كتبت استال خليل
لباس البحر نجح باشعال حرب الثقافات في صيدا جنوب لبنان، في مشهد لم يعتد عليه أهل المدينة العريقة التي يجتمع فيها المسلم مع المسيحي واليهودي، والتي لطالما عرفت كوجهة من الوجهات الأكثر طلبا لدى السائحين. مجموعات تطالب بالحرية والإنفتاح والحضارة، مقابل مجموعات تطالب بالتمسك بالعادات والتقاليد.
القصة بدأت حين تعرضت المواطنة ميساء حنوني وزوجها للإعتداء والطرد، بسبب “لباس البحر على شاطئ البحر”. وحصل ذلك على يد شيخين، تشير المعلومات إلى أن أحدهما لبناني والآخر فلسطيني. وذلك ما أخرج بعض فلسطينيي ولبنانيي صيدا المتمسكين بالأعراف إلى الشارع، ليرفعوا صوتهم ضد “لباس البحر”، في بلد أقل ما يقال عنه إنه مفلس.
المواطنة ميساء حنوني روت في حديث عبر “أخباركم أخبارنا” تفاصيل ما حدث. إذ قالت “كنت مع زوجي الذي تأذى كما أنا تأذيت وحرم من حريته كما أنا حرمت على شاطئ صيدا، وغير صحيح إنني كنت برفقة سيدة، كما لم أرشق بالحجارة. وكنت مصرة على توضيح ما نشر لأنني لا أسمح بظلم أحد كما لا أسمح بأن أتعرض للظلم”.
وتابعت: “كان الشاطئ مليئاً بالناس، في يوم كأي يوم طبيعي على الشاطئ الذي أزوره منذ خمس سنوات، ولم أتعرض يوما للاهانة، وكنت أقرأ كتابا بكل هدوء وسلام إلى جانب زوجي، إلى أن أتى شيخان وأصرا على الحديث معه على انفراد وأخبراه أن وجودي بلباس البحر لا يجوز دينيا وعرفيا، وعلينا المغادرة في غضون عشر دقائق، لكن زوجي أكد أننا لا نقوم بأي عمل خارج القانون لذلك لن نغادر”.
“لا أخاف إلا من ربي”!
وأضافت: “بعد ذلك، أرسل الشيخان أكثر من 15 شابا بدأوا بمضايقتنا وبرمي الرمال علينا في عبوات للمياه، وركلنا بالرمل، والتفوا حولنا بشكل دائري، لكننا لم نقم بأي رد فعل لأننا صدمنا مما يحصل. وقال شاب محترم كان متواجدا على الشاطئ، لهؤلاء الشباب، إنه من غير المقبول الإعتداء على سيدة وزوجها، وما يفعلانه هو شأنهما والهداية لا تكون بهذه الطريقة وما تفعلونه لا يشبه ديننا، ليرد عليه أحد الشباب بأن الشيخ طلب منا ذلك. وبعدها، قال أحد الشيخين لشبابه “إسحبوه” (عن زوجي)، فأنا خفت كثيراً عليه لأنه استخدموني لإهانته وهذا ما لا أقبل به. وبعد حديث الشاب معنا عن ضرورة المغادرة من أجل سلامتنا، غادرنا المكان”.
ولفتت حنوني إلى أنها ناشطة اجتماعية ومواطنة حاضرة في كل مكان، ولم تشأ الإجابة عند سؤالها عن دينها ومنطقتها من قبل الشيخين ومجموعتهما، لأن ما حصل مها ممكن أن يحصل مع أي سيدة أخرى وهو غير مقبول، لأن شاطئ صيدا هو شعبي ومن حق أي شخص أن يتنعم به”.
وأكدت أيضا أن القوى الأمنية تعاملت بحياد لطيف مع القضية، وبكل احتراف، مؤكدة أنها لم تكن تريد الذهاب إلى حيث هم أرادوا أخذها.
وأردفت قائلة: “أنا لا أخاف إلا من ربي، لكنني أشعر بالحزن كمواطنة على بلد العلم والثقافة والمبادرات والحضارة، وأنا لست ضد رجال الدين أو أي أحد فكل إنسان هو حر طالما لا يخالف القانون… أعيدونا إلى الأيام الجميلة والسياحة وحين كان لبنان فعلا سويسرا الشرق”.
كما استغربت عبارة “اللباس المحتشم” المكتوبة على اللافتة التي رفعتها البلدية، سائلة: “ما هو اللباس المحتشم؟ لماذا لا يمكن اعتبار الشباب بلباسهم السراويل القصيرة وهم عراة الصدر عدم احتشام؟ ولماذا تفصيل قوانين على قياس البعض؟”.
وعن الفيديو الذي استخدمه البعض ضدها وظهرت فيه وهي تشتم، فقالت: “نشرته منذ أكثر من ثلاث سنوات، حين كانت الطريق مقفلة في صيدا خلال فترة الإحتجاجات، وكنت أحاول أن أخرج من المكان، وإذ بشباب يبدأون بتكسير سيارتي وإهانتي. لكن كل إنسان يخطئ يسامحه الله، وأنا أخطأت وعبرت عن مشاعري إلى هذا الحد… لماذا كل هذا الجلد؟ هل الدين يسمح بذلك؟”.
ختاماً، توجهت إلى كل سيدة تظاهرت ضدها بالقول: “إحترمي لباسي كما أنا أحترم لباسك وحجابك وتقبليني كما أنا أتقبلك لأننا نعيش في وطن واحد. نحن ربينا في عائلات إسلامية ملتزمة وعلى أسس الدين، لكن قال يوما أحدهم لفتاة: دعي الحجاب يغطي شعرك لا عقلك. وللرجال أقول: ادعموا سيداتكم ولا تتخلوا عنهم”.
حوار مفتوح
وفي سياق متصل، أكد فراس السنيورة، وهو إبن مدينة صيدا، أنه “لا يحق لأحد منع أي شخص من التنعم بشاطئ صيدا أو أي معلم طبيعي عام آخر في البلاد”.
وقال في حديث عبر “أخباركم أخبارنا”، “معظم الذين احتجوا ضد وجود نساء بلباس البحر على شاطئ صيدا، كانوا متأثرين بفيديوهات انتشرت على مواقع التواصل الإجتماعي أسيء فهمها، ومنهم نزل إلى الشارع بأجندات خاصة، لكن الأهم في القضية أنها خلقت نقاشا وحوارا مفتوحا بين رأيين مختلفين”.
وتابع: “اللافتة التي رفعتها بلدية صيدا، وشددت فيها على الإحتشام على الشاطئ غير واضحة، لأن مفهوم الإحتشام يختلف من شخص إلى آخر بحسب ثقافته وبيئته”.
يذكر أن صراع الثقافات حول الملابس ليس الأول في لبنان، فسبق أن حدثت أحداث مماثلة في سنوات سابقة.