كتب جورج حايك: رغم أن الإسمين البارزين اللذين يخطفان الأضواء رئاسياً اليوم هما سليمان فرنجية وجهاد أزعور، إلا أن قائد الجيش العماد جوزف عون لم يخرج من السباق الرئاسي بعد، بل ثمة سيناريو يجري تداوله بأنه سيتم استبعاد كل من فرنجية وأزعور بعد فترة، ليكون العماد عون الإسم الأوحد المطروح محلياً ودولياً كحل وسط بين كل القوى السياسية المتناقضة، وخصوصاً أن مسيرته في قيادة الجيش كانت ناجحة بإمتياز.
فمن هو جوزف عون؟
تطوع في الجيش بصفة تلميذ ضابط وألتحق بالكلية الحربية إعتباراً من 19 أيار 1983، قبل ان يرقّى إلى رتبة ملازم إعتباراً من 6 أيار 1985، ثم حاز على شهادات في العلوم السياسية-اختصاص شؤون دولية ثم إجازة في العلوم العسكرية. وكرّت سبحة الترقيات حتى أصبح عميد ركن وتابع مهمّات حفظ الأمن والإستقرار في الجنوب، والتنسيق مع قوّات الأمم المتحدة. وبعدها عيّن قائداً للواء التاسع في الجيش، ووصف بقائد جبهة عرسال. وبفضل توجيهاته أقامت القوى الأمنيّة سلسلة من المراكز العسكريّة المُتقدّمة مع أبراج مُراقبة للجرود وللداخل السوري.
الجنرال عون له خبراته القتالية المُتمرّسة على الأرض، ومشهود له بمناقبيته وحياته العسكرية التي قضاها في الوحدات العملانية منفذاً المهمات على الارض، بخبرة وكفاءة عالية. هو من مواليد كانون الثاني 1964 في سن الفيل، إلا أن اصله من بلدة العيشية الجنوبية. وهو متأهل من نعمت نعمه ولديه ولدان: خليل ونور.
وبعد ان تسلّم قيادة الجيش عام 2017 حقق الإنجازات العملانية التالية:
- معركة تحرير الجرود البقاعية، وقد تابع عن كثب غرفة عمليات الجيش اللبناني والإدارة الميدانية العسكرية لمعركة “فجر الجرود” التي خاضها الجيش والى جانبه المقاومة ضد الجماعات الإرهابية المسلّحة في سلسلة الشرقية لجبال لبنان.
- أحداث 17 تشرين الأول 2019، والتي نزل فيها الجيش اللبناني في محاولة لضبط “التظاهرات” وإعادة فتح الطرق في بعض المناطق.
- عالج عون حادثتي خلدة وعين الرمانة اللتين وضعتا البلد على كف عفريت، وتمكّن بحكمته من نزع فتيل حرب أهلية.
- ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلّة والمفاوضات مع “الوسيط” الأميركي آموس هوكشتاين، ويُسجّل أن قيادة الجيش كلّفت فريقاً خاصاً للبحث في الترسيم وكانت متمسكةً بحق لبنان في الخط 29.
- تمكّن من المحافظة على المؤسسة العسكرية في ظلّ انهيار مالي واقتصادي يتخبّط به لبنان، ونجح في تأمين مساعدات للجيش من الولايات المتحدة الأميركية وقطر وايطاليا وغيرها.
- ابقى الجيش اللبناني في منأى عن تدخلات السياسيين وخصوصاً في مسألة التعيينات.
وهنا لا بد من طرح سؤال أساسي: هل سيصبح العماد عون رئيس الجمهورية القادم؟
لا شك في أن عون أثبت أنه رجل دولة من خلال ادائه في قيادة الجيش، وقد كسب ثقة المجتمع الدولي وأكثرية القوى السياسية اللبنانية. فهو كان قائداً بكل ما للكلمة من معنى، لم يتدخّل لا بالطائفية ولا بالمذهبية ولا بالسياسة ولا بتجّار السياسة، بل احتفظ لنفسه برتبته وناضل من أجل الجيش ومن أجل شعبه، ولتأمين سلامة الوضع الأمني وهذا ما نجح به نجاحاً كبيراً. فلولا الجيش اللبناني والقوى الأمنية الموجودة في وطننا لكنا في خبر كان، لأن السياسيين قد عاثوا فساداً في الأرض.
