![](https://akhbarkum-akhbarna.com/wp-content/uploads/2023/05/1-1452303-compress.webp)
خاص “أخباركم” – ميشال ن. أبو نجم
في وقت تركز القوى السياسية اللبنانية على ملف رئاسة الجمهورية، تتحول ملاحقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى “وجع رأس” للمنظومة الحاكمة التي لا تعرف كيف تتصرف بهذه “العبوة” المتفجرة” لـ “سلامة”، خاصة وأن “العبوة” تختزن أسرار النظام المصرفي – المالي – السياسي منذ العام ١٩٩٢، ما يجعلها شديدة الإنفجار… أسماء نافذين وأموال طائلة للرشوة وشبكة مترابطة كالعنكبوت
ليس تفصيلاً هذا الإصرار الدولي من البوابة الفرنسية على ملاحقة رياض سلامة واقتلاعه بما يمثّل من السلطة المالية – السياسية اللبنانية. إنه الحدث التأسيسي الثاني بعد انسحاب الجيش السوري عام ٢٠٠٥ الذي غيّر معادلات وأعاد صياغة توازنات السلطة السياسية في لبنان وحواضنها الإجتماعية.
فسلامة عُين في العام ١٩٩٢ لتثبيت الوجه النيوليبرالي المتفلت للإقتصاد اللبناني، بثنائيته القائمة على المصارف والتجارة. كان الممسكون بزمام السلطة آنذاك برعاية سورية يعرفون ماذا يفعلون، في استكمال لمسار “جمهورية المصارف والتجار” التي نظروا لها، ودمروا مقومات الإقتصاد الوطني من صناعة وزراعة وغيرها، لكي يبقون مستفيدين من التبعية الإقتصادية. ومنذ ال١٩٩٢، توسعت منظومة المافيا لتصبح تنيناً برؤوس متعددة، وانخرطت فيها قطاعات واسعة سياسية ومالية واقتصادية وقضائية وأمنية، وجُندت لها الأموال الطائلة لتصنعَ جيشاً من المطبلين الإعلاميين.
منذ ذلك الحين، وسلامة يخزّن الأسرار. هو شريكهم ومحاسبهم ومدير توازنات حماية المنظومة بركائزها الثلاثة المتشابكة عضوياً، المصارف، مصرف لبنان، السلطة السياسية. وفي سبيل ترسيخ الهيمنة، أنشأت المنظومة الإعلامية – الإيديولوجية الحامية لسلامة السرديات الخرافية عن “حمايتِه” “درةَ الإقتصاد الوطني”، من خلال السلوك العجيب ب”تثبيت سعر صرف الليرة”، و”الهندسات المالية” لزيادة محفظة البنوك، والسماح بالتالي لمافيا المضاربين والمصارف والسلطة بأن تنفّذ وظائف الحماية لبعضها البعض والإستفادة حتى آخر دولار من مدخرات اللبنانيين.
وعندما نقول إن التأسيس بدأ في العام ١٩٩٢، يمكن اللبنانيين أن يتخيلوا حجم ترسخ المنظومة بتشعباتها. هناك طبقة للحكم كاملة متكاملة تأسست منذ ١٩٩٢، والسؤال هنا عن تحولاتها في مرحلة ما بعد اقتلاع رياض سلامة. لا توهم بأن هذه الطبقة وهي المكونة من شبكة عابرة للطوائف والأحزاب، أن تتم إزالتها أو الإنتصار عليها، فمرحلة ما بعد ٢٠٠٥ خيرُ مثال على سلوك التحول والتكيف الذي تلجأ إليه، فتظهر في لباسٍ آخر مع شعارات كانت تمارس نقيضها، ولا نستغربنّ بعد فترة أن تغسل المنظومة يدها من رياض سلامة وتحمله وحده كل ارتكاباتها، وتعود فتغير جلدها واللباس والشعار.
وهنا، تزداد حراجة السؤال عن الإجراءات والآليات التي ستعتمدها، ومن هم حماتها ورعاتها الجدد، والذين يقدمون إليها خشبة الخلاص مجدداً. إنه سؤال يرتبط بمصيرنا كلبنانيين في الثلاثين عاماً المقبلة أقله، ولا داع لانتظار أجوبةِ المنظومة التي ستلجأ لكل الألاعيب القانونية لتبقى مهيمنة ومسيطرة على مقدرات الإقتصاد وأملاك الدولة، لتعوضَ خسائرها في المصارف من دولارات المودعين. ومن غير المستبعد أيضاً أن تعود لتقدم نفسها منقذة للإقتصاد وأموال المودعين، من خلال جيوش الإعلام نفسه الذي سخّر نفسه لحمايتها والتطبيل لها.
ما سبق لا يرتبطُ فقط بمسار سلامة وحماته من المنظومة. إنه تعريةٌ للسلطة الحقيقية العميقة المالية – الإقتصادية التي تختبئ خلف انقسامات الطوائف والأحزاب، لترسخ هيمنتها على اللبنانيين وتَبقى قابضة على أعناقهم، وتلهيهم بقشور الخلافات القائمة في كثير من الأحيان على تصورات موهومة.
إنها رواية متكاملة لم تم تكتب كل فصولها بعد. من يروج لها يفضل ترويج روايات صراعات الطوائف والسياسيين لأنها مفيدة أكثر للهيمنة…