![واشنطن وطهران](https://akhbarkum-akhbarna.com/wp-content/uploads/2023/05/20035386161591703816-800x473.webp)
كتب جورج حايك
هناك شعور لدى المراقبين بأن لا انفراجات على صعيد الأزمة اللبنانية عموماً والاستحقاق الرئاسي خصوصاً، رغم الإتفاق السعودي الايراني وعودة سوريا إلى الجامعة العربية وسعي الدول العربية إلى التطبيع مع النظام السوري، وغيرها من الأجواء الإقليمية الايجابية. ويبدو أن كلمة السرّ تنتظر تطوّر العلاقة بين واشنطن وطهران، وربما تذهب إلى اتفاق نووي أو مواجهة عسكرية تفجّر الشرق الأوسط بأكمله.
بنى محور الممانعة آماله في الاستحقاق الرئاسي على الأجواء الايجابية التي نتجت من الاتفاق السعودي الايراني، واعتبر ان دينامية الاتفاق ستدفع القوى السياسية السيادية وتحديداً المعارضة الى التنازل والقبول بمرشح “الممانعة” سليمان فرنجية، معتمداً على قدرة فرنسا بإقناع السعودية أولاً، وارسالها كلمة السر لأصدقائها في لبنان وعندها تصبح الطريق أمام فرنجية مفتوحة ويضمن “حزب الله” 6 سنوات جديدة في هيمنته على البلد.
لكن هذا السيناريو المتفائل لمحور الممانعة لم يحصل، إذ بقيت مواقف القوى السياسية اللبنانية ولا سيما المعارضة ثابتة، بل تميّزت بصلابتها رغم عدم اتفاقها بعد على مرشح واحد، وان كادت تتوحّد حول إسم جهاد أزعور. واللافت أن ما غاب عن محور الممانعة، هو ان السعودية لا تفرض على اصدقائها في لبنان أي مرشّح ولا تتدخل بتفاصيل الانتخابات الرئاسية، وحركة سفيرها وليد البخاري اقتصرت على تسهيل حصول جلسة انتخابية قريبة في اجواء من المنافسة الديموقراطية التي يضمنها الدستور اللبناني، وهذا ما لا يريده “حزب الله”، بل يسعى إلى فرض مرشحه على الجميع، أي لا انتخابات انما تعيين رئيس للجمهورية، وهذا ما دأب عليه منذ عام 2016 عندما أرغم الجميع على القبول بانتخاب ميشال عون رئيساً. هذه المرة يبدو ان التاريخ لا يعيد نفسه، وحتى فرنسا التي كانت داعمة على نحو كبير لفرنجية باحثة عن صفقة اقتصادية ومالية مع “حزب الله”، اصطدمت بموقف القوى السياسية المسيحية الرافضة له، وهذا ما سمعه الرئيس ايمانويل ماكرون من البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في زيارته إلى فرنسا. أما العائق الثاني الذي جعل فرنسا تعيد حساباتها فكان الموقف الأميركي الرافض لرئيس لبناني ينتمي إلى محور الممانعة.
أمام هذا الواقع، برزت مشكلة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومحاسبته أمام القضاء الفرنسي، والاقتراب من انتهاء ولايته في أواخر تموز. وهذا الحدث سيلقي بظلاله على الانتخابات الرئاسية، وهو يعني الكثير للأميركيين الذين يعتبرون أن هذا الموقع حساس جداً، وله أبعاد تتعلق بالجرائم المالية ولا سيما ان هناك عقوبات ضد “حزب الله” في هذا المجال.