لكن في الواقع، لم يبد العماد عون رغبته يوماً بأن يصبح رئيساً للجمهورية، بل يؤكد أن مهمته قيادة الجيش والمحافظة على أمن البلد لا أكثر ولا أقل. علماً ان انتخابه رئيساً يستوجب تعديل الدستور، وهذا ما لا يثير حماسة بعض نواب الامة، ومن يسمع هؤلاء يظن ان الدستور “مقدّس”، فيما يبادر البعض منهم يومياً إلى تجاوز بنود الدستور وحتى تمزيقها.
من جهة أخرى، هناك صعوبات أخرى أمام قائد الجيش تتعلق بهواجس بعض التكتلات النيابية، فرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل مثلاً، يرفض العماد عون لأنه لم يتساهل معه في مسألة تعيينات ومناقلات الضباط المسيحيين، وانسحب التوتر في العلاقة بين الرجلين على علاقة قائد الجيش بوزراء الدفاع، المحسوبين على التيار، والذين تعاقبوا في عهد الرئيس ميشال عون، من يعقوب الصراف إلى إلياس بو صعب إلى موريس سليم. ولم يخف باسيل انتقاده أداء قائد الجيش خصوصاً بعد انطلاق “ثورة 17 تشرين” عام 2019، متهماً إياه بالتراخي والتلكؤ في فتح الطرقات، وتحميله مسؤولية توسيع رقعة الاحتجاجات وإطالة أمدها، مما أدى إلى التضييق على العهد وإضعافه. علماً أن هذه الاتهامات هي أوسمة على صدر قائد الجيش، لأنه واجه “نهم” باسيل إلى السلطة وتدخلاته في شؤون الجيش.
ونصل إلى العائق الأساسي وهو الثنائي الشيعي الذي يضع علامات استفهام حول علاقات العماد عون مع الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي، علماً أن هناك قصة تعود إلى بداية عهد الرئيس ميشال عون، ويُقال انه عندما أراد عون تعيين قائد للجيش عام 2017، طرح إسم العماد جوزف عون إلا أن “حزب الله” رفض، والسبب قربه من الأميركيين، مع ذلك، تمكّنت التوازنات في البلد من ايصال عون إلى قيادة الجيش. لكن من الناحية الموضوعية، لم يتصادم العماد عون مع سلاح “الحزب” ولم يخطئ في هذا الأمر، ولم يخرج عن معادلته الثلاثية “جيش، شعب ومقاومة”، بل حافظ على عمليات التنسيق الميدانية، والتجربة كانت ناجحة. إلا ان ما يخاف منه “الحزب” هو جوزف عون الرئيس وليس قائد الجيش، لأنه سيصبح صاحب القرار السياسي ولا شيء يضمن تعايشه مع سلاح “الحزب”، وخصوصاً ان “الجنرال” رجل مؤسسات وقد لا يستسيغ التدخل في قرار السلم والحرب من ميليشيا مسلّحة، ويريد أن يمارس الحكم الفعلي خلال عهده.
كل هذه الأمور ستكون ثانوية إذا تمت التسوية بين الولايات المتحدة الأميركية وايران في المنطقة، وسيصبح “حزب الله” مرناً أمام وصول عون وخصوصاً إذا حصل على مكتسبات معيّنة. فالجميع يعرف ان “الحزب” براغماتي، وهو يتمسّك حالياً بفرنجية ويفرض شروطه حتى يستدرج العروض التي تلائمه، علماً ان عواصم القرار غير مستعجلة حتى اليوم لإزالة العراقيل من امام الاستحقاق الرئاسي، وخصوصاً الولايات المتحدة، مما يعني أن الشغور مرشّح للإستمرار، إلا أنه لا شيء يمنع أن تقود التسوية الكبيرة العماد عون إلى قصر بعبدا، فهو مرشّح دائم وقوي شاء من شاء وأبى من أبى.