبنّت خطاباً شبه موحد يقوم على نظرية ان اسرائيل تراوح في الازمة، وأن قيادتها مهما كابرت ستمضي عاجلاً ام اجلاً الى طاولة المفاوضات التي ستفضي الى وقف النار.
- الثانية: اللجوء الى اتباع تكتيكات ميدانية جديدة سواء في غزة وقطاعها او على جبهة الحدود الجنوبية. وهذه التكتيكات انزلت بالاسرائيلي ضربات وخسائر غير مسبوقة، خصوصاً على صعيد العديد والافراد.
واللافت ان (ا ل ح ز ب) يعتبر بأنه قدم خلال الـ 48 ساعة الماضية اداء عسكرياً متطوراً ومختلفاً، إن لجهة ادخال أنواع جديدة من الصواريخ والمسيّرات الانقضاضية، والقدرة على استهداف المواقع والنقاط، او لجهة توسيع مديات المواجهة. إذ وفق معلومات أماط (ا ل ح ز ب) اللثام عنها اخيراً، فان مسيّراته الانقضاضية نجحت خلال الساعات الـ 36 الماضية في استهداف قاعدة “ايلانية” الواقعة غرب مدينة طبريا، اي على بعد 50 كيلومتراً عن الخط الحدودي الفاصل، وهي عملياً وفق التقديرات عينها اعمق نقطة يستهدفها (ا ل ح ز ب) في الاراضي الفلسطينية المحتلة. فضلاً عن ما تحتويه هذه القاعدة من منظومات مراقبة وكشف لسلاح الجو.
كما أفصح (ا ل ح ز ب) على لسان مقربين من دوائره، عن أن هذا الفعل التصعيدي الفاعل من جانب جهازه المقاتل يؤكد على الوقائع الآتية: - الاول، ان صندوق المفاجآت الميدانية عند (ا ل ح ز ب) لم ينضب بعد.
- الثاني، انه لا يزال يحتفظ بزمام التحكم والسيطرة في المعارك، وهو ما يساعده على منع الاحتلال من فرض معادلات جديدة مرتبطة بعمق العمليات ومسرحها.
- الثالث، ان هذا الاداء هو بمثابة رد قوي وعاجل على عمليات الاغتيال المتتالية التي نفذتها المسيّرات الاسرائيلية للعديد من كوادر (ا ل ح ز ب) وقياداته، وآخرهم القيادي سيد مكي الذي سقط في غارة ليليلة على طريق البص – الحوش بالقرب من صور، وهو وفق الاحصاءات “الجنرال” الثامن الذي تنجح اسرائيل في تصفيته منذ الثامن من تشرين الاول الماضي.