لذلك، ضغطت السفيرة الأميركية دوروثي شيا مدفوعة من ادارتها، على الرئيس نبيه بري بفتح أبواب المجلس النيابي لإنتخاب رئيس، وما يؤكّد ذلك إعلانه عن عزمه الدعوة إلى جلسة في 15 حزيران المقبل، واشترط من أجل الإقدام على هذه الخطوة وجود مرشحين جديين، مما أعطى زخماً للمعارضة كي تتفق على إسم جهاد أزعور ومحاولة ردم الهوة بينها وبين “التيار الوطني الحر”، علماً أن رهان “حزب الله” كان على عدم قدرة هؤلاء الاتفاق على مرشّح واحد، لكن حصل عكس ذلك، وتفاجأ “الحزب” بسرعة اتفاق خصومه وحساب الحقل لم يطابق حساب البيدر، وهذا ما يبرر مواقف قياديي “الحزب” العالية النبرة التي بدت غير متماسكة وبعيدة عن المنطق بأن أزعور مرشح غير جدي! ولا شك في ان الولايات المتحدة ليست بعيدة عن أجواء مرشّح المعارضة، فأزعور هو مسؤول مهم في صندوق النقد الدولي ولديه علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، ويشكّل اسمه عامل ثقة وإجماعا من المجتمع الدولي.
وأهم موقف أميركي مؤخراً يأتي غداة رسالة خاصة رفعها رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي روبرت مانديز والعضو البارز في اللجنة جايمس ريتش الى الرئيس الاميركي جو بايدن أعربا فيها عن قلقهما إثر الجمود السياسي في لبنان. وعرضت الرسالة لمراحل العقوبات الأخيرة التي طاولت مقرّبين من”حزب الله” ومتعاونين معه، وما هو مطلوب في المرحلة المقبلة. وحضّت الرسالة بايدن على العمل عن قرب مع حلفاء أميركا وشركائها في المنطقة لدعم العملية الديموقراطية الشرعية ومرشحين رئاسيين، بخلاف الرؤساء السابقين، يملكون القدرة على خدمة الشعب اللبناني والخضوع لمحاسبته، وهذه المواصفات على لسان بعض الديبلوماسيين الأميركيين تنطبق على أزعور وقائد الجيش العماد جوزف عون.
وهؤلاء يؤكدون ان الولايات المتحدة لن تقبل برئيس محسوب على “حزب الله”، بل برئيس قادر على ان يجمع اللبنانيين وان يقود عملية انتشال لبنان من الحفرة التي هو فيها، ذلك قبل مغادرة سلامة “المركزي” في تموز المقبل. ولا يستبعد الديبلوماسيون مرونةً اكبر من الرئيس بري في الفترة المقبلة، بعد ان انتقدت الرسالة الاميركية النيابية، أداءه الرئاسي، وذلك ربما لتفادي عقوبات او اجراءات اميركية لا يحبّذها حالياً.
لن يقف “حزب الله” مكتوفاً أمام التحدي الأميركي في ما يخص الانتخابات الرئاسية، ولا شك في أنه لن يتراجع الآن محبذاً المواجهة حتى النهاية، وهذا ما يتطابق مع كلام النائب محمد رعد عن “النفس الطويل”، وبالتالي سيواجه “الحزب” الأميركيين بأخذ الانتخابات الرئاسية “رهينة” حتى يلوح في الأفق بصيص نور من المفاوضات الاميركية الايرانية التي لا تبدو نتائجها قريبة نتيجة انهماك واشنطن بأزمات أخرى، لكن ما يعرفه “الحزب” أن اي حل في لبنان لن يكون بمعزل عن الإرادة الأميركية، وهو لديه أطماع بصفقة على قاعدة المحاصصة، اي توزيع المناصب على القوى الأساسية، تكون فيها حصة الاسد لقوى الممانعة أي “رئاسة الجمهورية” فيما يتم إرضاء القوى الاخرى المعترضة بمنصبي قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان، وما يسلّم به “الحزب” البرغماتي، ورغم أدبياته ضد الهيمنة الأميركية، بأنه لا يمكن تجاوز واشنطن في الملفات المصيرية، فهل يطول الإنتظار؟
من جهة أخرى، تتجه المنطقة إلى التصعيد من منظار أميركي، فالتدريبات في التنف للجيش السوري الحر لا تزال على قدم وساق، والموقف الأميركي من التطبيع العربي مع النظام السوري سلبي جداً، وهي مستمرة في تطبيق قانون قيصر. من جهة أخرى، هناك معلومات تشير إل أن الولايات المتحدة تجري محادثات سرية في العاصمة العُمانية مسقط مع وفد من النظام السوري. وإذا صحّت هذه المعلومات يعني ان واشنطن تستخدم سياسة “العصا والجزرة” مع النظام السوري!